فاطمة بعاجي کاظمي
كل الحروب التي شهدتها الشعوب على مر العصور لم تكن خالية من الروح الحماسية، سواء من خلال مرافقتها مع الأناشيد الوطنية أو الأشعار الحماسية التي من شأنها أن تحفز الروح القتالية لدى المقاتلين، ومع التقدم العلمي اختلفت اساليب الدعايات الحربية واخذت منحى آخر من خلال استخدام أناشيد وأشعار بلغة أهلها قد يكون تأثيرها أكثر إيلاماً على الطرف المتخاصم، وفي الحروب المتاخرة كانت الأناشيد بصيغتها الإيقاعية ومضامينها الشعرية المتناسقة مع الأوزان الإيقاعية والشعرية أصبحت حالة مألوفة في تحفيز الجنود وحثّهم على مواصلة القتال ضد خصمهم. ومع بدء الحرب الصدامية ضد الجمهورية الإسلامية، استخدم المنشدون الإیرانیون شتى الأساليب لإضعاف الروح القتالية للعدو من جهة وتحفيز النبرة القتالية في نفوس المقاتلين الإيرانيين، من جهة أخرى فإيران استخدمت الإيقاعات الدينية خاصة تلك المتعلقة بواقعة الطف التي إستهوت وتستهوي كل أتباع أهل البيت عليهم السلام.
ثورة الإمام الحسين عليه السلام ضد البغي والطغيان والتي أسفرت عن إستشهاد الإمام الحسين (ع) و72 من أصحابه الغر الميامين كانت منبع إلهام للمنشدين والشعراء في إيران طيلة فترة الحرب الصدامية ضد ايران. وبطبيعة الحال إن هذا الأسلوب كان ناجحاً وناجعاً باعتبار أن المد الإسلامي والديني يتجاوز التوجه القومي، إذ أن ايران بعد الثورة الإسلامية إستندت إلى المعايير الدىينية والقيم الإسلامية وهذا التوجه ساد كل شرائح المجتمع الإيراني .فبرز على الساحة منشدون وشعراء كرّسوا كل جهودهم ومواهبهم الشعرية وأصواتهم الشجية لإثارة الروح الحماسية في نفوس المقاتلين.
ومن بين الشعراء برز على سبيل المثال الشاعر الفقيد الحاج حبيب الله معلمي، ومن بين الأصوات المميزة وصاحب الصوت الشجي والحماسي المنشد الشهير الحاج صادق آهنگران وهما من أبناء محافظة خوزستان. الشاعر الشعبي الحاج حبيب الله معلمي استخدم المفردات والمصطلحات التي تلامس الشارع الإيراني بحيث كل أشعار هذا الشاعر باتت تتردد على ألسنة أبناء الشعب الإيراني طيلة الحرب الصدامية ضد الجمهورية الإسلامية.
ولكن المنشد الشهير صادق آهنگران أبدع من خلال صوته الشجي وحنجرته المميزة، وتمکّن من أن يصبح المذياع الأول في انشاد الأناشيد الحماسية التي كان لها الاثر البالغ في تحفيز روح القتال لدى المقاتلين طيلة فترة الحرب. وحتى الان وبعد مرور 35 عاما على انتهاء الحرب الصدامية مازالت اناشيد الثنائي الحاج حبيب الله معلمي والحاج صادق اهنگران تتردد على السنة الاجيال التي تلت فترة ما بعد الدفاع المقدس.
الشاعر المرحوم الحاج حبيب معلمي والمنشد الحاج صادق آهنگران سجّلا أناشيد دينية وحماسية خالدة وسوف تبقى خالدة في ذاكرة الشعب الإيراني إلى أبد الأبدين. هذه الأناشيد الخالدة في الواقع انطلقت من صميم معاناة الشعب الايراني خلال فترة الدفاع المقدس وترسخت في وجدان الشارع شيباً وشبّاناً وأصبحت ضمن الأدب الشعبي الذي يعكس واقع تلك الحقبة التي شهدها الشعب الإيراني .
