نشرت مجلة “فورين أفيرز” على موقعها ورقة بحثية من 15 صفحة بعنوان “الثورة الإيرانية القادمة: لماذا يجب ان تسعى واشنطن لتغيير النظام”؛ والورقة عمل مشترك بين ( إريك إيدلمان)Edelman و (راي تكي)Takeyh ، وقد صدرت بتاريخ أيار/حزيران 2020، أي بعد احتجاجات الشارع الإيراني ما بين أواخر أيام كانون الأول العام 2019 ومطلع كانون الثاني من العام 2020.
تعد الدراسة ﺑﻤثابة برنامج عمل الحراك الحالي في إيران الذي بدأ بذريعة حادثة وفاة الشابة مهسا أميني في تشرين الأول من العام الجاري. وهو حراك ﺗﻤظهر في بادئ الأمر وكأنه ذو هوية اجتماعية ثقافية، أقلّه كان هذا هو المراد من إظهاره؛ بحيث استخدم موضوع فرض الحجاب في إيران كعنوان رئيسي في أولى أيام التظاهرات لإحداث أكبر قدر من التأثير والتحريض. بيد أنه ومع تسلسل الأحداث التخريبية والعمليات الإرهابية اتّضح أنّه ليس أكثر من قناع يخفي أجندات خارجية وجهود استخباراتية عملت باتجاهات متنوعة في تجهيز بعض الداخل الإيراني لهذه الفوضى، لكن بانتظار الفرصة المناسبة في تحديد لحظة الصفر. فتو ّزعت السياسات والإجراءات باتجاه اختراق التنوّع الثقافي الإيراني؛ الاستثمار في تغذية النعرات العرقية والقومية؛ وترميم البقايا المشوّهة والهجينة من حكم الشاه ونظام السافاك.
هذه الإحاطة الموجزة للمشهد الإيراني اليوم يمكن قراءتها بوضوح في الدراسة المترجمة أدناه؛ بحيث أنّها لا تكشف فقط الدور الخارجي في السعي الدؤوب للانقضاض على نظام الجمهورية الإسلامية، وإنّما ما يمثّله هذا الهدف، أيضاً من أولوية قصوى تنعكس في مدى التركيز على تشريح المجتمع الإيراني بالدراسة والتحليل والبحث عن الفرص وملاحقة الثغرات في أدق التفاصيل. تطرح الدراسة إشكالية جدلية تؤرق صناع القرارالأمركي وهي إشكالية تغييير النظام أو تغييير سلوك النظام، التي تقسم هؤلاء إلى معسكرين ما بين مؤيد وناقد. وإ ّن القول بأن المعسكر المقابل للمؤيدين هو معسكر نقدي للدلالة على أنه ليس بمعسكر رافض للتغييير بالمطلق، ولكن لديه بعض الاعتبارات لما يراه عراقيل تحّد من فعالية نجاح الخيار الأول. وبمعنى آخر، تفيد عملية النقد أن تغييير النظام ما زال حاضراً داخل أروقة صناعة القرار، وعلى مختلف مستويات التفكير والتنظير والتخطيط.
بيد أنّ الاختلاف في وجهات النظر مثار الجدل في الداخل الأميرﻜﻲ حول تغييير النظام أو تغييير السلوك لا ينفي السياسات الأمريكية الجارية في استهداف إيران، الدولة والنظام والشعب معاً. فالبرنامج المطروح في الدراسة ينصّ على مجموعة من السياسات، كما يحّدد حزمة من الأهداف في إطار الاستعداد لما يطلِق عليه” الثورة القادمة”. ومما يدعو إليه البرنامج ” لجوء واشنطن للعمل والتمويل السري؛ احتواء النقابات العماللية والجماعات الشبابية والأصوات الجامعية؛ دعم الانشقاقات ومساعدة المعارضة في الداخل؛ إثارة المطالب؛وتوطيد فروع المعارضة الانفصالية”. أما أبرز الأهداف فهي بصريح العبارات الواردة في الدراسة: “إضعاف النظام والطعن في شرعيته؛ تقويض دولة إيران الدينية وإضعاف قبضة النظام على البلاد، واستنزاف اقتصادا لدولة وسلب إيران أمنها الداخلي وإحداث الشلل في البلاد “. وأكثر من ذلك، وبينما الدراسة منشغلة في رسم الدور الأميركي ما بعد سقوط النظام بالأيدي الداخلية، تنكشف النوايا الأمريكية الحقيقية المساهمة في تحديد دوافع المخطط الأميركي، فالقضايا الحقيقية التي تؤرق الإدارات الأمريكية وتشغل مراكز السياسة الخارجية هي”تخلي الدولة الإيرانية بالكامل عن البرنامج النووي واليورانيوم المخّصب” وعودة الهيمنة على النفط الإيراني عبرإعادة بسط اليد على “إدخاله في السوق”. أما الآليات التي تشكل الحجر الأساس في إشعال الثورة القادمة فهي التخريب الأمني والمواجهات مع قوى الأمن؛ استهداف الحرس الثوري وإحداث الشرخ بين قوى الأمن والشعب؛ انتهاك حرمة الرموز الدينية؛ قيام الاحتجاجات العمالية؛ الدعم الإعلامي الضخم وتوفير التسهيلات التكنولوجية، فتح المجال أمام الفضاء التواصلي، علماً أن الدراسة تكشف أن كلفة دعم الوكالات الإعلامية المعارضة تبلغ 30 مليون دولا ًرا سنويًّا.
إنّ هذا البرنامج يحاﻛﻲ ﺗﻤاماً ما يحدث في الساحة الإيرانية اليوم، لكنه برنامج عمره سنتين ونصف تقريباً، والأمر اللافت أنّ الدراسة تتطرّق إلى الدعوة إلى إسقاط النظام بطريقة موضوعية غير تقليدية؛ فهي وإذ تعترف بعدم قدرة الولايات المتحدة على إسقاط النظام مع ضرورة ذلك، في ذات الوقت الذي لا تتبنى فيه مقولة إمكانية تغيير السلوك؛ فإنها تطرح خيار تقويض النظام من الداخل، عبر ما سّمته “حملة من الضغط الخارجي والمقاومة الداخلية”. أ ّما التوقّعات أو مدى تأثير هذا فهو ما يظهر ﺑملاحظة ما تطرحه الدراسة كسيناريو “ما بعد سقوط النظام”، وهو ما يتطلعّون إيه منذ أربعين عامًا.
وفيما يلي رابط النسخة المترجمة من الدراسة
الخطة الأمريكية للفوضى في إيران