لواء سوري للوفاق: التقارب الإيراني – العربي يضع حدّاً للعبث الأمريكي والصهيوني

يقول اللواء محمد عباس محمد للوفاق في الحقيقة جاءت زيارة وزير الخارجية الايراني الى السعودية في إطار مدّ الجسور والتقارب وضمان الاستقرار في المنطقة.

2023-08-27

الوفاق/ محمد أبو الجدايل- أجرت صحيفة الوفاق حوارا مُستفيضاً مع اللواء المتقاعد الخبير العسكري والإستراتيجي محمد عباس محمد، تحدّث خلاله للوفاق عن أبعاد التقارب الإيراني – العربي، والذي جاء متعاقباً لإتفاق التقارب بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية بعد أن رأى النور منذ قرابة 6 أشهر بوساطة صينية، كما إستعرض اللواء المتقاعد بالجيش السوري آفاق أجواء التقارب الإيجابية التي باتت تخيّم على منطقتنا في الفترة الراهنة، لا سيما أنها تأتي في ظلّ محاولات صهيونية أمريكية مستمرّة لإعادة دقّ إسفين في العلاقات بين دول المنطقة، خصوصاً بين الجانب الإيراني السوري من جهة والعربي من جهة أخرى.

*ضمان الاستقرار في المنطقة

يقول اللواء عباس محمد للوفاق عن أهمية التقارب الإيراني- السعودي، والذي تكلّل بزيارة وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبداللهيان الى الرياض لترجمة إتفاق التقارب على أرض الواقع: في الحقيقة جاءت زيارة وزير الخارجية الايراني الى السعودية في إطار مدّ الجسور والتقارب وضمان الاستقرار في المنطقة ومن رغبة البلدين في إعادة الاستقرار لها، وتحييد أجواء التوتر والنزاع التي تم التخطيط لها بإحكام وبدقّة من قبل الولايات المتحدة والصهاينة.

يغوص اللواء المتقاعد الخبير العسكري والإستراتيجي السوري خلال حواره مع الوفاق في أعماق القضية التي تشغل منطقتنا ليدفعنا الى النظر من زاوية أخرى إزاء ما يحدث وماكان يجري من تطورات في غرب آسيا، ويقول مُوضّحا بشأن المشروع الغربي الذي يستهدف عموم المسلمين: لننظر الى المشهد الاستراتيجي وما يسمى بالحزام الأخضر، الحزام الأخضر هو المنطقة الممتدة من موريتانيا الى شرقي اندونيسيا، وهي المنطقة التي تضمّ المجتمع الإسلامي المتعدد الأطياف والألوان والذي يحمل رسالة محمدية واحدة في مُجمله، هذا الحزام الأخضر.

*مآرب الغرب والحزام الأخضر

ويكمل توضيحه بالقول: في الواقع يمثّل هذا الحزام وفقاً لما يراه الغرب حضارة متصارعة ومتناقضة مع الحضارة الغربية ويجب التخلّص منه بتفكيكه بتدميره وإعادة إنتاجه بكيانات مُتصارعة ومُتناقضة، ليتم فيما بعد بلورة مفهوم الشرق الأوسط الجديد أو الشرق الأوسط الكبير، وحتى مفهوم السلام الإبراهيمي وغير ذلك من مشاريع تم تدبيرها لهذه المنطقة، وذلك لتمزيقها خاصة في إطار الخريف العربي عبر زرع الشقاقات والنزاعات، وهو الأمر الذي نجحت فيه امريكا الى حدّ ما، وذلك عبر إعادة إنتاج المنطقة وفق كيانات هُلامية وكيانات هشة.

 *العلاقات الإيرانية – السعودية

كما عرّج اللواء السوري على التحديات التي كانت تواجه العلاقات الإيرانية السعودية من جهة والإسلامية الإسلامية من جهة أخرى، مُوضّحاً في هذا السياق: عندما ننظر الى العلاقة بين الجمهورية الاسلامية الايرانية والمملكة العربية السعودية، وندرك مدى طبيعة التحدّي الذي كان يواجه هذه العلاقة خلال العقد الماضي نصل الى انه كانت توجد يدٌ تعبث بهذه العلاقة وتحاول أن تؤسس الى أسلمة الصراع، بدلاً أن يكون الصراع عربياً-صهيونياً أن يكون إسلامياً – إسلامياً و عربياً –اسلامياً وعربياً – عربياً، كل ذلك من خلال الخريف العربي الذي اجتاح المنطقة، وعبر تصرّفات رعناء وهوجاء خلال العقود الماضية، وشاهدنا هذا الصراع البيني والذي كان فيه الكيان الصهيوني حاضراً يترقّب ما سيحدث.

