نظرية عقلية النمو و عقلية الثبات

تبين الأبحاث أن الفرد الذي يمتلك عقلية النمو يؤمن بأن قدراته وسماته العقلية والفكرية و نسبة الذكاء قابلة للتطوير والتغيير، وأنه مع بذل الجهد والمثابرة يمكن للإنسان تحقيق آماله و الارتقاء بطموحاته

2023-08-16

د. سهام الشهري

هل يمكن لما يعتقده الإنسان حيال نفسه أو حيال الآخرين أن يؤثر على إمكانيات الفرد إيجاباً أو سلباً؟ نعم قد يكون هذا ممكناً، وذلك طبقاً لما تشير إليه عقلية النمو و عقلية الثبات. تناقش هذه النظرية فكرة العقليات أو المعتقدات الضمنية، ودورها الجوهري في تشكيل توقعات الأفراد وأدائهم وسلوكياتهم وبالتالي التأثير على حياتهم وطموحاتهم. ومن المثير للاهتمام، أن التصورات الضمنية (العقليات) التي يحملها الأفراد حول قدراتهم قد لا ينحصر تأثيرها إيجابياً أو سلباً على تحقيق أهدافهم وغاياتهم فقط، بل أيضًا التأثير على أدائهم وسلوكياتهم وكيفية تفاعلهم وتعاملهم مع الآخرين وآرائهم وانطباعهم عنهم.

أشارت بروفيسور كارول دويك من جامعة ستانفورد الأميركية، وهي أول من صاغ هذه النظرية، بأنه يوجد نوعان من العقليات: فهنالك ما يسمى بعقلية النمو أو العقلية النامية و تندرج تحت هذه العقلية ميل الأفراد إلى رؤية أن السمات والدوافع والقدرات الإنسانية قابلة للتطوير والتحسين. و من ناحية أخرى، هناك ما يسمى بالعقلية الثابتة. فالأفراد الذين يملكون مثل هذا النوع من العقلية يميلون إلى رؤية أن السمات والخصائص الإنسانية والذكاء هي كمية ثابتة، فطرية، وغير قابلة للتغيير.

تبين الأبحاث أن الفرد الذي يمتلك عقلية النمو يؤمن بأن قدراته وسماته العقلية والفكرية و نسبة الذكاء قابلة للتطوير والتغيير، وأنه مع بذل الجهد والمثابرة يمكن للإنسان تحقيق آماله و الارتقاء بطموحاته. فيمتلك الأشخاص ذوي العقلية النامية، مهارات عديدة كالمرونة والمثابرة عند حدوث الأزمات والمشاكل الحياتية، فهم دائماً يسعون إلى الأفضل و يفكرون في حلول وبدائل إيجابية عند مواجهة العقبات. بينما على النقيض تماماً، يؤمن الفرد الذي يمتلك عقلية الثبات بأن قدراته وسماته العقلية والفكرية ونسبة الذكاء ثابتة وغير قابلة للتطوير. بالاضافة الى إيمانهم التام بأن الإنسان خُلق بهذه السمات الثابتة ولا يجدي السعي أو العمل لتطوير هذه السمات نفعا. ويفتقرون بالمجمل إلى مهارات حياتية ضرورية تساعدهم على النهوض والاستمرارية عند مواجهة العقبات والأزمات.

ويجدر بالذكر أن النظرية تنص على أن العقلية لا تحدد فقط اعتقاد الفرد حول نفسه، بل حول الآخرين أيضاً. فعقلية الفرد تحدد اتجاهه وتفكيره إزاء الآخرين وسماتهم الفكرية والذهنية وبالتالي قد تؤثر على حياتهم وطموحاتهم. فالفرد ذو العقلية النامية يظن أن الأشخاص المتواجدون في بيئة محددة مثل بيئة العمل أو الأصدقاء قادرون على تغيير وتطوير أنفسهم للأفضل. في حين أن الفرد ذا العقلية الثابتة لديه اعتقاد بأن الأشخاص الآخرين لديهم نسبة ذكاء محددة ولا تقبل التغيير وبالتالي يضعهم في تصورٍ محدد أو قالبٍ معين. كما أن فكرة وجود فرصة للتحسين والتطوير للأفضل لدى الغير، فكرة غير واردة.

