ووفقاً للقرارات التي أصدرتها وزارة التجارة الداخلية مساء الثلاثاء الماضي، فقد تمّ توحيد سعر مادة البنزين أوكتان 90 ليصبح 8 آلاف ليرة للّيتر الواحد، بعد أن كان يُباع بسعرين: واحد مدعوم وآخر حرّ، وبذلك تكون نسبة الزيادة حوالى 166% بالنسبة للسعر الذي كان مدعوماً و63% للسعر الحرّ. أمّا البنزين أوكتان 95، فقد ارتفع سعره بنسبة تُقدّر بحوالى 35%. وفي المقابل، أبقت الحكومة على 4 أسعار لمادة المازوت، لكن مع زيادة كبيرة على سعر المادة المُخصّصة للتدفئة والنقل وصلت نسبتها إلى حوالى 185%، وعلى المادة المخصّصة لمعامل الأدوية والاستخدامات الزراعية خارج الكميات المدعومة وصلت نسبتها إلى حوالى 166%، فيما سجّلت نسبة الزيادة على المازوت المخصّص للصناعيين حوالى 113%.
تضخّم مرتفع
تثير مسألة تحرير أسعار المشتقّات النفطية إشكاليتَين أساسيتَين: الأولى جدواها الاقتصادية على المديَيْن القريب والمتوسّط، والثانية تتمثّل في انعكاساتها المحتملة على الوضع الاجتماعي في البلاد. في الأولى، تحاول الحكومة إقناع نفسها قبل مواطنيها بأن معالجة ما تسمّيه «التشوّهات» الحاصلة في ملفّ الدعم الحكومي، من شأنها أن تنعكس إيجاباً على الوضع الاقتصادي، وذلك من خلال إعادة توجيه الكتلة الأكبر من اعتمادات الموازنة العامّة للدولة، لتكون في خدمة الشقّ الاستثماري، إلّا أن التجربة أثبتت – على الأقلّ في خلال الأعوام الثلاثة الماضية – أن رفع أسعار المشتقّات النفطية لم يؤدِّ إلّا إلى مزيد من التضخّم الجامح، وتراجع معدّلات الإنتاج في القطاعَين الصناعي والزراعي نتيجة ارتفاع التكاليف وتبخّر القوة الشرائية للمستهلك، فضلاً عن إحكام السوق السوداء قبضتها على الحياة الاقتصادية في البلاد. ولذا، فإنه من غير المتوقّع أن تتغيّر تلك النتائج مع الخطوة الأخيرة.
وفي هذا الإطار، يعتقد أستاذ السياسات المالية والنقدية في جامعة دمشق، إلياس نجمة، أن القرارات الجديدة «ستؤدّي إلى حدوث موجة تضخّم كبيرة لسببين: الأوّل أن طبيعة عمل التضخّم هي أشبه بطريقة عمل الأواني المستطرقة، فما إن يرتفع سعر سلعة أو خدمة، حتى ترتفع أسعار كل السلع والخدمات الأخرى». والسبب الثاني، بحسب المتحدث، هو أن «ارتفاع الأسعار الحالي يتعلّق بحوامل الطاقة، والتي تمثّل العصب الأساسي لاقتصاد أي دولة». ولا يستبعد نجمة، في حديثه إلى «الأخبار»، أن تصل نسبة التضخم إلى 100%، الأمر الذي سيؤدي إلى حدوث انعكاسات اقتصادية واجتماعية خطيرة. وهذا ما تؤيّده توقّعات معظم الاقتصاديين». ومما يعزّز من تلك التوقّعات السلبية، عجز الحكومة عن توفير الحدّ الأدنى من احتياجات السوق المحلّية من المشتقّات النفطية، سواءً جرّاء عدم تمكّنها من استيراد كميات كافية من النفط الخام، إذ لا تتجاوز وسطياً الكميات المستورَدة شهرياً مليونَي برميل فيما التقديرات تتحدّث عن الحاجة إلى 3 ملايين برميل كأقلّ تقدير، أو نتيجة فشلها في محاصرة السوق السوداء التي كانت تنتعش مع كلّ زيادة على أسعار المشتقّات النفطية وتعدّل أسعارها أيضاً، لتكون النتيجة ارتفاعاً غير مضبوط في تكاليف الإنتاج وتقديم الخدمات في وقت تضيق فيه أسواق الاستهلاك.
في النقطة الثانية المتعلّقة بالأثر الاجتماعي للقرارات الأخيرة، تتبدّى مجموعة من الانعكاسات السلبية المباشرة، أوّلها تعميق حالة الفقر، وزيادة الضغوط المعيشية على شريحة واسعة من السوريين بمن فيهم العاملون في مؤسّسات الدولة، والذين ازدادت رواتبهم وأجورهم بنسبة كاملة (100%)، سرعان ما فقدت أهميتها المعنوية والشرائية حتى قبل صدورها رسمياً، وذلك جراء تفاقم مشكلة الغلاء، والارتفاع المستمرّ في سعر صرف الدولار منذ عيد الفطر السابق، فضلاً عن أن نسبة الزيادة التي طرأت على أسعار المشتقّات النفطية، كانت كفيلة بامتصاص الزيادة الحاصلة على الرواتب وأكثر. وعليه، فإن العاملين بأجر عموماً، والعاطلين عن العمل، والبالغة نسبتهم رسمياً حوالى 21.9%، سيكونون هم الفئة الأكثر تضرّراً من سياسة زيادة أسعار السلع والخدمات. وفي هذا الإطار، يشير نجمة إلى أنه «إذا كانت زيادة الرواتب والأجور محاولة لإزالة بعض الغبن أو الضرر الواقع سابقاً على شريحة العاملين بأجر، فإن زيادة الأسعار ليست سوى زيادة جديدة تضاف إلى أرباح أصحاب الأموال والثروات». ويكشف أن «حصّة العاملين بأجر من الدخل القومي، لا تتجاوز في الوقت الراهن 10-15%، فيما كانت هذه النسبة تصل إلى أكثر من 43% في عام 1968، مع العلم أن العاملين بأجر لم تكن نسبتهم تتجاوز آنذاك 30% من إجمالي عدد العاملين، فيما نسبتهم اليوم تتجاوز 63% وفقاً لبيانات المكتب المركزي للإحصاء».