*أهمية عودة العلاقات الإيرانية -السعودية

وأكمل: تعتبر زيارة السيد وزير الخارجية الايرانية للسعودية بالغة الأهمية لتكريس الإتفاق الذي تم التوصل إليه برعاية ووساطة صينية، والذي إستطاع ان يذيب الكثير من الجليد القائم في العلاقات بين البلدين وإزالة التوتّر بين الجارين الإسلاميّين، حيث يمكن لهذه العلاقة العائدة بشكل مُطّرد أن تؤسس لإستقرار المنطقة بشكل عام خاصة إذا ما أخذنا الوزن النوعي للجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية على المستوى الإسلامي. وما يمكن لهذين البلدين من تقديمه لإرساء الإستقرار في المنطقة وتعزيز وإحكام الروابط بين الدول الاسلامية وبين المجتمعات الاسلامية، ما يضعُ حدّا للعبث الأمريكي والصهيوني في المنطقة.

* أهمية التقارب بين دمشق والرياض

كما تناول اللواء السوري المتقاعد قضية التقارب السوري السعودي المتعاظم مؤخراً والذي يأتي بالتوازي مع عودة العلاقات بين ايران والدول العربية كذلك، وقال: دون شكّ أن سوريا قد عانت من الإرهاب لمدة عقد من الزمن، إرهاب تم تصميمه وتصنيعه في مختبرات البنتاغون والسي آي ايه، وفي أقبية المخابرات التركية والاسرائيلية والموساد وهذا الارهاب الذي تم تصديره الى سوريا تحت عباءة الإسلام، وهو بعيد كل البعد عن الاسلام الأصيل، كان لعدد من الدول العربية دور ما في علاقاتها مع سوريا، وخاصة فيما يرتبط بقطع العلاقات أو بتجميد دور سوريا في الجامعة العربية، وغير ذلك من المواقف العربية، واليوم يأتي التقارب السوري السعودي بهدف إعادة مدّ الجسور بين دمشق والرياض، وإعادة الحياة للعلاقات العربية –العربية، ووضع حدّ للإرهاب الذي تمّ إنتاجه وتم تصديره الى سوريا بإسم الاسلام، والاسلام منه براء، يمكن أن يكون للتقارب السوري -السعودي تأثير إيجابي في مسار إنهاء الحرب على سوريا والعدوان الإرهابي الذي تتعرّض له، وأيضاً يمكن أن يمثّل نقطة إيجابية ومُتقدّمة في قضية عودة اللاجئين وترميم إعادة بناء ما دمّرته الحرب، و يمكن له أن يؤسس لتوسيع شبكة العلاقات السورية – العربية إنطلاقا من طبيعة الدور الذي تلعبه السعودية في المنطقة.

*عودة العلاقات العربية – العربية

وأردف قائلاً: بشأن إنعكاس وتأثير عودة العلاقات بين دمشق والرياض على سوريا والعالم أجمع لا سيما في مجال مكافحة الإرهاب: كما يمكن لعودة العلاقات السورية –السعودية، أعتقد أنه يجب على السعودية ان تلعب دورا في مكافحة الإرهاب وهو ما تعلنه دائماً، ونحن بين سوريا والسعودية نستطيع ان نصل الى تعاون وتنسيق في مكافحة الارهاب العالمي الذي أصاب سوريا والعالم بشكل عام.

وأضاف: تأثير التقارب الايراني –السعودي من جهة والتقارب السوري – السعودي من جهة أخرى، والذي يأتي مُتزامناً سيكون كبير جداً على المنطقة، حيث أنه سيضع حدّاً لحالة التفجّر والاحتراق الذي تسبب به الخريف العربي ضد المنطقة واستقرارها، واعتقد أننا اليوم أمام أجواء إيجابية وبنّاءة، ننتظر فيها أن يكون الموقف العربي أكثر تفهّماً للوضع في سويا وخاصة ما يتعلق بالوضع الاقتصادي والإجتماعي، وقضية اللاجئين السوريين والمعاناة الكبيرة التي يواجهها اللاجئون السوريون في بلدان الإغتراب، إذ لا يمكن لأولئك اللاجئين العودة الى مناطقهم وهي مُدمّرة مُهدمة لا توجد فيها بنى تحتية خدمية أو إمكانيات إقتصادية ولا تتهيّأ فيها فرصة للحياة، حيث لا توجد فرصة واعدة لإعادة الإعمار اليوم في سوريا في ظلّ الضغوط الإقتصادية الكبيرة التي تتعرّض لها، وفي ظلّ أيضاً الإجراءات القسرية الأمريكية الأحادية الجانب المفروضة على سوريا.

