الشيخ محمد الكرباسي طالب حوزوي في النجف الاشرف للوفاق:

مسيرة الأربعين ترابط اجتماعي بين الشعوب والبلدان

خاص الوفاق: إن ديمومة مسيرة الإمام الحسين(ع) ماهي إلا صوراً تكاملية متجددة لرسالة الإسلام، وهي أصوات المنادين بقيمه ومبادئه الممثلة لنواميس السماء وتبيان الحق وسبل إتباعه التي عَمِل وسعى سلاطين الجور والطغيان على مر العصور في طمسها وتحريفها

2023-08-29

الوفاق/ خاص

سهامه مجلسي

أهمّ ما يُميِّز المجتمع الناجح والصالح هو قوَّة الترابط الاجتماعي بين أفراده وعملهم كخليَّة النحل الواحدة لإنجاز مهامّهم المناطة بهم، ممَّا يساعد على البناء السليم لكلِّ مفاصل الحياة سواء كانت فردية أو اجتماعية ويساعد على أن ينال كلُّ فرد فرصته في الحياة. لذا نجد الروايات اهتمَّت كثيراً بالترابط الاجتماعي بين كلِّ أفراد المجتمع، وبالمقابل من أهمّ ما يُدمِّر المجتمع هو كثرة النزاعات والخلافات والتحزّبات وتحوّله إلى شِيَع يتلاعب به الظلمة، وهذه سُنَّة قائمة يتَّخذها الظالمون لإضعاف المجتمع.كما أنَّ التنازع سبب واضح لهدر الطاقات وضياع الفُرَص والتراجع الفردي والاجتماعي على كلِّ المستويات، لذا يحرص علماء الاجتماع في البلدان على خلق جوٍّ اجتماعي بين أفراد مجتمعاتهم بعيداً عن الخلافات والصـراعات والشتات، والحرص على خلق روح التعاون والمحبَّة وتقوية الروابط الاجتماعية والأُسرية. والذي يلاحظ في المسيرة الأربعينية يرى قوَّة الترابط بين أفراد الزائرين كباراً وصغاراً رجالاً ونساءً أثرياء وفقراء رؤساء ومرؤوسين، فلا تمييز بين غني أو فقير ولا بين مشهور أو مغمور، فالكلُّ سواسية، بل في بعض الأحيان ينقلب الميزان وترى الكبير يخدم الصغير، أو المشهور يخدم المغمور، أو الرئيس يخدم المرؤوس، وهكذا. فترى الترابط الاجتماعي بأعلى صورة وبأجمل ما يكون، فهذا البناء إنَّما هو بناء نابع من هذه الزيارة المباركة. وهذا الترابط الاجتماعي ليس بين مدينة ومدينة، بل بين دولة ودولة، بل بين دول ودول وشعوب ، فإنَّ هناك جماهير من عشرات الدول تلتقي فيما بينها فتكوّن أواصر ووشائج قويَّة، هذا فضلاً عن أنَّ هناك حواجز اجتماعية ونفسية وثقافية بين شعوب بعض البلدان الأُخرى بسبب حروب أو غيرها، ولكنَّنا نراها قد ذابت بسبب هذا الملتقى العامّ الحاصل في مسيرة الأربعين.

فمسيرة الأربعين تجعل الترابط الاجتماعي ليس بين أبناء بلد ما فحسب، بل بين الشعوب والبلدان الأُخرى ممَّا يُعزِّز خلق نسيج اجتماعي كبير يربط دولاً وشعوباً فيما بينها بالرغم من اختلافها باللغة أو اللون أو الثقافة أو غيرها، لخلق مجتمع مهدوي منسجم فيما بينه ممَّا يسهم في الظهور. إنَّ مسيرة الأربعين تلغي الطبقية، وتلغي القطرية، وتلغي العرقية، وتلغي القومية، وتلغي العنصرية، وتخلق مجتمعاً مترابطاً يرتبط بمنقذ عالمي اسمه المهدي عليه السلام، وفي هذا الصدد اجرت صحيفة الوفاق حوارا مع الشيخ محمد الكرباسي طالب بالحوزة العلمية في النجف الاشرف وفيما يلي نص الحوار:

 

توافد الملايين من اتباع أهل البيت (ع) من داخل العراق وخارجه لزيارة العتبات المقدسة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، قال الإمام الصادق(ع): )ان الرجل ليخرج الى زيارة الامام الحسين(ع) فله إذا خرج من اهله بأول خطوة مغفرة ذنوبه، ثم لم يزل يقدس بكل خطوة حتى يأتيه، فإذا اتاه ناجاه الله تعالى فقال: عبدي سلني اعطيك، ادعني اجبك، اطلب مني اعطيك، سلني حاجة اقضيها لك، وقال أبو عبد الله(ع): وحق على الله ان يعطي ما بذل.

