شارل أبي نادر
وأن تخاف “اسرائيل” من امتلاك حزب الله صواريخ باليستية قصيرة ومتوسطة المدى، عادية او دقيقة، ايضا هو امر طبيعي وضروري، حيث ذاقت الامرين في تلك الحرب من عام ٢٠٠٦، من صواريخ حزب الله – العادية حينها – والتي بقيت تتساقط على الجليل وعلى المدن والبلدات المحتلة في فلسطين طيلة فترة الحرب دون توقف، رغم المروحة الكثيفة من عمليات المسح الجوي المدمر بالقاذفات والطوافات والمسيرات التي نفذتها طيلة دقائق الحرب ايضا، ليلا ونهارا.
وأن تخاف ايضا “إسرائيل” من شبكات الانفاق المفترض ان حزب الله اقامها على كامل جبهة المواجهة الحدودية بين الاراضي اللبنانية وأراضي فلسطين المحتلة، والممتدة بين الجهتين (مفترض هكذا)، فهذا ايضا امر مقبول وضروري ان يحصل ويجعلها تقوم بكل الاجراءات الهندسية او غيرها لكشف تلك الانفاق، لأنها ايضا عاشت هاجسها طيلة فترة الحرب حينها وما زالت تعيشه اليوم.
ولكن ان يصل بها الامر إلى الخوف من توسّع وانتشار المناطق المشجرة على الحدود في جنوب لبنان، والتي هي مناطق جبلية وزراعية خصبة، مثلها مثل كل أراضي لبنان، ساحلا وجبلا، فهو امر غير طبيعي، ويمكن القول انه تجاوز للمنطق وللمعقول ولكل مفاهيم الحروب وقواعد المواجهات العسكرية.
نعم، هذا الخوف من توسع المناطق المشجرة على الحدود مع لبنان، عبرت عنه “اسرائيل” في اكثر من مناسبة، سابقا عام 2017 وعام 2020 واليوم، حيث شكلت أشجار جنوبي لبنان، الممتدة عند طول الخط الحدودي مع فلسطين المحتلة، محط أنظار الاحتلال الاسرائيلي وهواجسه، إذ إن الزرع الأخضر أرعب الكيان المغتصب، على نحو دفعه إلى ملاحقة جمعية “أخضر بلا حدود”، المتخصصة بالتشجير منذ انطلاقتها، ومستعينا بالادارة الاميركية، فرضت مؤخرا وزارة الخارجية لدى الاخيرة عقوبات على الجمعية المذكورة، والتي رد رئيسها بأن “الجمعية متخصصة بالشأن البيئي فقط”.
ولكن، عسكرياً، على ماذا يقوم الخوف الإسرائيلي من زيادة نسبة الاراضي المشجرة على الحدود؟ وهل خوف العدو في مكانه من الناحيتين العسكرية والامنية؟
في الواقع، ومن خلال اجراء متابعة لمسار المواجهة بين حزب الله وبين العدو الاسرائيلي، منذ ما قبل التحرير عام 2000 وامتدادا الى حرب تموز عام 2006، كان هناك عدة اسلحة مميزة، استطاع حزب الله من خلالها، ان يكسر معادلة التفوق العسكري لدى العدو، واهمها سلاح التمويه والتخفي، والانتقال في اماكن غير مكشوفة، او التربص في امكنة مغطاة بالاشجار او بالاعشاب الكثيفة، وهذا السلاح، شكل رافعة اساسية لكل العمليات الحاسمة التي نفذتها المقاومة ضد العدو فيأغلب المواجهات، وخاصة في مواجهات حرب تموز، والتي كانت منقسمة بين عمليات كمائن مقاتلي حزب الله ضد وحدات العدو الخاصة، وبين عمليات كمائن وحدات او عناصر المضاد للدروع ضد دبابات ومدرعات العدو في عدة مناطق مواجهة، في الخيام وفي الطيبة ورب ثلاثين وفي وادي الحجير، وبين قواعد اطلاق الصواريخ، والتي نجحت، بفضل الأنفاق وبفضل مناطق الاطلاق المخفية بالاشجار، بابقاء الاراضي المحتلة تحت تأثير صورايخها طيلة فترة الحرب (33 يوما) وعلى نفس وتيرة ومستوى الاطلاق.
هذا الخوف من المناطق المخفية، الذي واكب تلك المواجهات قبل التحرير، والذي تطور اكثر مع حرب تموز 2006، وشكل سلاحا فاعلا من ضمن الاسلحة التي حسمت المواجهة وحققت انتصار المقاومة في تلك الحرب، والتي كانت حتى تاريخه، حربا دفاعية خاضتها المقاومة ضد العدو داخل الارضي اللبنانية، أصبح اليوم خوفا مضاعفا، لأنه أصبح مرتبطا بالحرب الهجومية التي يحضر لها حزب الله ضد العدو، وخطورته الحساسة بالنسبة للاخير، ان تكون قواعد انطلاق مجاهدي المقاومة ووحداته الخاصة (الرضوان) لاختراق الحدود جنوبا، وتنفيذ اعمال قتالية واسعة في قرى ومستوطنات الجليل وأبعد ربما، قواعد مخفية بالاشجار الكثيفة، محمية بشكل كامل عن مراكز الرصد والمراقبة البرية والجوية العدوة، والأخطر أيضًا، ان قواعد العمليات القتالية، من غرف عمليات ونقاط تنسيق ميدانية بالاضافة لقواعد مساندة الهجوم داخل الجليل، ستستفيد حكما من المساحات المشجرة، والتي اصبحت موزعة بطريقة مدروسة على الحدود بشكل يناسب أغلب مناورات المقاومة المرتقبة.
من هنا، يمكن ان نتفهم الخوف الاسرائيلي من المناطق المشجرة على الحدود مع لبنان، ومن هنا ايضا، يمكن ان نستنتج القيمة العسكرية والميدانية والاستراتيجية من حملة المقاومة الفعالة والواسعة والمركزة، لزيادة نسبة المناطق المشجرة في جنوب لبنان، وأيضًا في كل الاراضي اللبنانية، حيث المواجهة المرتقبة مع العدو، لن تكون محصورة في منطقة حدودية فقط، بل سوف تكون أبعد في المدى وفي الجغرافيا وفي الصواريخ، والتي أصبحت غير مقيدة، لا في المدى ولا في القدرات التفجيرية والتدميرية.