الوفاق/ محمد أبو الجدايل- أجرى رئيس المجلس الشعبي الوطني الجزائري السيد ابراهيم بوغالي زيارة فريدة من نوعها على مستوى العلاقات المُزدهرة دوماً البلدين الى الجمهورية الإسلامية الإيرانية إستغرقت 5 أيام، إلتقى خلالها مع كبار المسؤولين الايرانيين، وفيما أكد رئيس الجمهورية آية الله السيد ابراهيم رئيسي لدى لقائه رئيس المجلس الشعبي الوطني الجزائري على أهمية تفعيل نشاطات اللجنة الاقتصادية المشتركة بين البلدين، ووضع خارطة طريق أيضاً بينهما، أكد الجانب الجزائري في المقابل على أهمية تعزيز الجانب الإقتصادي علاوة على السياسي الذي لطالماً كان في أحسن أحواله في العلاقات بين البلدين الشقيقين، وتأتي هذه الخطوة الكبيرة بين طهران والجزائر والتي “ستتكلّل بإتفاقيات ومذكّرات تفاهم تُترجم على أرض الواقع في القريب العاجل” بالتزامن مع تنامي دور الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الساحة الدولية وعودة علاقاتها مع العديد من الدول العربية، سيما إلتحاقها بعدّة منظمات إقتصادية وأمنية عالمية من قبيل منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة دول بريكس وغيرها من التطورات الأخرى التي تعدّ أولى إرهاصات “تحطّم صَرْح” الأحادية الغربية في كافة زوايا وبقاع المعمورة.
*علاقات مُستقرّة في كافة الصُعد
لا مناص من التأكيد على أن الزيارة التي قادت السيد “ابراهيم بوغالي” الى ايران يوم الأحد المنصرم على رأس وفد برلماني رفيع المستوى والتي استمرّت لمدّة خمسة أيام تعكس مدى تمسك البلدين بالحفاظ على المستوى العالي الذي إستقرّت عنده العلاقات الثنائية، منذ استئنافها قبل 23 سنة، برغم مطبات كثيرة (وإن كانت مُصطنعة) مرت بها. لهذا ولعدّة دلائل ومؤشّرات أخرى تتميّز العلاقات الإيرانية الجزائرية بالإستقرار في كافة الصُعد، وإن كانت مؤخراً تتّجه نحو آفاق واسعة أكثر، فالزيارة المُثمرة للسيد بوغالي الى طهران جاءت لاحقة لتلك التي أجراها وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، لإيران أخيراً، وما نتج عنها من اتفاقيات في مختلف المجالات دفعت عجلة تطوير التعاون الثنائي بين البلدين نحو الأمام بقوّة أكبر.
بالتزامن مع هذه زيارة السيد بوغالي الى طهران أجرت صحيفة “الوفاق” الدولية حواراً مُسهباً مع موسى خرفي، نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني في الجزائر رئيس جمعية الصداقة البرلمانية الجزائرية –الإيرانية، تحدّث خلاله حول آفاق وأبعاد هذه الزيارة الهامة.
*زيارة هامة في ضوء تحوّلات جيوسياسية كبيرة
في مستهل الحوار يتحدّث الدكتور خرفي للوفاق عن أهمية هذه الزيارة على مستوى العلاقات الثنائية بين البلدين من جهة وعلى مستوى المنطقة من جهة أخرى، قائلاً: لا شك أن الزيارة التي قام بها رئيس المجلس الشعبي الوطني الجزائري الى ايران تعتبر زيارة تكتسي أهمية كبيرة لتطوير العلاقات بين البلدين الشقيقين، وقد استعمل الرئيس ابراهيم رئيسي كلمة الشقيقين خلال وصفه للعلاقات بين ايران والجزائر، وصفٌ له دلالة كبيرة جداً خاصة في هذه المرحلة التي تشهد تحوّلات جيوسياسية كبيرة جدا، لهذا تندرج الزيارة ضمن لقاء دول فيما بينها وخاصة عندما نتكلم عن ايران التي تعتبر دولة شقيقة ودولة إسلامية.
