الشباب ينمو ويتطور ويتقدم في الجسم والعقل والفكر وفي الثقافة والسلوك، وهو في نموه يحصل على هوية ذاتية تشكل ملامح شخصيته وانتمائه، لذلك نلاحظ ان الصغار يحبون الاستماع للقصص وعندما يكبرون يبدأون بقراءة القصص والروايات والتاريخ، بحثا عن عناصر تشكل ذاتهم وهويتهم، وعندما يتفاعل الشباب مع القضية الحسينية فهو يشكل ذاته يبني شخصيته وهويته وانتماءه. فعن الإمام علي(ع): (إنما قلب الحدث كالأرض الخالية، ما القي فيها من شيء إلا قبلته).
فعاشوراء تبني هويةً للشباب، وتحقق له الشعور بالانتماء للشباب، ففي الهوية والانتماء طريق الى بناء الاهداف في الحياة، من خلال تلك النماذج التي يتفاعل معها بمشاعره وافكاره، فالنموذج هو الذي يصبح المرجع للأجيال في تشكيل شخصياتهم لذلك كان شكل النموذج مرحلة أساسية في بناء المجتمعات. وكانت نماذج النهضة الحسينية قدوة للشباب في بناء هوياتهم والثقة بأنفسهم وقدراتهم.
بناء الثقة بالنفس لدى الشاب يتم عبر أمور كثيرة، فهو يحتاج الى ان يعرف ما هو المستقبل وكيف يعيش؟، وكيف يسير في الطريق الصحيح؟ وعندما يتفاعل مع قضية عاشوراء سوف يستطيع ان يجد الثقة في نفسه، وانه قادر على ان يشكل ويبني حاضره، وعندها يتطلع نحو المستقبل.
طاقة إيجابية لمواجهة صعوبات الحياة
كما ان الشباب يحتاج الى الطاقة الإيجابية لمواجهة صعوبات الحياة، فالخوف والهلع من الأزمات والمشكلات والقلق من المستقبل تجعل الانسان كتلة من الطاقة السلبية. لكننا نلاحظ في أيام عاشوراء تتحول طاقات الشباب الى طاقة إيجابية، ويتشكل التفاعل الوجداني مع الآخرين والتطلع إلى حياة مفعمة بالأمل والوجود. وعن الإمام الصادق(ع): (عليك بالأحداث، فإنهم أسرع إلى كل خير).
كما ان الشباب من اجل ان يستمر في الارتقاء الصالح يحتاج الى الاستقامة في شخصيته في مواجهة الرياح القادمة عليه من كل الجوانب، ومن الممكن أن تزعزع تلك الرياح نفسيته وأخلاقياته وأفكاره وعقائده والانحراف والسقوط في عالم العبث واللاهدفية. القضية الحسينية تعطي للشباب قوة الاستقامة لكي لا ينحرف ولا يقع في مستنقعات التضليل وحفر الفساد الخطيرة.
مسؤوليات الشباب في اقامة المجالس الحسينية
لابد للشاب أولا أن يتعلم تحمل المسؤولية، خصوصا في عصرنا الحديث، هذا العصر الممتلئ بنوع من اللامبالاة والانانية لأنه عصر ترفي، فيه من أنواع الاستهلاك والتكنولوجيا الكثير، فأصاب الشباب شيء من الكسل والخمول، لذا لابد للشاب أن يتعلم معنى تحمل المسؤولية، ويتطلع لبناء ذاته من خلال تحمل المسؤولية.
إن المسؤولية الاولى هي إقامة المجالس الحسينية لأنها تمثل خزائن المعرفة والثقافة، وهي التي تعطي لعاشوراء واقعا يتعلم منه الشباب معاني عاشوراء، ومعاني الفكر الحسيني، فلابد من إقامة المجالس الحسينية، والتركيز على التعاون الايجابي مع الآخرين، لأن القضية الحسينية هي قضية تعاون ومشاركة وتكافل، وأن لا يكون الإنسان وحيدا في حياته، نعم من الممكن أن يكون لديه نوع من المبادرة الذاتية، لكن يجب أن يتم ذلك بالتعاون مع الآخرين في إطار التواضع والتعاون والمشاركة الجماعية.
كذلك من المسؤوليات المهمة الابتكار والعطاء والتقدم، أي أن لا يكون عطاء الانسان تقليديا، فيجب ان يبدع بالعطاء ويدعم عملية الشعائر الحسينية، وتقديم ما هو أفضل في قضية الإمام الحسين(ع) وذلك لجذب الشباب للشعائر والمجالس الحسينية، هذه من أهم الواجبات التي لابد للشاب أن يقوم بها وطالما انه دخل في هذا المجال فلابد أن يجذب الشباب الآخرين إلى الإمام الحسين (ع) لانه مصباح هداية وسفينة نجاة.
من مسؤوليات الشاب السمو الأخلاقي، وعليه أن يتعلم من القاسم بن الحسن ومن علي الأكبر الفضائل الأخلاقية والسمو الاخلاقي، حتى يكون مؤمنا حقيقيا بهذه الشخصيات العظيمة، وعن الإمام الصادق(ع): (الشاب الحسن الخلق مفتاح للخير مغلاق للشر، وأن الشاب الشحيح الخلق مغلاق للخير مفتاح للشر). إنّ الشباب هم أمانة الله وأهل البيت، فيجب ان نحافظ أسلافنا على الأمانة على أحسن وجه وسلّمونا الدين ومضوا، لذلك علينا أن نسعى بدورنا لأن نصون الأمانة على أتمّ صورة، لنسلّمها إلى الأجيال من بعدنا، فلنحاول أن لا يُحرم أيّ شابّ من المشاركة في الحسينيات ومجالس العزاء، ولندفع الشباب نحو المواكب الحسينية والتي هي حبل النجاة من الضلال والجهل بكلّ وسيلة متاحة، ولنكرّر محاولاتنا معهم مرّة وثانية وثالثة.
