ومرجعاً تاريخياً في مسار القضية الفلسطينية

الفن التشكيلي المقاوم ملتصق بأفكار الثورة والثوار

لم يكن الشعب الفلسطيني شاذا عن هذه القاعدة، فقد لعب الفن التشكيلي دورا بارزا في خدمة القضية الفلسطينية والدفاع عنها، وفضح جرائم الاحتلال، وتمثل ذلك في نحت معالم الهوية الفلسطينية.

2023-08-19

أروى حنيش

لعب الفن التشكيلي على مدار التاريخ دورا مهما في رسم معالم هوية الشعوب، وتحديد مساراتها، وتحول في كثير من الأحيان إلى مرجع تاريخي لدراسة ثقافة وحضارة الشعوب.. ولم يكن الشعب الفلسطيني شاذا عن هذه القاعدة، فقد لعب الفن التشكيلي دورا بارزا في خدمة القضية الفلسطينية والدفاع عنها، وفضح جرائم الاحتلال، وتمثل ذلك في نحت معالم الهوية الفلسطينية.

وباتت ريشة الفنان الفلسطيني تتبنى أفكارِ الثورة والثوار، ملتصقاً بهمومِ الوطن، موثِّقاً هُويةَ المكانِ، معبّراً عن صرخات الثكالى واليتامى، والأمهات، ومرتبطاً بواقع الاحتلال الصهيوني، وممارساته الانتهاكات الإنسانية الفضيعة الأكثر بشاعة في تاريخ الإنسانية من تهجير، وتشريد السكان من مواطن إقامتهمٍ، وأسر وقتل، واغتصابٍ الأرض والحق، وانتهاك المقدسات الدينية.. هذا ما تحملُه لوحةُ الفنانِ الفلسطيني التشكيلي بينَ ثناياها، وهذا ما تبحثُ عنه “السعادة” لتكشفَ سر قوة رسائلِ الأملِ والألم، التي يحكيها الفنان الفلسطيني للعالم بأسره من خلال تلك الفنون التعبيرية الرمزية الإبداعية التي تحاكي الواقع في مضامينها وجوهرها، وفلسفة النضال السياسي والوطني، والكفاح البطولي العنيد، في مقاومة العدو المغتصب، وخططه ومشاريعه الاستيطانية، وعدم التنازل عن الحقوق المشروعة بشتى الوسائل والأساليب والطرق، مهما بلغ جبروت هذا الطاغي من غطرسة القوة، واستخدامها بمنتهى الهمجية والحماقة، أساليب قهرية بعنصرية مشحونة بالتطرف والكراهية، التي تحاكي دائما ثقافة القتل والتدمير، والوحشية في ارتكاب المجازر، في تحقير لإنسانية الشعب الفلسطيني، الذي للأسف وجد الصهاينة هذا الفراغ في المحيط العربي المساعد، من صمت الحكومات العربية، إلى التواطؤ، إلى تطبيع العلاقات معه، كل ذلك أتاح له المناخ الملائم في التمادي على أبناء الشعب الفلسطيني، حتى وصل به الأمر بانتهاك وتدنيس المقدسات الإسلامية ودور العبادة، ومنع الناس من تأدية معتقداتهم، وممارسة طقوسهم الدينية، وصولا إلى قصف المدن الفلسطينية بالأسلحة الفتاكة، بغية إجهاض روح المقاومة.

رسالة الفن

ومع حجم هذه المعاناة، واتساع رقعتها على الأرض الفلسطينية، حمل الفن في المجمل رسائل عدة، ولعب دوراً هاما ًومميزاً في مسيرة كفاح الشعب الفلسطيني ضد الاستعمار البريطاني والغزو الصهيوني.. فكان الفن أحد وسائل المقاومة، في إلهاب مشاعر الحماس الوطني، وتجذيره العميق في تاريخ النضال الفلسطيني التحرري، متزامنا مع المقاومة المسلحة لحماية الأرض الفلسطينية من العصابات الصهيونية الهمجية على البلاد.