*أوروبا تمتصّ الثروة ولا تقدّم أي مقابل
وفي معرض إجابته على سؤال بشأن تأثير وأهمية هذه الزيارة في مواجهة الأحادية الغربية في الجوانب الإقتصادية والضغط على الشعوب المستقلة، أكمل نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني الجزائري: طبعا إن المتتبع للسلوك الجزائري في الفترة الأخيرة بقيادة رئيس الجمهورية تبون يتضّح للعيان أن الجزائر قد غيّرت وجهتها، وأصبحت لا تعتمد مطلقاً على فرنسا وعلى أوروبا بل اتجهت شرقاً حيث روسيا وقطر والسعودية وايران ذلك أن الجزائر بعد سنين تأكدت بأن أوروبا تمتصّ الثروة ولا تقدّم أي مقابل، وبالتالي في الجزائر فإن موقفها واضح إزاء القضية الفلسطينية ودعمها اللامشروط لهذه القضية ما جعلها دولة ذات منطق واضح للعيان، بأنها ضد الإستعمار خلافاً لجلّ الدول التي طبّعت مع “اسرائيل” وتهرول نحو التطبيع مع الصهاينة.
وأوضح موقف بلاده إزاء مؤامرة التطبيع في المنطقة، مؤكّداً: الجزائر تؤكّد كلّ مرّة بأنها ولو بقيت لوحدها فلن تطبع مع اسرائيل، وبالتالي فإن التوجّه نحو الشرق توجّه سليم، ذلك لأن الجزائر تحوي إمكانيات تشمل كل الميادين، وبالتالي الجزائر تؤمن بالشراكة، وشراكتها مع ايران سيكون لها ثمار لكلا البلدين وللأمة الإسلامية جمعاء.
*مواقف مشتركة ضد الأحادية الغربية
وفيما إستعدنا للأذهان خلال حوارنا مع الدكتور خرفي التاريخ الطويل من النضال المُشرّف ضد الهيمنة الغربية، والتغلغل الصهيوني في منطقتنا، والتدخل الامريكي في شؤون الدول العربية والاسلامية، فالتماثل واضح في مواقف البلدين ازاء مختلف القضايا الاقليمية والدولية، وازاء قضايا العالمين العربي والاسلامي، يُبيّن نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني الجزائري للوفاق قائلاً: بخصوص التأثير على اتخاذ مواقف مشتركة ضد الأحادية الغربية، أعلن السيد الرئيس (عبد المجيد تبون) في روسيا على الملأ بأن الجزائر تتجّه نحو تقوية إقتصادها وعدم الإعتماد على الدولار كعملة واحدة ووحيدة في التعامل الاقتصادي، وبالتالي نحن نعمل على أن يكون التقارب مع ايران ذا أبعاد استراتيجية من أجل تقوية البُعد الإقليمي والبعد الإسلامي، وبما يصبّ في نهضة الشعبين.
*مآرب الصهاينة من التطبيع مع المغرب
وبشأن الدعم الراسخ الذي تقدّمه كل من ايران والجزائر للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وبشأن الضغوط التي تتعرض لها الجزائر من قبل امريكا والصهاينة لدفعها نحو الخضوع لمؤامرة التطبيع في المنطقة، خصوصاً أن للجزائر الدور الأكبر في مواجهة تغلغل الكيان الصهيوني في القارة الإفريقية، يكشف الدكتور خرفي عن ضغوط جمّة من طرف الجارة الغربية (المغرب) على خلفية تطبيع الأخيرة مع الكيان الصهيوني، موضّحاً: طبعا الجزائر تدرك تماماً ماذا يفعل الكيان الصهيوني وماهي مآربه من التطبيع مع الجارة المغربية، وكذلك سعيه الى التغلغل في افريقيا، والجزائر تدرك تماماً معنى الإستعمار لأنها ذاقت ويلات الإستعمار، سيما من قبل المستعمر الفرنسي الذي احتلّ الجزائر طيلة قرن وثلاثين سنة، فالجزائر تدرك تماماً ما معنى الإستعمار، لذلك تقف الجزائر كالسدّ المنيع بوجه التغلغل الصهيوني في المؤسسات الإفريقية وكذلك في بعض الدول، حيث أنها تغريها بالمال والمساعدات حتى تسيطر عليها.
*استقلالنا حقّقناه بقوّة السلاح
وأكمل موضّحا كيف نالت الجزائر استقلالها وكيف إستطاعت لفظ الإستعمار الفرنسي لها: قالت الجزائر أنها حرّة في قراراتها، فهي البلد الذي استمدّ إستقلاله وحقّقه بنضاله وباستشهاد مليون ونصف المليون من الشهداء، لذلك نحن كجزائريين نعتقد بأن استقلالنا حقّقناه بقوّة السلاح، ولم يعط لنا هدية، وبالتالي استقلال الأرض من استقلال السيادة، ولذلك لا دخل لأي بلد في قرارات الجزائر، لأن قرارات الجزائر قرارات سيادية، لا تستطيع أي دولة مهما علا شأنها أن تؤثّر على قراراتنا، وقد وضّح ذلك رئيس الجمهورية الجزائرية خلال زيارته الى روسيا والتي كانت خير دليل على أن الجزائر لها موقف خاص بها، وما موقف الجزائر في توجهها نحو ايران إلاّ نعم دليل آخر على سيادة واستقلالية قرار الجزائر.
