إبراهيم الكحلاني
الخدمة هي القيام بالعمل لأجل الآخرين، وفي النية الباطنية تقوم الخدمة على استشعار حاجات الآخرين، وفي الفعل تقوم على حصر الجهد في تأدية حاجاتهم، وفي دائرة الحركة على تفادي كل ما هو غير خدمة حاجات المخدوم. والخدمة ليست قيمة بذاتها بل المخدوم هو الأساس والمعيار، الخادم يقوم بالخدمة كعبد ولا يطلب مقابلها شيئا، فهو يخدم الآخرين كخدمة لله تعالى، وخدمة الله سبحانه وتعالى تصنع في الانسان روح الخدمة للآخرين التي هي استعداد كامل للبذل والتضحية، وأعلى الدرجات في ذلك الشهادة في سبيل الله، وهي التعبير العملي عن العبودية والانعكاس التطبيقي لها.
الفارق بين خدمة الإنسان وخدمة الله عز وجل
الفارق بين خدمة الإنسان وخدمة الله عز وجل، أن الله تعالى ليس محتاجاً بينما الإنسان محتاج، فهناك خدمة المحتاج وخدمة المكتفي. التعامل مع المحتاج على أنه تعامل بالواسطة مع الواجد المكتفي يضعنا في توجه نحو تطبيق التوجيه الإلهي (إنما نطعمكم لوجه الله..)، أنا اقدم خدمة للمكتفي فلا أشعر على المستوى الباطني أني اعطيه لأنها خدمة للمكتفي الذي يملكني ويملك ما أعطي وأقدم، فهو صاحب البستان ومالك كل شيء وقد أمرني بالعطاء، فأنا عامل لديه فقط.
الخدمة نوع من أنواع الإنفاق أو مفهوم مرادف له، وللإنفاق هذا موارد متعددة هي: الوقت والمال والجهد والنفس والممتلكات والأهل، وكذلك بذل المعرفة للآخرين والتي قد تكون مدخلاً لهم لنيل قصب السبق في الجوانب المعنوية والمادية، وقد كان لبعض الزهاد الكبار تضحيات في مجال الملكية الفكرية فقدموا معارفهم وظلوا مجهولين.
فالحياة مليئة بالمواقف واللحظات التي تعطينا الحكمة والمعرفة بالحياة، وهنا إليكم حكمة وعبرة من المختص بالتنمية البشرية من اليمن ابراهيم الكحلاني:
شاب غريب وفقير، ومع ذلك لم تمنعه تلك الغربة وذلك الفقر من تحركه واستمتاعه بهذه الحياة.
الفقر الذي يجعل أغلب الشباب مقيدا، ومتبرما من هذه الحياة، وأسيرا في البيت يعاني آلامه، ويندب حظه العاثر، فيظل طوال وقته مستلقيا على ظهره منشغلا بهاتفه ومواقع التواصل الاجتماعي يبث فيها شكواه وهمومه وأحزانه.
كيف نجح الشاب نبي الله موسى(ع) في تجاوز الآفات القاتلة للشباب؟
تعالوا معي لنعش تلك التجربة العجيبة التي مر بها النبي موسى(ع)، ونستفد منها جميعا.
النبی موسى(ع) الغريب الفقير شاهد موقفا يحدث أمامه، تأملوا معي فقط كيف تعاطى وتعامل مع هذا المشهد!
– «ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون» … أمة من الناس ولكنها أمة متبلدة وأنانية همها الوحيد هي مصالحها فقط وليذهب الجميع أدراج الرياح.
– «ووجد من دونهما امرأتين تذودان، قال ما خطبكما؟»… هنا سؤال الشاب الغيور صاحب القيم والأهداف السامية والنبيلة، وليس سؤال الشاب الفضولي صاحب القيم والأهداف المنحطة والتافهة.