فالجهاد هو عصب المقاومة، وله وقع مدوٍّ في قلوب أبناء الوطن، فهو المساحة الإيمانية في الصمود والثبات ورابطة الجأش والشجاعة والإقدام والمبادرة، لردع العدو. تلك الروح الجهادية، هي زاد كل شعب فلسطين، وكلما سمع روح مقاوم، أو شهيد يندفع في الأمام، كلما سمع أزيز رصاصة ترتسم في عقله الجمعيِّ صورة الطفل الشهيد “محمد الدرة” ووالده، وابتسامة الرضيعة “يقين القرمازي” التي ماتت اختناقاً بالغاز المسيل للدموع إبَّان ثورة الياسمين في تونس، قبل أن تلوح لنا أخيراً وليس آخراً في الأفق البعيد صورة “آيلان”، ذلك الرضيع السوري الذي مات مرمياً على شواطئ اللاإنسانية، في محاولة بحث عن الوطن، عن المقاومة، كمشروع إنساني يتعدى البنادق وطبول الحرب، مُصافحاً الأدب ومُتشبثاً بالفن الذي اعتبره المسرحي الألماني الكبير “برتولت بريشت” مطرقة، يمكن بها تشكيل الحقيقة. في السياق نفسه يقول الزعيم الشيوعي الصيني “ماو تسي تونغ” إنه “يجب جعل الأدب والفن جزءاً فعالا من جهازنا الثوري، ليصبحا سلاحاً قوياً، به نوحِّد ونثقف شعبنا، ونهاجم ونحطِّم العدو، ونساعد شعبنا، ليتمكن من محاربة العدو بقلب واحد وإرادة واحدة”، مؤكداً بذلك على قوة القلم والكمان والمزمار في شحذ الهمم وكسب الحروب والدفاع عن الأوطان.

أنواع الفنون

يشهد قطاع غزة مساعي حثيثة لإنتاج أعمال فنية في مجالات متعددة، فالإنتاج المرئي، والصوتي، والفن التشكيلي هي ثلاثة ملتقيات تضمها رابطة الفنانين الفلسطينيين في قطاع غزة والتي أنشئت عام 2010 لدعم الفن المقاوم الذي يخدم القضية الفلسطينية ويحتضن المواهب الفنية في قطاع غزة.

حيث إن الفن المقاوم يغيظ الاحتلال الإسرائيلي كما تغيظه أسلحة المقاومة العسكرية، وهذا هو ما ظهر جلياً عندما استهدف العدوان الأخير قطاع غزة، وجنين بعض الاستوديوهات والمراكز الثقافية الداعمة للفن على مختلف مجالاته.

ويذكر أن هناك ملتقيات ثلاثة لرابطة الفنانين الفلسطينيين، وهي: ملتقى الفن التمثيلي وملتقى الفنون الصوتية وملتقى الفن التشكيلي، وهي عبارة عن لوحات ورسومات وينبثق عنها الخط العربي”، لافتاً إلى أن الرابطة تدعم أي فنان لديه صور ورسومات، في إقامة معارض جماعية، أو خاصة إذا توفرت الإمكانيات اللوجستية والمالية. وفي هذا الاتجاه تقدم الرابطة الكثير لتشجيع الفنانين الفلسطينيين وإطلاق مواهبهم رغم إمكانياتها المحدودة وشبه المعدومة بسبب الحصار الذي يضرب كل مناحي القطاع.

وتعتبر الرابطة هي المسؤولة عن تسجيل العديد من الأغاني الوطنية والمسلسلات الإذاعية الهادفة التي تعالج القضايا الوطنية، والتي كان منها مسلسل إذاعي اسمه حكايا أسير يتحدث خلال 30 حلقة عن الأسرى أصحاب المحكوميات العالية في سجون الاحتلال.

ويذكر أن هذا المسلسل أُذيع عبر الإذاعات العربية في لبنان، وسوريا وإيران، وأخذ صدى جيداً، لأنه يتحدث عن قضية مهمة تخص أصحاب المحكوميات العالية في سجون الاحتلال.

ويوضح أن أناشيد وطنية تدعم المقاومة ومسلسلات تعالج قضايا مجتمعية مختلفة وقضايا تخص صميم القضية الفلسطينية. وتجدر الإشارة إلى أن هناك العديد من الأنشطة الفنية، فقد أقيم معرض افتراضي للرسامين العرب الذين يتواصلون مع الرابطة، وعُرضت رسوماتهم عن القدس والأقصى وعدد من المخطوطات العربية عبر موقعها الإلكتروني.

