الحكيم بين الإصرار العقائدي والاعتدال السياسي

الحكيم يمثل الخط المعتدل في الوجود الشيعي السياسي والرسمي، أستطاع إن يكون زاوية الاعتدال، في كل مراحل العملية السياسية

منذ أيام ومكتب رئيس تيار الحكمة السيد عمار الحكيم، يضج بالآلاف من المشاركين بالعزاء الذي يقيمه بمكتبه ببغداد، لإحياء ذكرى شهادة الإمام الحسين (عليه وأله أفضل الصلوات) بأكبر مجلس حسيني في البلاد، بل لا نبالغ أن قلنا في المنطقة كلها..

مشاهدة الصور في قناة الفرات الفضائية التابعة للحكيم، أثارت الكثير من التساؤلات عن علاقة الحكيم مع هذه المجالس، وهل صحيح ما يثار حول الرجل من اتهامات، تصل بعضها إلى الإساءة لشخصه؟

الفضول دفعنا للحضور إلى هذا المجلس الحسيني الكبير، وما أن وصلت إلى مدخل مكتبه  في بغداد، حتى اندهشنا من الحشود الكبيرة، والمنظمة وهي تدخل إلى المكتب موكباً بعد اخر، تتشابه كثيراً مع طريقة المواكب الحسينية التي تدخل كربلاء يوم العاشر من المحرم كعادتها، وهذا أثار تساؤلا جديدا، فربما تكون هذه الحشود تنظيمات الحكيم وأنصاره، فلا شي جديد ومتوقع من غالب الأحزاب والتيارات السياسية، في أقامة المجالس الحسينية في البلاد!

ما شجعنا على عمل استبيان سريع (وليد لحظته) مع هذه الحشود المعزية بشكل تلقائي، دون تنظيم أو رسميات.. كان المفاجيء إن الحضور عام، وهدف أغلبهم حضور مجلس الحسين، فيما كان سبب بعضهم الآخر لكون هذا المجلس يتسم بالتنظيم والهدوء، والانسيابية الملحوظة في الدخول والخروج.

الحضور الرسمي كان لافتا فقد شاهدنا رئيسا الجمهورية ومجلس الوزراء، وعدد من الوزراء والشخصيات السياسية التي حضرت لتشارك العزاء، وما أن قريء القرآن حتى هدأ وسكن الحضور، لتبدأ فعاليات المجلس الحسيني، فيرتقي خطيب المنبر متحدثا عن الرسالة السماوية لثورة الإمام الحسين، ومؤكدا على الثبات على مبادئ سيد الشهداء، وإتمامه بالالتزام والاستعداد الإلهي لثورة الإمام المنتظر(عج) والعلاقة التاريخية بين الثورة الحسينية والظهور، بصوت شجي وشرح استدلالي من القرأن والسيرة العطرة، سهل غير معقد.. وما أن تكتمل المحاضرة حتى يرتقي المنبر الرادود، وهو يروي بقصائده العقائدية مبادئ الثورة، ورسم معالم الطريق الصحيح للقصيدة الحسينية، ورد الشبهات والدفاع عن عزاء سيد الشهداء، متناولا صورا من الواقعة او موقفا لأحد أبطالها..

ما أن أكمل الرادود عزاءه المعتاد، حتى بدأ الحكيم بتوزيع الطعام على المعزين بيده، ومن صف إلى صف ومن شخص لأخر، وهو يخدم ضيوف الحسين ومعزيه. الحكيم من الجانب الآخر مثل الخط المعتدل في الوجود الشيعي السياسي والرسمي، أستطاع إن يكون زاوية الاعتدال، في كل مراحل العملية السياسية، وهذا الأمر شاهدناه مع عمه شهيد المحراب، ووالده الراحل عبد العزيز الحكيم، اللذان أرسيا حالة الاعتدال عند ترسيخ العملية السياسية والمشروع الوطني الفتي، فكانت هذه الخبرة في العمل السياسي، من هذه التركة الدينية والسياسية، التي أهلته أن يكون ما عليه الآن من مقبولية سياسية تعدت الدور الداخلي إلى الإقليمي والدولي.

نعتقد ويتفق معنا كثير من المراقبين للمشهد السياسي، عند تحليل وفهم حركة الحكيم السياسية، سنجد انه أتقن كثيراً مسك العصا من المنتصف، وأستطاع أن يسخر ذلك الإرث الكبير من مرجعية جده الإمام الحكيم، إلى أعمامه الشهداء الخالدين، ليكون بيضة قبان الوسطية في الوسط الشيعي، وعلى الرغم من الخلافات التي تعصف بالإطار الشيعي بين الحين والأخر، إلا إن الرجل كان يدير الخلاف بحرفية، عبر تأثيره السياسي وعلاقاته مع الجميع، وهذا ما انعكس بالفعل في تشكيل حكومة السوداني على الرغم من عدم مشاركته بها، وتخفيف حدة التوتر في بين القوى السياسية..

يضاف لما سبق عبوره إلى الوضع الإقليمي، ليكون ذا تأثير واضح على تقريب وجهات النظر بين السعودية وإيران، وإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، ووسيطاً في تقريب وجهات النظر بين دمشق والرياض، وهذه أدلة واضحة لا تقبل اللبس، تعني أن الحكيم تجاوز كل عقد السياسيين، ويعبر بكل وضوح عن التزامه بعقائده واعتداله.

المصدر: الوفاق خاص / محمد حسن الساعدي