* عامل إيجابي في رأب الصدع

ويُسهب اللواء محمد عباس محمد خلال حديثه للوفاق في إستعراضه لأهمية وآفاق التقارب الإيراني العربي من جهة والسوري العربي من جهة أخرى، موضّحاً: اعتقد ان هذا التقارب سوف يكون عاملاً إيجابياً في رأب الصدع ومدّ الجسور وإنهاء حالة الحرب والعدوان المفروضة على سوريا، كما سيُسهم في عودة الإستقرار تمهيد الأرضية لإعادة تأسيس البنى التحتية التي ستمهّد لعودة اللاجئين الى بلدهم بعد أن هجّرهم الإرهاب منها، وسيكون له تأثير بنّاء على المنطقة بأسرها.

*إرهاصات التواجد الأجنبي

وحول تأثير التقارب الايراني – السعودي على أمن المنطقة وبشأن دوره في دفع دولها للتخلّي عن التواجد الأجنبي فيها، يوضّح بالقول: في الحقيقة هذا حلم جميل جداً إن تحقّق، ذلك لأن التواجد الأجنبي للأسف ترك ندوياً عميقة في المنطقة وخاصة ما يرتبط منها بالسيطرة على الإقتصاد والسيطرة على منظومة التفكير والإرادة والإدارة والبنى التحتية، الوجود الغربي والتواجد الأجنبي في المنطقة هو حالة قائمة بكل أسف، ونحن بحاجة الى الكثير من التفكير والتخطيط للتخلص من التواجد الأجنبي في الدول العربية، وعندما نتكلم عن التواجد الأجنبي لا يمكن حصر ذلك في التواجد العسكري، إذ يوجد التواجد الأجنبي من الناحية الإقتصادية، كما هناك سيطرة في الجانب الثقافي والإجتماعي والفكري، لا يغيب عنا أن الغرب استطاع أن يخترق عقول الكثير من أبنائنا، وعندما نتحدث عن استعادة وعي هؤلاء الأبناء وإخراج الأجنبي من الذاكرة فنحن بحاجة الى جهد كبير، وبكل تأكيد نحن نتطلع الى هذا الأمر عبر تعزيز الهوية الوطنية.

*وحدة الموقف وتعزيز التنسيق الإقتصادي

وأضاف موضحاً: من المؤكد أنه لا حاجة لتواجد الجيوش الأجنبية في المنطقة إذا ما تمّ التوافق على حسابات الأمن والإقتصاد، فالإقتصاد ينهض به أبناء المنطقة، لكن المشكلة ان الغرب يهيمن على هذا الاقتصاد ويفرض حضوره، اليوم عندما تتّجه دول المنطقة نحو وحدة الموقف وتعزيز التنسيق الإقتصادي فيما بينها ضمن منظومة بريكس وشنغهاي أو منظومات مفترض أن تكون بين دول المنطقة، عند ذلك أعتقد أننا سنكون أمام مُتغير استراتيجي كبير يُعيد تشكيل المنطقة، ويمنح السيادة لدولها، عندها يمكننا القول بأن الأجنبي قد غادر المنطقة.

ويختتم مُستحضراً مثالاً حيّاً حول التواجد الأجنبي الهدّام في المنطقة، ويقول: انظروا الى العراق، عندما نقول بأن الأمريكي غادر هذا البلد، هل فعلاً قام بذلك؟ أم أن هنالك من يطالب بالوجود الأمريكي على أراضي العراق، خاصة من جانب بعض التيارات التي يرتبط وجودها بالوجود الأمريكي في هذا البلد، الوجود الغربي على أراضي الدول كما قلت هو وجود عسكري وتقني وثقافي واقتصادي وإجتماعي، لهذا نحن بحاجة الى الكثير من الجهود لمواجهة هذه التحديات التي تواجه شعوب المنطقة.

المصدر: الوفاق