*حلحلة كلّ الصعاب في مسألة إلغاء التأشيرات
وحول أهمية تفعيل نشاطات اللجنة الاقتصادية المشتركة بين البلدين الأمر الذي أكد عليه الرئيس الايراني السيد ابراهيم رئيسي لدى لقائه رئيس المجلس الشعبي الوطني الجزائري في طهران، وبشأن أهمية تفعيل اللجنة الاقتصادية المشتركة بين البلدين، علاوة على قضية إلغاء التأشيرات السياسية والخدمية بين البلدين التي تمّ التوصل إليها خلال زيارة وزير الخارجية الجزائري الى طهران مؤخراً، فيما العمل جارٍ لإلغاء التأشيرة العادية أيضا، يُكمل الدكتور خرفي للوفاق: نحن في إطار الزيارة الأخيرة التي قام بها السيد وزير الخارجية الجزائري، وأنا بصفتي رئيس مجموعة الصداقة البرلمانية الجزائرية –الإيرانية سوف نسعى كل الصعاب في مسألة إلغاء التأشيرات وفي قضية الشراكة الإقتصادية بين البلدين، لأننا نعلم بأن ايران دولة متقدّمة علمياً في عدّة تخصّصات نذكر منها الجانب الطبي والجانب الصيدلاني والجانب الزراعي والميكانيكي والجانب الحربي، لا سيما الجانب الطبّي حيث تُعرف ايران بتقدّمها بهذا المجال، فهذه الطاقات وهذا الجهد العلمي المُتميّز الذي تتصدّره ايران لابد ان تستفيد منه الجزائر، ذلك أن ايران تعهّدت بأنها ستصدّر التكنولوجيا مع الصناعة وهذا في الحقيقة جانب لابد أن نشكر فيه الشقيقة ايران، ولن يكون من وراء ايران إلاّ الخير ولن يكون من ورائها إلاّ المصلحة للبلدين، وبالتالي نحن كمجموعة الصداقة الجزائرية الإيرانية سوف نسعى بكل ما أوتينا من جهد لتوطيد وتطوير العلاقات الإيرانية – الجزائرية في كلّ المجالات شعبياً وحكومياً.
*رؤية مُشتركة إزاء القضايا العربية الإقليمية والدولية
وبشأن إلتقاء وجهات نظر البلدين حول العديد من القضايا العربية الإقليمية والدولية؛ كالحرب الارهابية في سوريا والحرب في اليمن، وقضية حزب الله، وكذا القضية الفلسطينية، وتأثير هذه الرؤية المشتركة في القضايا التي تهم البلدين إزاء تطورات المنطقة في إرساء السلام وصد الإحتلال الذي تتعرض له، يُكمل الدكتور خرفي للوفاق: نكاد أن نقول بأن رؤية الجزائر إلتقت مع رؤية ايران في العديد من القضايا العربية والإقليمية والدولية، عندما نتكلم مثلاً عن اليمن او عن سوريا فالجزائر كان موقفها واضحاً بأنها لن تتدخل بشؤون هذه الدول لا عسكرياً ولا سياسياً، ذلك لأن شؤون الدول هو شأن داخلي، فالجزائر كان لها موقف واضحٌ في هذا السياق.
*إحلال السلام في المنطقة
ويتابع: وبشأن القضية الفلسطينية فإن الجزائر تعتبرها القضية المركزية، وأن إحلال السلام في أي منطقة من مناطق العالم العربي والإسلامي هي مكسب لشعوبنا، فنتجه جميعاً نحو التطور ونحو بناء الدول بعيداً عن الحروب بعيداً عن التدخلات الأجنبية، سيما أن الشعوب الإسلامية تمتلك من الثروات والإمكانيات ما يُحيلنا أن نكون في مصاف الدول المُتقدّمة، العالم الغربي لا يهمه إلاّ مصلحته وعرقلة مسار نهوضنا وبثّ الخلاف بيننا كمسلمين.
ويختتم موجّها خطابه لصحيفة الوفاق: من خلال هذا المنبر أتوجّه بالشكر الجزيل الى الدولة الايرانية على موقفها الواضح من القضية الفلسطينية ودعمها اللامشروط لمقاومة العدو الصهيوني ومن خلالكم كذلك أتمنّى أن تتوطّد العلاقة الجزائرية الايرانية وتصل الى المراتب العليا، ذلك بأن الدولتين قويّتين لهما ثروات وإمكانيات بشرية كبيرة.