حقيقة التسريبات الأمريكية للتّطبيع بين إسرائيل والسعوديّة

2023-07-30

لا يمرّ شهر، ومن بداية العام الحالي، دون أن يقوم مسؤول أمريكي كبير بزيارة المملكة العربيّة السعوديّة حاملًا سلّةً من العُروض المُغرية، في مُحاولةٍ مُستميتةٍ لإعادة العلاقات التحالفيّة الخاصّة المُتميّزة بين البلدين إلى مجراها الطّبيعي، والحدّ من نُفوذ الصين وروسيا، وتطبيع العلاقات السعوديّة الإسرائيليّة.

توماس فريدمان كاتب العمود في صحيفة “نيويورك تايمز”، والمُقرّب من الرئيس بايدن وإدارته، قال في مقاله الأخير “إن بايدن ينظر في صفقةٍ كبيرةٍ في الشّرق الأوسط، عُنوانها الأبرز توقيع مُعاهدة أمنيّة أمريكيّة سعوديّة على غِرارِ حِلف النّاتو، تتعهّد فيها واشنطن بحِماية المملكة، وتُزوّدها بأسلحةٍ حديثةٍ مُقابل التّطبيع مع كيان الاحتِلال، وإقامة دولة فِلسطينيّة مُستقلّة”.

وكشف فريدمان الذي التقى بايدن الأسبوع الماضي، “أن السعوديين يُريدون ثلاثة أشياء من أمريكا، الأوّل: اتّفاق دفاع مُشترك، والثاني: الحُصول على برنامج نووي سِلمي، والثالث: شِراء أسلحة مُتطوّرة وخاصّةً منظومة صواريخ ثاد، وطائرات الشّبح “إف 35”.

ما كتبه فريدمان يُشَكّل انعِكاسًا لتمنّياتٍ أمريكيّة، ومُحاولة مُتأخّرة من قِبَل الرئيس بايدن لاستِعادة نُفوذ بلاده المُتآكل في مِنطقة الشّرق الأوسط، والإقدام على مُحاولةٍ يائسةٍ لإنقاذ كيان الاحتلال من أزماتها الداخليّة، بتصديرِ عبئها إلى المملكة ودول عربيّة أُخرى، وتعاظُم التهديدات الوجوديّة لها من قِبَل محور المُقاومة الذي تتزعّمه إيران وأذرعها في الشّرق الأوسط، ومن جانب كتائب المُقاومة الفِلسطينيّة الشابّة التي تتبنّى خِيار المُقاومة المُسلّحة لطَردِ الاحتِلال.

المملكة العربيّة السعوديّة في اعتِقادنا لم تعد بحاجةٍ إلى مُعاهدةِ دفاعٍ مُشترك مع أمريكا، خاصّةً بعد خُذلانها، أيّ أمريكا، لأوكرانيا بعد أن ورّطتها بالحرب، ولم تُرسل جُنديًّا واحدًا أو حاملة طائرات إليها لمنع سُقوط خمسة من أقاليمها الشرقيّة في قبضة الجيش الروسي، واكتفت بالتصدّق عليها ببعض الأسلحة والذّخائر القديمة، مُضافًا إلى ذلك أنها (أيّ المملكة)، وعندما الحماية الأمريكيّة أثناء حرب اليمن بمُقتضى مُعاهدة 1945 التي وقّعها الرئيس روزفلت مع الملك عبد العزيز آل سعود، سحبت أمريكا جميع بطاريّات “الباتريوت” ومنظومة صواريخ ثاد الأكثر تطوّرًا.

إن المملكة التي عزّزت مكانتها في المِنطقتين العربيّة والإسلاميّة، وأقدمت على اختِراقٍ استراتيجيٍّ كبير بإعادة العلاقات إلى ذروتها مع إيران، وفرشت السجّاد الأحمر للرئيس الصيني في الرياض في كانون أوّل (ديسمبر) الماضي، لم تكن، ولم تعد، بحاجةٍ إلى التطبيع مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي التي تعيش حاليًّا حالةَ انهيارٍ داخليٍّ غير مسبوقة، ولا نعتقد أنه من مصلحتها خسارة الشعبيّة العربيّة والإسلاميّة التي استعادتها بقوّة الفترة الأخيرة، برفضها التطبيع، والإصرار على قيام الدولة الفِلسطينيّة المُستقلّة، وعودة الحُقوق المشروعة للشّعب الفِلسطيني، ونجحت في امتِصاصِ عاصفة صفقة القرن، والثّور “الترامبي” الهائِج، واتّفاقات “سلام أبراهام” حتّى الآن على الأقل.

مُنذ أن أدارت المملكة ظهرها للحليف الأمريكي المُخيّب للآمال وأوضاعها بدأت تتحسّن، فاتّفاق “أوبك بلس” مع روسيا نقلها من دولةٍ تُواجه عجزًا ماليًّا اضْطرّها إلى بيع أسهم شركة “أرامكو” دُرّة الصّناعة النفطيّة السعوديّة وحوّلها إلى دولةٍ تملك خزينتها فائضًا ماليًّا يزيد عن 200 مِليار دولار سنويًّا، وتستعدّ الآن للانضِمام إلى منظومة بريكس التي يبلغ حجم تبادلها التجاري معها الآن، وقبل توسيعها، حواليّ 160 مِليار دولار سنويًّا، وهُناك خطط لمشاريع سياحيّة قد تجعلها قبلة السيّاح الأولى في الشّرق الأوسط.

المصدر: رأي اليوم / عبدالباري عطوان

الاخبار ذات الصلة