قانا الشاهدة والشهيدة..

الدم الزاكي في 2006 لا يُنسى

اعترف جيش الاحتلال الصهيوني بقصف المبنى، ونفى في البداية أن الانفجار الذي تسبب في الوفيات الجماعية كان نتيجة للهجوم.

2023-07-31

سبعة وعشرون عاماً مضت على مجزرة قانا الأولى وما زالت ذكرى هذه المجزرة الدموية في أذهان اللبنانيين وشعوب المنطقة كأكبر دليل على وحشية الكيان الإسرائيلي وعقليته الإرهابية التي تكشفت أمام الرأي العام العالمي بعشرات المجازر المروعة التي ارتكبها في فلسطين المحتلة ولبنان وغيرهما من دول المنطقة.

وبعد عشر سنوات من هذه الجريمة الشنيعة كرر كيان الاحتلال عدوانه على لبنان في تموز عام 2006 وارتكب خلاله مجزرة ثانية في بلدة قانا عندما قصفت قواته مبنى لجأ إليه المدنيون هرباً من جحيم العدوان .

قانا عادت مرة ثانية تكتب اسمها بدم أبنائها الذي سفكته “إسرائيل”.. مجزرة قانا 2006 أو مجزرة قانا الثانية التي قامت بها القوات الجوية الإسرائيلية على مبنى من ثلاث طوابق في حي الخريبة بالقرب من قرية قانا في جنوب لبنان في 30 يوليو/ تموز 2006 أثناء عدوان تموز 2006. سقط جراء الهجوم 28 مدني من بينهم 16 طفل. في أعقاب الهجوم شن الكيان المؤقت عدداً من الغارات الجوية لمدة 48 ساعة.

وأفادت التقارير الإعلامية الأولية عن استشهاد ما يزيد عن 50 شخص، من بينهم 37 طفل، إلا أن التقارير اللاحقة ذكرت أن عدد الشهداء 28 بينهم 16 طفل، بالإضافة إلى 13 شخص مفقود. أثناء عملية إخراج الجثث، قام السكان بالحفر تحت الأنقاض بأيديهم، بحثاً عن ناجين. أظهر مقطع ڤيديو بثه التلفزيون العربي جثث النساء والأطفال الذين بدوا يرتدون ثياب النوم.

اعتراف العدو

اعترف جيش الاحتلال الصهيوني بقصف المبنى، ونفى في البداية أن الانفجار الذي تسبب في الوفيات الجماعية كان نتيجة للهجوم. ونفى سكان قانا هذا الإدعاء، وقالوا إن المبنى انهار بسبب القصف الإسرائيلي. حسب الادعاء الإسرائيلي، فقد كان القصف محاولة لإيقاف صواريخ الكاتيوشا التي كان يطلقها حزب الله من القرية على شمال إسرائيلي على مدار أسبوعين وأنه قام بتحذير السكان للمغادرة. وقال المراقبون الدوليون والصحفيون أنه ليس هناك دليل على استخدام المبنى لأغراض عسكرية.

دور محوري للإعلام في كشف حقائق المجزرة

قلبت مجزرة قانا المعادلات سياسياً وعسكرياً ناهيك عن الاعتبارات الإعلامية ودولياً والحقيقة أن ما بعد مجزرة قانا ليس كما قبلها على كافة المستويات، بدأت كواليس وقف إطلاق النار فعلياً بعد مجزرة قانا.

قبل المجزرة كان يتباهى رئيس الوزراء الصهيوني حينها  “أولمرت” ويقول إن حزب الله بات معزولاً لبنانياً وعربياً. والحقيقة أن الرجل لم يكن يدرك أن كل من كان يخاصم أو موقفه مناوئاً أو معادياً أو مشككاً بالمقاومة هو الذي كان بات معزولاً سواء عربياً أو دولياً.

