زهراء الموسوي
الطفل كائن حساس وذكي يشعر بما يدور حوله، فيفرح ويتألم، ويتفاعل ويرضى ويغضب وتظهر مشاعره للآخرين، وقد لا تظهر للعيان في بعضها الآخر …
وتكشف الدراسات عن أن طفل ما قبل المدرسة (الروضة) لطلاق الوالدين بإظهار الاتكالية الزائدة والتعلق يستجيب بالأم، والعناد والعدوان والتخريب، وكثرة الشكوى، وسرعة البكاء، واضطراب النوم، وصعوبات النطق، ومص الأصابع وصعوبات التغذية.
أما طفل الابتدائي فإن طلاق والديه يؤلمه نفسياً فيشعر بالحزن والأسى على الوالد الذي يحرم منه، وينتابه القلق والاضطراب..
وتشير الدراسات إلى أن منع الطفل من التواصل مع الأب عند حضانة الأم يؤثر تأثيراً سيئاً على النمو العقلي والانفعالي.
والخلاصة: فإن تلك الدراسات تشير في الواقع إلى ظهور المشاعر السلبية عند الأطفال في حالة طلاق الوالدين.. مما يحملهما مسؤولية العمل على تقليل آثار الطلاق في فترة الحضانة، وتنمية المشاعر الإيجابية للأطفال .. ويتم ذلك عبر:
١- تجاوز (الوالدين) الخلافات والخصومات السابقة على الطلاق، وفتح صفحة قلبية بيضاء بلا مشاحنات سوداء، ويفيدهما ذلك في استعادة صحتهما النفسية والجسمية، ويجعلهما أكثر كفاءة في رعاية أطفالهما، وسينعكس ذلك إيجابيًا على تنشئة الأطفال.
٢- أن يتحدث كل منهما لأطفالهما بصورة إيجابية عن الآخر، ويجتهد في تشكيل صورة حسنة عنه، فالأم الحاضنة للطفل، تحدثه عن أبيه باحترام وتقدير، وتشجعه على حبه والثقة به، والاتصال به.
وعلى الأب أن يساند الأم ويقف معها إيجابياً في التغلب على مشكلات الحضانة، ويشجع الطفل على حبها والاطمئنان إليها. والهدف من ذلك كله إشعار الطفل أنهما متوافقان ومتعاضدان ومتساندان کوالدين في تنشئته وإسعاده.
والخلاصة: أن فترة الحضانة حساسة للغاية، وتؤثر بشكل مباشر في تشكيل أحاسيس الطفل ومشاعره وانفعالاته.. وكلما أحسن الأبوان الأداء والدور وتساندا معاً كلما كان واقع الطفل حسناً في المستقبل.
تمكين الطفل من التواصل مع والديه:
يعد تواصل الأطفال مع آبائهم وأمهاتهم على السواء ضرورياً وخصوصاً في فترات الحضانة وذلك لحاجتهم لتعويض النقص العاطفي والشعور بالدفء الوالدي، والتزود بالخبرات الحياتية اللازمة، والبحث عن أجوبة لكثير من المشكلات التي تواجههم في حياتهم، ولأن طبيعة مشكلات الجنسين مختلفة.. فهما بحاجة للتواصل والانفتاح على الوالدين طبقاً لطبيعة المشكلات، فلا تستطيع (الأم) أن تجيب على كل أسئلة الابن، ولا يتمكن (الأب) أن يقدّم إجابات على جميع أسئلة البنت، بل لا تستطيع البنت أن تنفتح على الأب في أمورها الأنثوية الخاصة، فعندما تكون الفتاة تعيش مع أبيها في فترة الحضانة قد تلاقي صعوبات كبيرة جداً في الانفتاح عليه، ومكاشفته بقضاياها، فلا يتمكن الأب (مثلا) أن يقدم لها إجابات واقعية عن المسائل الخاصة بالأنثى في سن البلوغ، كمسائل الحيض، ومعاناة الفتيات في الأشهر الأولى منه… فإن الأم وحدها من يستطيع أن يتفهم حاجات البنت ويجيب على أسئلتها ويقوم بإرشادها بالشكل المناسب، وفي المقابل فإن البنت لا تجد حرجاً في مكاشفة الأم بحاجاتها وهمومها ذات الصلة بالبلوغ دون الأب.
والعكس صحيح بالنسبة للولد عندما يبلغ فإنه بحاجة إلى الانفتاح على الأب، وسيكون الأب أكثر وعياً في إدراك حاجاته وهمومه وللإجابة على أسئلته الحائرة.
ومما يؤسف له فإن بعض الآباء من حيث لا يدركون يقذفون ببناتهم إلى (فم التنين) عندما يحرمونهن ويمنعونهن من التواصل مع أمهاتهم فيفتقدن الناصح المخلص، فيلجأن إلى كل من هبَّ ودب – كما يقال – يتسولن النصيحة من هنا وهناك، وربما قذفتهن الأمور بعيداً عن شاطئ الأم الدافئ بأمنه وحنانه..
ثم كيف تتدرب البنت على حياة المستقبل.. ومهماتها كزوجة، وأم، وهي بعيدة عن والدتها.. معلمتها الأولى، ترنيمتها.. حبها… مثالها، من يأخذ بيديها إلى طريق المستقبل برفق وحنان وإخلاص لا يعرف حدوداً للتعب!!
وكما تتدرب البنت في مدرسة الأم وتحت رعاية الأب، فالابن هو الآخر يتدرب في مدرسة الأب، وينشأ في كنف الأم وتحت رعايتها.
وتزداد أهمية تواصل الأطفال مع آبائهم وأمهاتهم في فترات الحضانة عندما يتزوج الوالدين، فالأب الذي يرجع من عمله مرهقاً لا يجد الوقت الكافي لمتابعة وإدارة شؤون أطفاله ورعايتهم، ولن تكون زوجة الأب بالضرورة حريصة على رعايتهم أكثر من أمهم، فهم بحاجة إلى مزيد من رعاية الأم والتواصل معها.
وكذلك فإن الأم بحاجة إلى تشجيع أطفالها على التواصل مع الأب في حال أجاز لها احتضانهم بعد زواجها، فإن الزوج الجديد لن يعوض عن دور الأب ورعايته….
بل على الأم أن تكون حريصة على دور الأب في حياة أطفالهما، وحثه بشكل دائم على تحمل مسؤوليته تجاههم.
وخلاصة الأمر: فإن تمكين الأطفال من التواصل مع آبائهم وأمهاتهم بل وتشجيعهم على ذلك صمام أمان لتنشئة سليمة ومتوازنة، ومن يفرض منعاً وحظراً على أطفاله ويمنعهم من التواصل مع الآخر (الوالدين) فقد ارتكب جريمة في حقهم من حيث يعلم أو لا يعلم!.
من كتاب (من حقي أن أعيش بينكما) لمحمد العليوات