العنف على الشاشة

إن مشاهد العنف حتى من الآخرين لها تأثير كبير غير محدود على طبع سلوك الأطفال بالعدوانية والميل إلى ممارسة العنف

2023-07-22

الأطفال هم الضحايا الأكثر هشاشة والأسرع سقوطاً، لأن التجارب المروّعة تدمر وجودهم الداخلي حين يسلبون الإحساس بالأمن والثقة بالنفس والاطمئنان إلى الحياة برمتها. وليس من الضروري أن يتعرض الأطفال أنفسهم للتجارب المروعة ويكفي أن يروها تصيب الآخرين.
إن مشاهد العنف حتى من الآخرين لها تأثير كبير غير محدود على طبع سلوك الأطفال بالعدوانية والميل إلى ممارسة العنف كوسيلة للدفاع عن الذات، ولهذا وصفت الحروب والنزاعات المسلحة بأنها كوارث من فعل الإنسان، لأنها تقوض النظم القائمة، وتخلق حالات من التوتر الجماعي تسببه الخسائر البشرية والمادية والنظرة السلبية إلى وقائع الأمور، والإحساس بخطر الموت أو الإعاقة، وترهق هذه العوامل كاهل الفرد وتضعف قواه في المقاومة والتأقلم معاً.
ويجد الأطفال في التلفزيون مشاهد عديدة للنزاعات المسلحة تتسابق بعض القنوات الفضائية إلى عرضها، إذ يشاهد الأطفال أطفالاً تقل أعمارهم عن ثماني عشرة سنة مجندين ومقاتلين في نزاعات مسلحة، على رغم أن ذلك محرم دولياً، إذ يبلغ عدد الأطفال المجندين في العالم اليوم مئات الآلاف، ويجد الأطفال في الجو التلفزيوني الذي تشكله الفضائيات للنزاعات المسلحة أطفالاً لاجئين مع ذويهم أو آخرين افتقدوا الأهل والأرض، إذ يزيد عدد من الأطفال اليوم على نصف أعداد مجمل اللاجئين في العالم.
ويشاهد جمهور التلفزيون من الأطفال أقراناً لهم قتلى تلقى أجسادهم في ساحات المعارك، وآخرين بترت أعضاؤهم بسبب المقذوفات، كما يشاهدون أطفالاً يتعرضون لظروف قاسية ومعاملة سيئة، مثلما يشاهدون أطفالاً رسم الفقر والجوع على وجوههم وأجسادهم علامات بارزة. ويشاهد جمهور الفضائيات من الأطفال أطفالاً لا يجدون لعباً غير أن يلعبوا بالألغام التي يغرسها المتنازعون في بؤر النزاع، تلك الألغام التي سرعان ما تنفجر في وجوه اللاعبين الصغار.
ويشاهد جمهور الفضائيات من الأطفال مئات المشاهد العنيفة في عالم نزاعات الكبار مثلما يشاهدون الموتى الذين تتركهم الحروب ضحايا، وقد انتفخت أجسادهم أو تقاطرت منها الدماء، مثلما يشاهدون أعمال العنف الأخرى والتعذيب والاعتقال والترحال.
وهكذا، يتعرض الأطفال إلى أعمال العنف والرعب، وربما يعود إقبالهم على هذا النوع من البرامج إلى أنهم لا يجدون فيها شيئاً من وحي حياتهم أو من تجاربهم الشخصية، إذ يبدو كل شيء فيها ممكناً، وقد يعود إلى أن بعضهم لا يفهمها فهماً جيداً، ذلك أن فهم الحوادث ومجريات الأحداث تخفف القلق والرعب بشكل كبير.
ومن هنا، فإن أعمال العنف في النزاعات المسلحة تنشر القلق في نفوس الأطفال وتزيد مخاوفهم.
وعلى هذا، فإن الأطفال ضحية للعنف والنزاعات المباشرة، حيث يلاقون الموت والإصابات والخوف والدمار بسبب المشاركة في النزاعات المسلحة.
إنَّ تكرر تعرض الأطفال لمشاهد النزاعات المسلحة يقلل بمرور الوقت، من حدود اكتراث الأطفال بما يحصل من أحداث واقعية في الحياة اليومية، وكثيراً ما يشاهد الأطفال أحداثاً مؤلمة، ومع هذا تكون ردود أفعالهم عابرة، ويرجع ذلك إلى عوامل متعددة، إلا أن من بينها أن التلفزيون جعل كثيراً من الأحداث صوراً متواترة ولا تثير إلا ردود أفعال ضئيلة أو عابرة بوجه عام، فإن اللامبالاة العاطفية قد تقود إلى قدر من التبلد العاطفي، أو إضعاف مستوى النمو الانفعالي للطفل مع إضعاف القدرة على التوحد في بعض المواقف، مما يعد خروجاً عما تسعى إليه التربية العاطفية.
ومن بين تأثيرات مشاهد النزاعات المسلحة التلفزيون أن في الأطفال يدخلون إلى عالم الكبار قبل الأوان، ويتعرفون إلى أساليب من طرق حياتهم لا يمكن التعرف عليها لولا التلفزيون، لذا فإن تلك المشاهد تزيد من اقتحام الأطفال عالم الكبار، وهو عالم غريب في ثقافته عن عالم الأطفال.

للكاتب عبد الحليم حمود