الفن التشكيلي لغة عالمية

الفن التشكيلي يعد لغة عالميةً؛ يتمكنُ الفنانُ من خلالها إيصالَ رسالةِ فلسطينَ للعالمِ، هذه الرسالةُ التي غالباً ما تَحملُ مظلومية شعب فلسطينِ، والانتماءِ، والتشردِ، والتهجيرِ، والظلمِ، والاستبدادِ، والقهر والاستعباد، ولكنْ في المقابلِ تَحملُ هذه اللوحاتُ الفلسطينيةُ بين الفينةِ والأخرى قبساً من الفرحِ، وقبساً من الأملِ، وفسحةً من التفاؤلِ بالنصرِ والاستقلالِ، ويستخدمُ الفنانُ الفلسطيني أثناءَ رسمِه رموزاً تدلُّ على التفاؤلِ مثلَ: “الشمسِ، والقمرِ، وعلامةِ النصرِ، والمياهِ، والأشجارِ”، ورموزا تدلُّ على الأملِ مثلَ: قبةِ الصخرةِ، والمسجدِ الأقصى؛ كرمزٍ للعودةِ، كما وتُستخدمُ الألوانُ التي تعبّرُ في مدلولاتِها عن الأملِ: كاللونِ الأزرقِ، والأبيضِ، واللونِ البنفسجي، والأخضرِ…إلخ.

تقول الفنانة التشكيلية دالية عبد الرحمن: نحن كفنانين يجب أن يكون لنا دور بريشتنا الفنية، وذلك من خلال اللوحات والمعارض المختلفة للحفاظ على هويتنا الفلسطينية، ولمقاومة الاحتلال، وفضح جرائمه التي يرتكبها ليل نهار والتي كان آخرها العدوان على غزة والذي استمر 11 يوما، نحن دورنا كفنانين نوثق الجرائم التي يرتكبها الاحتلال من خلال ريشتنا، خاصة بعد انتهاء أي حرب سنجد أن آثار جرائم الاحتلال قد اختفت، لذلك أصبح لا يوجد شيء موثق لهذه الجرائم، ودورنا أن نوثق هذه الجرائم بريشتنا. فالدور الذي تقوم به ريشة الفنان لا يقل أهمية عن الدور الذي تقوم به بندقية المقاوم، أو الصاروخ، ونحن كفنانين نقول رأينا وفكرنا من خلال اللوحة، فالفنان مقاوم مثله مثل المقاوم بالسلاح.

أما رسامة الكاريكاتير المعروفة أمية جحا والحائزة على العديد من الجوائز الدولية، فتؤكد على أن  فن الكاريكاتير فرض نفسه منذ سنوات، لأنه فن يحاكي الصحافة، وأن الإقبال عليه كبير جدا أكبر من القراءة، مشيرة إلى أن الصورة تبقى محببة للنفس. وتؤكد على أهمية هذا الفن في تعبير الفنان الفلسطيني عن نفسه سواء في مقاومة الاحتلال أو فضح جرائمه. وتشير إلى أن هذا الفن يحول الحدث الإخباري الكبير إلى خطوط مرسومة ويختصر كل المشهد لذلك يكون له جاذبية. وتضيف: نحن كفناني كاريكاتير في العصر الحالي تأثرنا بمن قبلنا مثل الفنان ناجي العلي، وبهاء البخاري، وجلال الرفاعي وغيرهم، وهم لم يؤثروا فقط في الفلسطينيين، بل في العالم كله. ومن حيث انتهى العلي والبخاري والرفاعي، نحن نكمل المشوار في متابعة الكثير من الأحداث والوقائع والآثار على القضية الفلسطينية.

وتتابع: لا يزال حتى هذا اليوم الضحية هو الجلاد والضحية هو القاتل والمبادر للعدوان، وهو الذي يستحق كل ما يأتي عليه، فهذا بالتأكيد خلق في نفس الفنان الفلسطيني نوعا من القهر والشعور بالمظلومية الشديدة.

وختاما لابد من إظهار وإبراز، وتسليط الضوء على الموضوع الثقافي والفن الفلسطيني ، ووضع مساحة خاصة له في الإعلام، وذلك لأن الاحتلال الصهيوني يحاول بشتى الطرق تغييب الهوية الفلسطينية.

 

 

المصدر: الوفاق/ وكالات