الحاج حبيب معلمي، شاعر لا يزال يحيا في قلوبنا
إنها یوم الجمعة، بدأت أجواء شهر محرم الحرام شهر الحزن، حيث أقيم في مدینة أهواز مجلس تأبیني إحياءً وإجلالا لذكرى الحاج حبيب الله معلمي، من شعراء وروادید ملحمة الدفاع المقدس، وذلک بجهود قسم الفنون بمحافظة خوزستان وتعاون مجموعة مشكاة الأدبية. بعد إنتهاء المراسم ذهبت الى الحاج صادق اهنگران، أحد كبار الروادید الحسینیین في البلاد. رجل طويل القامة وقلب مليء بروح شبابیة، سلوكه الطيب كان جذابا للجميع. كنت واقفاً عند أواخر الحشود التي کانت حاضرة في هذا المجلس، وكنت أقول مع نفسي ربما أنه قد لا يكون لديه الوقت الکافي للحدیث معنا. الحاج صادق آهنگران كان يجري حواراً مع وسائل الإعلام التابعة للمحافظة، لكن يبدو أنه كان ینتبه إليّ، وعلم بأنني كنت أنتظر الحدیث معه.
كان الحاج صادق آهنگران أحد المقربین للحاج حبيب الله معلمي، حیث کانت شخصیة الحاج حبيب لها تأثیر کبیر وواضح على سلوك الحاج صادق آهنگران.
کنت أفکر مع نفسي، علی اختيار معلم ومستشار جيد، ومدی تأثیره على شخصية الناس!
وأخیراً وفقني الله وذهبت للحاج صادق آهنگران، وبعد التحية والتعريف بنفسي، في حديثي الذي دار بیننا، وصف الحاج آهنگران، المرحوم حبيب الله معلمي بأنه أسوة للرثاء والمرثیة في محافظة خوزستان.
ثم قال الحاج صادق آهنگران: كان الحاج حبيب معلمي بحد ذاته لواء ثقافياً بمعنی الکلمة، وبما أنه لعب دوراً فعالاً جداً في فترة الدفاع المقدس التي استمرت ثماني سنوات، إلا أنه ظل مجهولاً إلى حد كبير، أي أن قيمة الحاج حبيب لا تزال مجهولة.
ويجب أن أقول إن التأثير الذي أحدثه في ثماني سنوات من الدفاع المقدس ربما يكون أعلى بعدة مرات من تأثير شهريار. وهو من خلال الإشارة إلی حدیث “فَإِنَّکمْ وَسِیلَتِی إِلَی اللّهِ “، تطرق إلی قصائد الحاج حبیب وقال: إن الأشعار الملحمیة والحماسیة لحاج حبيب عززت قلوب المحاربين والجنود خلال الحرب، لو رأى شبابنا الحاج حبيب وجلسوا معه لمدة ساعتين على الأقل، فإنهم سیعرفون ویدرکون من الشخصية التي أتکلم عنها.
وقال الحاج صادق آهنگران إلى أن قصائد الحاج حبيب الله معلمي إضافة إلى أن فیها النور الإلهي الأبدي، أحياناً یُعرِف الإنسانُ الله، للتعريف بنفسه، وأحياناً يقدم نفسه للتعريف بالله؛ كان حبيب الله معلمي أيضاً شاعراً حاول دائماً إبراز مظهر من مظاهر النور الإلهي في أخلاقه وقصائده.
الحاج صادق آهنگران وصف قصائد الراحل الحاج حبیب المعلمي، بأنها كنز نقي ونادر من ملاحم الدفاع المقدس الخالدة، وأشار إلى أن المراثي التي أحيت الشغف الحسيني وعاشوراء في جبهات الدفاع المقدس، كانت بسبب الروح الطاهرة والنقیة لهذا الشاعر التقي، حیث دخلت في أعماق قلوب المحاربين وكانت فاعلة.
وأضاف الحاج صادق آهنگران: لابد أن يعلم الجميع أن نجاح حياتي يعود إلى فضل الله، وتألیف مراثي المخلص المتقي الحاج حبيب الله معلمي في فترة الدفاع المقدس.
وتابع الحاج صادق آهنگران: المتوفى كان مدرساً ومزارعاً، وكان عمله صعباً للغاية، ولكن رغم ذلك لم يعبّر أبداً عن تعبه في الرثاء.