– «قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء»… ما أعظمه من خلق.. حتى يصدر الرعاء.. فشرفنا وأخلاقنا تستحق أن نبذل للحفاظ عليهما حتى مقاساة حرارة الشمس، وسأم الانتظار لساعات وساعات، ولا أن ندنسها بما يعيبها ويخدشها.
– «فسقى لهما»… قد يكون في نظر أغلب الناس بأنه عمل سهل وبسيط وهو فعلا كذلك، ولكن عند فعل الخير يجب أن تكون قاعدتك التي تنطلق منها هي أن تنظر إلى ذلك العمل بعين المحتاج لا بعينك أنت، فقد يكون بالنسبة لك عملا بسيطا ولكنه بالنسبة للآخرين يمثل عبئا ثقيلا خلصتهم منه.
– «ثم تولى إلى الظل وقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير»… استلقى على ظهره تحت ظل شجرة بعد أن سقى لهما، وقال لربه لا لغيره: رب إني فقير إلى عونك ومددك، ولم يستلق فوق سريره يندب حظه العاثر، ويشغل نفسه ووقته بهاتفه ويخرج كل ضبحه وهمومه فيها، لعله ينسى ولو جزءا يسيرا من تلك الهموم التي أثقلت ظهره.
– «فجاءته»… عندها فجاءته، جاءته ماذا؟ جاءته المنح والعطايا الإلهية العجيبة، والتي تجعل الواحد يقف أمامها مبهورا مذهولا.
– «… قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين»… حصل على عقد زواج في منطقة ومكان لا يعرفه أحد فيها، ما أعظم وأبهر عناية الله لعبده!
– «على أن تأجرني ثمان حجج»… وهذا عقد عمل، ما أعظم وأجمل الكرم الإلهي!
حصل على أهم عقدين يبحث عنهما كل شاب في هذه الحياة، وهما الزوجة والوظيفة، نعم أهم عقدين واللذان يجعلان الشباب يبذلون في سبيل الحصول عليهما أثمن أوقاتهم وزهرة أعمارهم، والذي قد يصاب ويطال الشباب بسببهما الشيب والصلع وهم بعد لم يصلوا إليهما.
هذه مجرد ثمرة قليلة فقط من ثمار التجارة مع الله، وقطرة بسيطة من بحر الكرم والعطاء الإلهي، جرِّب أن تحسن إلى الآخرين وتخدمهم ثم ترفع بعدها يديك بالدعاء لله لحل إشكالياتك وهمومك، عندها سترى العجب العجاب في سرعة استجابة الله لك ولطلباتك.
هل عرف الشباب الآن أين تكمن مشكلتهم؟ وما هو العلاج الناجع لحلها؟!
فالإحسان مختزل في كلمتين اثنتين فقط، هما «خدمة الآخرين»، بعض الناس يظن ويعتقد أنه لا يستطيع أن يخدم الآخرين إلا متى ما كان جيبه مليء بالمال، وهذا اعتقاد خاطئ وفي غير محله على الإطلاق، فما الذي كان يمتلكه النبي موسى(ع) في جيبه حينها؟ صفر ريال.. نعم صفر.. لا شيء.. ولكن لم يمنعه جيبه الفارغ من تقديم خدماته للآخرين.
ولهذا يلفت سبحانه وتعالى أنظارنا لتلك القضية بقوله: لينفق ذو سعة من سعته، ومن قدر عليه رزقه.. أي لا يمتلك المال.. هل يتوقف عن الإنفاق ومساعدة الآخرين؟ كلا .. فلينفق مما آتاه الله.
آتاك الله وجاهة، أنفق منها. «عبدي آتيتك جاها في الدنيا، فهل نصرت به مظلوما، أو أغثت به ملهوفا».
آتاك الله علما، أنفق منه. «من كتم علما ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة».
آتاك الله قوة، أنفق منها… وهكذا.
فعلا كم أنت عظيم وملهم أيها الشاب موسى!