عاد التوتر الأمني ليسيطر على الضفة الغربية مع تصاعد العمليات الفلسطينية، حيث حصلت عمليتا إطلاق نار، الأولى عصر السبت في حوارة، والثانية صباح الاثنين في جبل الخليل، أودتا بحياة ثلاثة صهاينة، عمليتان سببتا ما يكفي من الارباك لدى مراكز القرار في الكيان الصهيوني خاصة عملية جبل الخليل، حيث كانت المنطقة تعتبر هادئة نسبيا الأمر الذي سيتطلب تعبئة الاحتياط وزيادة عدد القوات لأكثر من 23 كتيبة موجودة حالياً بالضفة الغربية.
بعد عملية الخليل تضاربت المواقف بين من يريد شن هجوم واسع على الضفة باكملها وبين من اتهم ايران ويريد الاقتصاص منها وبين من وجه اصابع الاتهام لحزب الله وحماس بالتمويل والتشجيع والتسليح، مطالبا برد موضعي لا يجر المنطقة الى حرب.
توتر سياسي
على المستوى السياسي، سارع المسؤولون الصهاينة، من الائتلاف الحكومي والمعارضة، بعد حصول العمليات، إلى إصدار بيانات شجب وتعزية بالقتلى الصهاينة، كما سارعوا إلى إطلاق التهديدات ضدّ الفلسطينيين.
وفي هذا السياق، وصف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، في الجلسة الأسبوعية لحكومته، العملية في حوارة، بأنّها “وحشية”، وأكّد أنّ أجهزة أمن الاحتلال تعمل من أجل إلقاء القبض على منفّذ العملية، “تماماً كما فعلت مع كلّ حادث قتل إسرائيليين منذ تشكيل هذه الحكومة”. كما حمل نتنياهو ايران المسؤولية عن الهجوم، قائلا ” نحن امام ذروة هجمة ارهابية وهذه الموجة تحظى بالتشجيع والتوجيه والتمويل من قبل ايران واذرعها”.
وفيما أعلن وزير الحرب، يوآف غالانت، أنّه أصدر في ختام تقييم للوضع، التعليمات للجيش وللشاباك بزيادة جهودهما في العمليات بالضفة الغربية، دعا وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش “الجيش للانتقال إلى الهجوم في الضفة الغربية لإعادة الردع والأمن”.
الذروة لم تأت بعد
كما أجرى رئيس هيئة الأركان العامة في جيش الاحتلال الصهيوني، هرتسي هليفي، تقدير وضع على الأرض بالقرب من مكان حصول الهجوم في حوارة، ولم يصدر عنه أيّ موقف أو تعليق.
وفي التفاصيل التي كشفتها المصادر العسكرية والأمنية حول منفّذ العملية، قال مصدر أمني إنّ الفهم هو أنّه من قرية “بيتا” وانه “عمل لوحده، ويختبئ في نابلس”. ولفتت التقارير إلى أنّ هجوم حوارة، صُوّر، وهذا على ما يبدو سيساعد المؤسّسة الأمنية والعسكرية على كشف هويّة منفّذ العملية.
وانتقد مصدر عسكري صهيوني، بحسب تقارير، المجازفة “المخبولة” التي يقوم بها مستوطنون بدخولهم إلى مناطق الضفة الغربية للحصول على خدمات أرخص، لأنّه إضافة إلى ارتكابهم مخالفة جنائية بهذا الأمر، هم لا يعرّضون أنفسهم فقط للخطر، بل يجرّون كلّ المنطقة إلى توتّر أمني، فالوضع على الأرض تغيّر كلياً، ويوجد توتّر كبير في المنطقة.
ونقلت التقارير أيضاً عن جهات في جيش الاحتلال قولها إنّ الوضع في مناطق الضفة الغربية أصبح خطيراً جداً، مضيفة أنّه بالنظر إلى المعطيات، يتبيّن أنّه منذ بداية السنة الحالية، حصل ارتفاع في عدد القتلى في الهجمات التي ينفّذها فلسطينيون ليصبح 33 قتيلاً، التقارير أفادت أيضاً أنّه حصل منذ بداية العام 190 هجوماً (من ضمنهم 150 هجوم إطلاق نار)، كما تمّ إحباط 480 “عملية هجوم”.
كما ذكر رئيس شعبة العمليات سابق في جيش الاحتلال يسرائيل زيف انه ” لا شك ان عدد العمليات هي ضعف ما حصل في العام الماضي، ويجب ان نأخذ بالحسبان ان الذروة لا تزال امامنا اعتقد اننا ذاهبون نحو التصعيد”.
الجيش أخفق
المستوى الإعلامي في الكيان المؤقت أبدى اهتماماً بعمليتي حوارة وجبل الخليل ، فرأى خبراء ومُعلّقون أنّه في آخر سنة ونصف السنة، تحصل انتفاضة قاسية في شمال الضفة الغربية، وتنزلق إلى كلّ الضفة، وأضافوا أنّ المشكلة ليست مع المقاوم الحالي، الذي قام بفعلته وانتهى، بل مع المقاوم القادم، والذي سيأتي بعده.
وحذر مُعلّقون من أنّ منطقة شمال الضفة الغربية، صارت مليئة بالوسائل القتالية والذخيرة. وأشار خبراء ومُعلّقون إلى أنّ “الأرض تحترق” وأنّ الهجومين في حوارة وجبل الخليل يكشفان عن سلسلة من اخفاقات جيش الاحتلال، ويدلّ على أنّه على الرغم من العملية العسكرية في جنين، الشهر الماضي، لم تتوقّف الهجمات الفلسطينية.
واعتبر معلقون ان اتهام نتنياهو لايران بالوقوف وراء كل عملية تحدث، ما هو الا تعبير عن مأزق لحكومة اليمين، معتبرين ان حكومة نتنياهو في ورطة، حيث قال المحلل السياسي الصهيوني رفيف دروكر “اذا كان الامر محاولة من قبل اليمين للقول اننا في ورطة ولا يوجد من نتهمه الان، فاطلاق التهمة على ايران هو امر محرج جدا فالكثير من العمليات كانت تحصل في لحظتها عبر مبادرة من فرد يطلق النار من مسدسه وينحسب”.
في الخلاصة، فان خيارات الكيان الصهيوني امام تطور العمليات في الضفة الغربية تصبح ضيقة، فمع وجود ازمة داخلية عميقة تتراوح بين السياسة والجيش والاقتصاد وصولا للبنية المجتمعية في الكيان، فليس من السهل على نتنياهو وحكومته المبادرة الى حرب لا يعرف كيف سيكون مصيره في نهايتها، وتبقى خياراته محصورة في ما تلخص عن المحللين الصهاينة وهو محاولة توسيع العمليات المركّزة ضدّ مقار قيادة المقاومة المنتشرة في أنحاء الضفة بالاضافة، لمحاولة إحباط وكشف وردع جهات جنائية تسرق وسائل قتالية من معسكرات الجيش الصهيوني، والتي هي أكبر مزوّدة ذخائر المقاومة في الضفة، وذلك بحسب التقارير العبرية وأخيرا تمكين السلطة الفلسطينية من الوصول إلى السيطرة على المناطق التي تزداد فيها المقاومة.