وهنا نرى كيف لعب الإعلام دوراً أساسياً وتاريخياً ومحورياً، ليس فقط في إظهار الصورة  بل حتى في توجيه القرار السياسي، بل أكثر من ذلك يكون الإعلام هو المحور الحقيقي الذي يفرض حتى قرارات دولية. في ذلك اليوم بثت صور المجزرة على الهواء مباشرة  وأظهرت الصور مشاهد الجثث مترامية، والوجوه مؤلمة، مفجعة، محزنة، مبكية إلى أقصى حد.

فرضت تلك المشاهد على جميع تلفزيونات العالم أن تنقل تلك المشاهد، لم تؤثر تلك المشاهد في الرأي  العام وأظهرت وحشية الجرائم الصهيونية فقط، ولكن فرضت تلك المشاهد التي نقلت على الهواء مباشرةً على مجلس الأمن الدولي أن يتخذ قراراً وإن كان في الحد الأدنى ليدين أو يأسف على الأقل لما أرتكبه العدو الصهيوني  في قانا.

الحراك السياسي وردود الفعل

أعلن حزب الله أن “مجزرة قانا الوحشية تُشكل مفصلاً كبيراً وخطيراً في مجرى الحرب الحالية، فإما أن تؤدي إلى وقف العدوان نهائياً وإما أن تؤدي إلى ردود أفعال، وعلى العالم الساكت والمتواطئ أن يتحمّل مسؤوليتها، لأن هذه المجزرة الرهيبة كغيرها من المجازر لن تبقى دون رد”.

لقد سرّعت المجزرة من عجلة الحراك السياسي محلياً ودولياً، إذ اضطرت وزيرة الخارجية الأميركية “كوندوليزا رايس” إلى تأجيل زيارتها بيروت أتية من فلسطين المحتلة، وبدت مرتبكة في مؤتمرها الصحافي في القدس المحتلة. حيث أعلنت أنه حان الوقت لوقف إطلاق النار وسرعان ما صححته بالقول الحاجة لوقف إطلاق نار يضمن الإستقرار، وأبلغت “رايس” العدو الصهيوني أن لديه مهلة ما بين 48 إلى 72 ساعة للانتهاء من عمله العسكري.

أمّا دولياً دان الرئيس  الفرنسي “جاك شيراك”  المجزرة، مطالباً بوقف فوري لإطلاق النار لتفادي الوقوع في مآسٍ أخرى، واعتبر رئيس الوزراء البريطاني “توني بلير” أن هذا الأمر مفجع فإنه من غير الممكن أن يستمر الوضع على ما هو عليه.

بابا الفاتيكان، بنيدكتوس السادس عشر طالب بوقف فوري لإطلاق النار ودعمت جامعة الدول العربية الموقف اللبناني الرسمي، كما تكثفت حركة الاتصالات العربية بشأن كيفية وقف العدوان على لبنان.

الرئيس الإيراني “محمود أحد نجاد” حمّل بعد لقائه الرئيس الفنزويلي “هوغو شافيز” في طهران، الولايات المتحدة وبريطانيا مسؤولية العدوان على لبنان، وقال إن مجزرة قانا “ستقود هذا الكيان الفاسد ومن يدعمونه إلى نقطة النهاية”.

ختاماً، الجرائم المروعة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي عبر العقود الماضية كثيرة فمن مجزرتي قانا إلى مجازر صبرا وشاتيلا وبنت جبيل وغيرها في لبنان وصولاً إلى مجازر دير ياسين وقبية وخان يونس والقدس وغيرها في فلسطين المحتلة والتي راح ضحيتها آلاف الشهداء والمصابين.

وقد قوبلت مجازر الاحتلال المروعة وممارساته الوحشية وعمليات القتل والتهجير المرتكبة بحق أبناء شعوب المنطقة العربية على الدوام بانحياز تام إلى جانبه من قبل قوى الاستعمار الغربي وعلى رأسهم الولايات المتحدة في وسائل الإعلام وفي المحافل الدولية والدفاع عن جرائمه في تجاوز وخرق فاضحين للقرارات الدولية وميثاق الأمم المتحدة.

 

المصدر: الوفاق/ وكالات