أحيانا کنّا نجلس على الأرض ویکتب الشعر، وفي بعض الأحيان كان يعود إلى المنزل من العمل عند الغروب، حیث کان متعباً جسدیاً، لكن روحه كانت مشتاقة ومستعدة للعمل؛ مثل الشاب الذي في عنفوان شبابه ولدیه طاقة هائلة. وبعد أن نصلي، یبدأ بالعمل، وأحياناً حتى وقت متأخر من الليل،كنّا منشغلين بتنسيق المرثیة لعملية اليوم التالي في الجبهات، في البدایة نجهز نشید ملحمي لتجنيد واستقطاب القوات، ثم النشید الذي کان استعداداً للعملية في الجبهات، ثم أسلوب للعملية نفسها.
وأوضح الحاج صادق آهنگران: كما قال قائد الثورة الإسلامیة، المرحوم الحاج حبیب معلمي هو أحد أسس جهادنا المقدس ضد العدو العالمي وفي فترة الدفاع المقدس، ولكن لم یعرف أحد قدره ومکانته، الحاج حبيب معلمي، شاعر طقوس الدفاع المقدس، قام بتصویر موضوع فترة الدفاع المقدس بطرق فريدة.
وتابع الحاج صادق آهنگران في استمرار الحديث عن الحاج حبيب معلمي، شاعر الطقوس الشعبية في محافظة خوزستان، وسلّط الضوء علی الطريقة التي صوّر بها موضوع الدفاع المقدس.
وتحدث في هذا الحوار عن نقاط مهمة للغاية عن شعر الحاج حبيب ورثائه. وحسب قول الحاج صادق آهنگران إن منزل الحاج حبيب معلم كان مکان التجمع للجميع خلال شهر محرم الحرام.
كانوا يجتمعون في منزله ویستعرضون الذكريات والمراثي، وتكشف تصريحاته أن الحاج حبيب معلمي كان له نهج حاسم بالمديح والمراثي، ویؤکد حضور أطفال خوزستان في المراحي والأدعیة، لتجنب الانحرافات. کما أنه كان يعارض بشدة تحول الأناشید والمراثي إلى وسیلة وطريق لکسب الشهرة والنجاح من قبل الروادید.
في هذه المحادثة، وضع الحاج صادق آهنگران أكبر قدر من التركيز على میّزات الحاج معلمي الشعرية في تصوير الدفاع المقدس.
ويذكر أنه في قصائده شدد كثيراً علی “الولاية” ومعناها ومفهومها، وعلاقة قصائده وأشعاره بمفاهيم الإمام الحسين(ع) وعاشوراء واضحة جداً، أيضاً، يُعرف بأنه شاعر مستقبلي، حیث لا تزال قصائده التي كتبها منذ سنوات يتم استخدامه وتناولها بين الناس الى یومنا هذا. وفي النهاية طرح سؤال مفاده أنه لو كان الحاج حبيب معلمي على قيد الحياة، لكان قد أعطی نظماً للروادید والمنشدین حتى يتمكنوا من التقدم نوعياً، ومن حیث الجودة.
على هذا السؤال أجاب الحاج صادق آهنگران بشكل حاسم علی أنه إذا كان الحاج حبیب معلمي لا يزال على قيد الحياة، لكان قد أكد أن محتوى الرثاء يجب أن يكون صحيحاً أخلاقياً وعقلانياً، وكذلك هادفاً، ولکان قد أکد أنه لا ينبغي أن يتجه نحو الأشياء المادية ونحو الأهداف الشخصیة، وبدلاً من ذلك، يجب أن یستمر محتوی الرثاء في دعم الأهداف العظيمة للنظام.
ويبدو أن شاعراً مثل الحاج حبيب معلمي، بخصائصه ومواصفاته الخاصة، استطاع أن يصور الدفاع المقدس بوفرة، واستطاع أن یکون له حضوراً قوياً في نفوس الناس بمراثيه وقصائده، ولا شك أن إنجازاته الفنية والمعنویة لن تُنسى أبداً.