وتؤكد النظرية أن الفرد قد لا يحمل نوعاً محدداً، إما عقلية نامية أو عقلية ثابتة، بل قد يحمل الفرد نسباً متفاوتةً من العقليتين في آنٍ واحد. أي أنه قد تتفاوت درجة امتلاك عقلية النمو وعقلية الثبات من إنسانٍ إلى آخر.
أهمية نظرية عقلية النمو والثبات في مجال التعليم:

في السابق، تمت الإشارة، ولعقودٍ عديدةٍ من الزمن حول قدرة الدماغ البشري وعمله، إلى أن نمو الدماغ يتوقف في مرحلة الطفولة. ولكن الأبحاث الجديدة والمستمرة في هذا المجال أشارت إلى أن الدماغ يتطور ويتغير ولا يقف نموه في مرحلة معينة من عمر الإنسان. من ضمن هذه الأبحاث والنظريات، نظرية عقلية النمو والثبات.

تؤكد الأبحاث أن الطلاب، على وجه الخصوص، قد تكون لديهم معتقدات وآراء حيال أنفسهم، وذلك خلال العملية التعليمية. فالطالب الذي يشخص قدراته التعليمية وذكائه بأنها قابلة للتطوير والتغيير والتحسين، يستطيع وبجدارة التطوير من عملية التعلم وتسجيل مستويات عالية من التفوق الأكاديمي. وذلك من خلال المثابرة والتعلم والعمل الدؤوب والخروج من منطقة الراحة.

مثل هؤلاء الطلبة لديهم معتقدات إيجابية هامة كالتعلم الذاتي، والقدرة على التطوير من أنفسهم ومواجهة العقبات والصعوبات التعليمية. أيضاً، يؤمن الطالب ذو العقلية النامية بأن نسبة الذكاء، كمية غير ثابتة وباستطاعته بذل المزيد للتعلم والنجاح والاستفادة من التغذية الراجعة التي يقدمها المعلم. ويرى الطالب في هذه الحالة أن ما يعترضه خلال العملية التعليمية من صعوبات أو ما يتلقاه من تغذية راجعة هي وسيلة لتحدي الذات وفرصة لمزيد من التعلم. وقد يجد الطالب في مثل هذه الحالة تفوق أقرانه ونجاحهم سبيلاً لإلهامه، وخلق فرصة لمجاراتهم وإيقاد الشغف لديه للاقتداء بهم.

بينما في الطرف الآخر، الطالب الذي يحكم على قدراته التعليمية بأنها سمات ثابتة وأن قدراته التعليمية والعقلية فطرية وغير قابلة للتحسين، قد يسجل مستوى أكاديميا وعلميا متدنيا وأقل من نظرائه الذي يحملون عقلية النمو. فما لا يجيد تعلمه، يتوقف حياله ولا يبذل المزيد من الجهد لصقل قدراته التعليمية. بل على العكس، قد يؤدي ذلك إلى فشله دراسياً وأيضاً تجنبه لمواجهة الصعوبات التعليمية. وقد يأخذ المتعلم التغذية الراجعة الصادرة من معلمه على مأخذ الانتقاد الشخصي وغير الفعال. كل ذلك قد يؤدي إلى ضعف الثقة بالنفس لدى الطالب، وقد تتفاقم المشكلة حين تفوق أقرانه في البيئة التعليمية. فقد يعتبر الطالب ذو العقلية الثابتة بأن نجاح الآخرين هو مصدر للتهديد والتشكيك في قدراته، وسماته العقلية والفكرية والتعليمية.

وأشار المختصون في هذا المجال إلى أهمية تحفيز عقلية النمو لدى الطلبة ودورها الفعال لدعم النجاح الأكاديمي الطلبة ونشر الأفكار الإيجابية وإثارة الدافعية للتعلم. ويبرز الدور الأكبر للمعلم في تعزيز مثل تلك العقليات لدى الطلبة. فالمعلم أيضاً قد يؤثر اعتقاده وتوجهاته حول سمات الطلاب الفكرية والتعليمية إيجاباً أو سلباً على مستوى التعلم لدى الطلبة. فالمعلم الذي يطلق أحكاماً على سير تعلم الطلبة والتأخر مثلاً في فهم وإدراك المعلومات المقدمة إليهم داخل الصف الدراسي، قد يعزز فيهم فكرة امتلاكهم لقدرات ثابتة وذكاء محدود. بينما المعلم الذي يستخدم عبارات التشجيع ويعمل جاهداً على تطوير وتعزيز مفهوم التعلم والتطوير و تعديل الأخطاء و أهمية بذل الجهد لدى الطلبة، قد يعزز فيهم عقلية النمو والإيمان بقدراتهم. وبالتالي فإن إيمان الطلبة بذواتهم قد يمكنهم من التغيير الإيجابي وتطوير أنفسهم ومواجهة العقبات التي تتولد لديهم خلال العملية التعليمية.