شبح البطالة والجوع يحاصر بائعات خبز “الطابونة” في تونس

خبز "الطابونة"، منتج تقليدي في تونس، تمتهن صناعته النساء من الأعمار كافة، لكنّ أعمالهنّ مهددة بالوقوف بسبب نقص الدقيق الذي يُعدُّ المادة الأساسية في العمل.

2023-07-19

أصبحت صاحبات المشاريع الصغرى في تونس، على غرار صانعات خبز “الطابونة”، أي خبز الفرن التقليدي، واللاتي تعدّ مادة الدقيق أساسية في عملهن، مهددات بفقدان موارد رزقهن إلى جانب الجوع المحدق بعائلاتهن.

تُعدُّ النساء في تونس قوة إنتاج أساسية، فهنّ يصنعن في بيوتهن خبز “الطابونة” وخبز “الملاوي”، إلى جانب أصناف متنوعة من المعجّنات، من بينها “الملسوقة” (ورق البريك التونسي) و”النواصر” و”الحلالم” وحتى “كسكسي العولة”.

وتبيع النساء هذه المنتجات، إما كمورد رزق أساسي، أو للحصول على دخل إضافي أمام تفاقم الغلاء والأزمة الاقتصادية التي تعيشها تونس، لكنّ نقص المواد الأولية جعل العديد منهن يحجمن عن هذه الصناعة.

وكانت أسواق تونس قد شهدت نقصاً في مادة الدقيق منذ مدة، فيما تقول الجهات الرسمية إنّ مردّ النقص هو الاحتكار، ولذلك شنّت في مناسبات متفرقة حملات مداهمة على مخازن تجّار الجملة، وهدّدت بتتبّع المحتكرين والمضاربين.

وعلى الرغم من ارتفاع أسعار المواد الأولية، كالزيت والخشب، فإن فقدان الدقيق  يشغل نساء الطابونة أكثر من الغلاء، إذ لا تزال صناعة الخبز مورد رزق للعديد من الأسر المحدودة الدخل.

في باب سوق منزل تميم، تجلس الخالة خديجة؛ امرأة في الثمانين من العمر، بكفين متورمين من حرارة الجمر، تبيع الخبز و”الملسوقة”، وتترقب الزبائن وتتحدث إلى باعة البقول المجاورين لها.

تحدثت الخالة خديجة  عن وضعها، فقالت إنّ “ما تمنحها إياه بناتها بالكاد يغطي حاجاتها، وهي تخجل من الطلب إليهن، فربما تضايق أزواجهن أو تقتسم مصروفاً قد يكون  أبناؤهن أكثر حاجة إليه، لكنها أمام تناقص الدقيق لا تعرف كيف تتصرف”.

ليست النساء المتقدمات في السن وحدهنّ اللواتي يكتوين بحرّ “الطابونة”، والوقوف لساعات تحت أشعة الشمس الحارقة، في مقابل انخفاض الدخل، إذ تمتهن نساء في مقتبل العمر أيضاً الصناعة نفسها.

تراهنّ على جوانب الطرقات، يضعن أمامهن لوحاً، أو “قفة” (حقيبة قدت من الحلفاء) فيها خبز “الطابونة”، بعضهن يخفين ملامحهن، فلا تظهر إلا أعينهن خجلاً من العمل في الطريق، أو ربما خوفاً من المضايقات.

على قارعة الطريق تمسك هناء (23 سنة)، وهي خريجة جامعية، قرصاً من الخبز حتى يعرف المارة ماذا تبيع. تستعين بها أمها لهذه المهمة في فصل الصيف، بعد أن صارت عاجزةً عن الوقوف في الشارع لساعات؛ كما أنّ لديها بعض المواشي التي يجب أن تهتم بها.

تشكو هناء عدم اهتمام المسؤولين بأوضاع بائعات الخبز، وعدم التفكير في  توفير أكشاك لهنّ، لتقيهنّ الحر والبرد، وتضمن كرامتهنّ بدل وقوفهن ّعلى الطريق.

وتقول هناء: “حين تذمّر أصحاب المخابز من فقدان الدقيق، كُرّست كل الجهود لحل المسألة، أما نحن، فلا أحد يسأل عن أوضاعنا، فلسنا من أصحاب الأموال”.

وفي السياق نفسه، كانت السلطات قد انطلقت سابقاً في تشييد أكشاك إسمنتية، مجهّزة لبيع الخبز وإزالة الأكشاك التي تمثّل شكلاً مرورياً وجمالياً وبيئياً، لكن هذا المشروع توقّف لسببين: أولاً، لأنه لم يشمل كل النساء، وثانياً، لشبهة فساد في المشروع.

“ذات يوم، مرضت وكنت مجبرةً على ملازمة الفراش. لم أفكر في صحتي، وإنّما كنت أفكر: من سيعيل الأسرة إن أنا تخلّفت عن ذلك؟”؛ بهذه الكلمات تروي آسيا (55 سنة) معاناتها وعلاقتها ببيع خبز “الطابونة”، مورد رزق عائلتها الممتدة حتى الأحفاد.

تمضي آسيا جاهدةً كل يوم لإعالة أسرة لا معيل لها، فبعد أن تأخذ  أبقارها إلى مرعى قريب، تعود مسرعةً لتجهيز الخبز بعد تحضيره، فتقف ساعات على حافة الطريق لبيعه، على الرغم من المخاطر المحدقة بها، والشمس اللاهبة التي لا تكفي “المظلة” (قبعة تونسية) لدرء مضاعفاتها.

تخبر آسيا أنّ “فقدان الدقيق أثّر في عملها، وفي مداخيلها، على الرغم من أنّ فصل الصيف وشهر رمضان هما أشدّ أوقات السنة طلباً على الخبز”.

وتقتسم عائشة، وهي امرأة في السبعين من العمر، المعاناة ذاتها مع زميلاتها في المهنة، فهي على الرغم من تقدّمها في السن، لا تزال تتقوّس على “الطابونة”، وتصنع الخبز.

وتقول عائشة إنّ لديها زبائن يأتون كل مساء لأخذ خبزهم، وهي تكلّف محل بيع مواد غذائية ببيع الباقي، مقابل نسبة من الأرباح، وعلى الرغم من الحر والتعب، وما تسببه هذه المهنة من أمراض، فإنّها لم تتخلّف عن زبائنها يوماً.

المصدر: الميادين