أهميّة بناء الأسرة

إنّ في شخصيّة كلّ من الرجل والمرأة ثغرات يحتاج كلّ منهما للآخر لسدّها وهذا ما يشير إليه القرآن الكريم في قوله تعالى:(... هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ...)

دور الأم في الأسرة والمجتمع

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “ما بُني بناء في الإسلام أحبّ إلى الله تعالى من التزويج”1.

هناك العديد من الروايات التي تحثّ على الزواج، وتتحدّث عن ذلك البيت الجميل الذي تعيش في كنفه العائلة في إطار اجتماعيّ شرعيّ يكفل الرعاية والأمن والتكامل. العائلة هي ذلك المجتمع الصغير الذي أكّد الإسلام على أهميّته وحثّ على بنائه ووجّه العلاقة بين أفراده على مستوى الأجواء والمسلكيّات قبل أن يتحدّث عن الحقوق والواجبات.

– ما هي أهداف هذا البناء؟

– ما هي الأجواء التي تظلّل هذا البناء؟

– وما هي الحقوق والواجبات؟
من أهداف الأسرة

هناك العديد من النصوص الشرعيّة التي تتحدّث عن أهداف البناء العائلي نوردها ضمن النقاط التالية:

1– العفّة والطهارة

إنّ الزواج هو التلبية الطبيعيّة لغريزة جعلها الله تعالى في الإنسان، وهي التي يحصل التكاثر والحفاظ على النسل من خلالها، فمن خلال الزواج تشبع هذه الغريزة وتسكت،ويضمن الإنسان عدم الإنزلاق خلف هذه الغريزة بشكل غير سليم، فالزواج هو الحافظ للعفّة والطهارة، وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “من أحبّ أن يَلقى الله طاهراً مطهّراً فليلقه بزوجة”2.

وتوجيه هذه الدعوة يبدأ من عمر الشباب، لأنّ الإنسان ربّما يضعف أمام طلب الغريزة وإلحاحها إن لم يلبّها بشكل صحيح وسليم وشرعيّ.

فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “ما من شاب تزوّج في حداثة سنّه إلّا عجّ شيطانه. يا ويلاه يا ويلاه عَصَم منّي ثلثي دينه، فليتقِ الله العبدُ في الثلث الباقي”3.

2– تمتين الأخلاق

إنّ ترك الزواج يتسبّب بالكثير من النزاعات النفسيّة داخل الإنسان، ممّا يفرز في نهاية الأمر الكثير من العقد والمشاكل النفسيّة التي تظهر على شكل سوء خُلق، لذلك كان الزواج حاسماً لمثل هذه الاضطرابات وسبباً في حسن الخلق وقد ورد عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “زوّجوا أياماكم فإنّ الله يُحسن لهم في أخلاقهم ويُوسع لهم في أرزاقهم ويزيدهم في مروّاتهم”4.

وهذا يتسبّب بالسكن المعنويّ الذي تحدّث عنه القرآن الكريم، يقول تعالى:

(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)5.

3- التكامل بيـن الزوجين ورفع الحاجات

إنّ في شخصيّة كلّ من الرجل والمرأة ثغرات يحتاج كلّ منهما للآخر لسدّها وهذا ما يشير إليه القرآن الكريم في قوله تعالى:(… هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ …).

4– ملء الأوقات بالطاعة

إنّ الزواج مسووليّة مباشرة لتأمين حاجات الأسرة بعد بنائها والمحافظة عليها، وهذا ما يترتّب عليه مهام وأعمال يوميّة. وهذا يُعطي الإنسان أهدافاً وبرامج يوميّة، بشكل يحول دون حصول المفاسد الاجتماعيّة الناشئة من الفراغ وعدم وجود هدف ومسووليّة.

5– تكثير النسل المومن واستمرار الحياة

عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “ما يمنع المومن أن يتّخذ أهلاً لعلّ الله يرزقه نسمة تُثقل الأرض بلا إله إلّا الله”7. على ضوء هذه الأهداف نجد النصوص الشرعيّة توجّه الزوجين وتُضفي على العائلة أجواء معيّنة تساهم بشكل أساس في تحقيق هذه الأهداف، فما هي الأجواء التي يُفترض توفّرها في العائلـة التي تكفـل تحقيـق هـذه الأهـداف الإلهيّة؟
أجواء حاكمة على العلاقة العائليّة

على المرأة أنّ تعلم أنّ علاقتها مع زوجها لها أولويّة شرعيّة وهي مقدَّمة ما دامت ضمن الضوابط الشرعيّة، حتّى صارت هذه العلاقة مُنطلقاً لجهاد المرأة، ففي الرواية عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “جهاد المرأة حُسْنُ التبعّل”8، أي حُسن العلاقة مع الزوج، وهناك العديد من التفاصيل التي ذكرها الشرع في هذه العلاقة منها:

1- المودّة: يقول تعالى: (… وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً…)9، والمودّة هي المحبّة، والمحبّة هي الميل النفسيّ الذي يشكّل قاعدة أساسيّة للتفاهم والانسجام.

2- الرحمة: وهي الأمر الآخر الذي أشارت إليه الآية السابقة، فبعد المودّة جاء دور الرحمة التي هي نوع من الرّقّة والتعطّف، فلم يكتفِ تعالى بعلاقة المودّة والمحبّة بين الزوجين بل عطف عليها الرّقّة والتعطّف، التي تظهر في الأعمال على شكل عطاء لا ينتظر مقابلاً. وقد ورد في الحديث: “ما من امرأة تسقي زوجها شربة من ماء إلّا كان خيراً لها من عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها”10.

3- المعاشرة بالمعروف: إذا استحكمت المودّة والرحمة في قلب الزوجين فلا بدّ أن تظهر آثارها في المعاشرة والحياة اليوميّة، على شكل: (… وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ …)11. فالذي يودّ ويرحم لا يمكن أن تقع منه الأذيّة: (… وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ…)12.

هذه المعاشرة بالمعروف تظهر في العديد من التصرّفات التي تشير إليها الروايات: فعن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “… خير نسائكم… الهيّنة الليّنة المواتية التي إذا غضب زوجها لم تكتحل (عينها) بغمض حتّى يرضى وإذا غاب (عنها) زوجها حفظته في غيبته، فتلك عاملة من عمّال الله، وعامل الله لا يخيب”13.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: “جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إنّ لي زوجة إذا دخلت تلقّتني وإذا خرجت شيّعتني وإذا رأتني مهموماً قالت: ما يهمّك؟ إن كنت تهتمّ لرزقك فقد تكفّل به غيرك وإن كنت تهتمّ بأمر آخرتك فزادك الله همّاً. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “بشّرها بالجّنة وقل لها: إنّك عاملة من عمّال الله ولك في كلّ يوم أجر سبعين شهيداً”14.