هكذا نلاحظ أن هذه المسؤولية مسؤوليتنا جميعا، وعلى الشباب بالخصوص أن يجذبوا أقرانهم الى المجالس والشعائر والمواكب الحسينية، حتى ينضم هؤلاء الشباب في حضن الهداية الحسينية، إذن فهي مسؤولية وواجب عقلي وشرعي في هذا المجال.
تحويل عاشوراء إلى إستراتيجية مستدامة في بناء الشباب
لتحقيق هذا الهدف نحتاج الى عمل تخطيطي مستمر طوال السنة، لتطوير الشباب وتطوير مجتمعنا في دعم القضية الحسينية، لذلك لابد من ان يكون العلم والمعرفة هو الأساس في هذه القضية، لأن العلم والمعرفة هما اللذان يقودانا نحو طريق الهداية والاستقامة، وعدم الانحراف، وهو من أهم عوامل الاستدامة.
لذلك لا يمكن ان يكون العمل الحسيني والشعائر من دون العلم والمعرفة، هناك تكامل بالأدوار بين العلم والمعرفة والسلوكيات الأخرى، فكل عمل يحتاج الى علم مسبق وتهيئة مسبقة لكي نسلكه، فنحتاج الى ان تكون عاشوراء مدرسة مستمرة طول أيام السنة من خلال المجالس الحسينية، ويجب الاهتمام بالجانب الثقافي والعلمي، وإقامة الندوات الحوارية، والحوارات الثقافية. وإننا نتساءل هنا لماذا لا يكون لدينا مثل هذه الأنشطة المهمة؟ لماذا لا تُقام في مجتمعاتنا ندوات ثقافية حوارية مستمرة للشباب، وذلك للتباحث في مشكلات الشباب أنفسهم وقضاياهم في إطار الفكر الحسيني؟، فالندوات تعطي قوة حوارية علمية وثقافية لحل مشكلات الشباب وقضاياهم. فعن رسول الله(ص): (من تعلم في شبابه كان بمنزلة الرسم في الحجر، ومن تعلم وهو كبير كان بمنزلة الكتاب على وجه الماء).
هكذا نلاحظ كيف أن العلم والتعلم من الواجبات التي لابد لكل شاب أن يعمل بها، إن العلم بالعقائد مهم جدا فنحن نحيي القضية الحسينية وهي قضية عقائدية في الأساس، ففي القضايا والاحكام الشرعية لابد ان يكون الشاب متفقها ولو بأبسط المسائل الفقهية، ويكون ذلك باستمرار على مدار السنة، وأن يكون مثقفا بالتاريخ، كتاريخ أهل البيت(ع)، وأن يكون عارفا ببواطن الأمور ويتعلم اللغات الأجنبية حتى يترجم القضية الحسينية إلى لغات ثانية، وينقل الفكر الحسيني الى أماكن أخرى، فالعلم والتعلّم من الضرورات للشباب، فنحن نحتاج الى شباب في القمة من ناحية العلم والثقافة والاستمرار في التعلم.
الاستفادة من التقدم التكنولوجي لنشر القضية الحسينية
إن التكنولوجيا باتت اليوم مهمة جدا، وعلينا أن نعكس فيها القضية الحسينية، ونؤكد أيضا في هذا المجال أنه لابد للشباب من بناء الكفاءات الجيدة، فكفاءاتنا الآن قليلة في هذا المجال، ونحتاج الى كفاءات أكثر حتى نستطيع ان نوصل القضية الحسينية الى ابعد مكان ممكن، ونترجمها الى اللغات كافة، ولهذا نحتاج الى كفاءات مستمرة ومتخصصة في هذا المجال، حتى نستطيع ان نعكس الصور الموجودة في واقعة كربلاء وعاشوراء.
علينا أيضا دراسة العلوم الاجتماعية كالإعلام وعلم النفس، والعلوم الأخرى التي تعلمنا كيف نستطيع ان نوصل الفكرة الى الآخرين، وان يكون خطابنا مناسبا لفهم الآخرين، وان يكون بشكل ومستوى راقي، نستطيع به ان نفهَم الناس حتى نوضّح لهم أهداف القضية الحسينية، أي انه لا يمكن ان نوصل هذه القضية حسب طريقتنا وتفكيرنا، فبعض الناس قد لا يفهمون ذلك.
نحن نحتاج إلى دراسة وتخصص حتى نتعلم كيف نوصل هذه الرسائل، إلى مختلف المجتمعات التي لها ثقافات وتوجهات مختلفة، وعلينا أن ندرس هذه المجتمعات وثقافاتها حتى نوصل الكلام كما يفهمونه، وعلينا أيضا بناء المؤسسات المتخصصة في قضايا التكنولوجيا، كالفضائيات ومراكز الدراسات والتطوير الإعلامي، ومراكز التدريب الفكري والثقافي، ونحتاج إلى مراكز للتدريب على الخطابة حتى نوصل الكلمة الى الناس جميعا.
وكذلك المشاركة في الأعمال الخيرية، فهذه من الأعمال المستدامة حتى يستمر العمل التطوعي في شهر محرم الحرام، وأن تكون لدينا أعمال مستمرة طول السنة لمساعدة الفقراء، وتلبية احتياجات الناس، وهذا العمل المستدام يحتاج الى أن نستمر به ولا نتوقف عنه.