على مدار السنة يتوافد الملايين من اتباع أهل البيت عليهم السلام من داخل العراق وخارجه لزيارة العتبات المقدسة في النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء.

وهذا التوافد رسمه الائمة صلوات الله عليهم وقد حثوا عليه فمنذ الامام زين العابدين(ع) وصاعدا، كان الائمة يحثون شيعتهم على زيارة قبر الامام الحسين(ع) وقد وردت روايات في هذا الخصوص كثيرة ومن الزيارت التي حث الائمة صلوات الله عليهم بها الا وهي زيارة الأربعين وبالإضافة الى هذا الزخم من الحث فقد تدخلت عوامل كثيرة وعوامل قوية على الحث على خصوص هذه الزيارة ليس الان محل ذكرها فاصبحت بهذا الشكل المليوني الذي صارت مقدماته شعيرة من شعائر الدين.

وقد أدت مسيرة الأربعين منذ انبثاقها وحتى الان، وظيفتها الأساسية، وهي المحافظة على التواصل وتجديد العهد بين الشيعة والامام الحسين(ع).

وبما ان لزيارة الأربعين اهدافاً في جوانب عديدة سوف نسلط الضوء على العلاقة بين هذه الزيارة والمجتمع وما تقدمه الزيارة للمجتمع وما ينبغي ان يقدمه المجتمع لهذه الزيارة.

ولزيارة الأربعين دوراً مهما في تحريك المجتمع للأهداف السامية التي مثلها الامام الحسين(ع) وثار من أجلها وهي قيم الايمان والحرية والعدالة والإنسانية، وتعتبر الزيارة الأولى بعد واقعة الطف أي تمثل امتدادا طبيعيا لثورة الامام الحسين عليه السلام كما تحمل في جوهرها كل معان البطولة والمشاركة لمختلف الطبقات من الصغير الى الكبير ولمختلف الجنسيات.

أن زيارة الإمام الحسين(ع) في الاربعين هي الزيارة الاستثنائية الوحيدة في العالم التي استطاعت أن تستقطب قلوب البشر باختلاف أديانهم وانتماءاتهم وأعمارهم وأفكارهم، وكانت قادرة على تغذية وجدانهم وعقولهم وترسيخ قيم ومبادئ يرفعونها وينادون بها في مجتمعاتهم.

عندما سلطنا الضوء على بعض العطاء الذي تقدمه هذه المسيرة للمجتمع يجب علينا ان نقوم بتسليط الضوء على ما يقدمه المجتمع الى هذه المسيرة للارتقاء الى اعلى الأهداف وتطويرها وكيفية الاستفادة منها اعلى الاستفادات.

فلذلك نحتاج الى أن تكون المسيرة عملاً ثقافياً اجتماعيا توجيهياً وتوعوياً لإرشاد الناس واستثمار العواطف الجياشة لتعريفهم بكل تلك القيم.

 دور المجتمع في زيارة الأربعين

نجد في هذه المناسبة العظيمة الإخلاص، والوفاء، ونكران الذات، والعمل الدؤوب دون كلل أو ملل، والبذل بمختلف مسمياته، والتسامح، والتعاون بين الجميع، وهذه جميعها دروس أراد لها صاحب المناسبة (عليه السلام) أن تتحقق داخل المجتمع، ليس فقط المسلم إنما جميع البشرية، واستشهد من أجلها، وهو القائل: «إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ دينٌ، وَكُنْتُمْ لا تَخافُونَ الْمَعادَ، فَكُونُوا أحْراراً في دُنْياكُمْ».

فالحرية هنا أن يختار المجتمع الطريق السليم الذي يرتقي به ويساعده في تحقيق أهدافه، وانعكاسات تلك المناسبة اجتماعيا كبيرة جدا، ولها أبعاد قيمية كبيرة يستطيع المجتمع ان يستفيد منها، وأن يتمسك بها دون نسيانها بمجرد انتهاء مدتها، إذا ما أراد كل فرد أن يتمعن بدقة ما يشاهده من صور أخلاقية وتعاونية، ويطبقها في حياته اليومية مع عائلته ومجتمعه، وأن يكون متأطراً بعدة سلوكيات هي: الدين وأحكامه، والخوف من يوم المعاد، والأعراف الاجتماعية، والحرية الذاتية، ونبذ العبودية للغير.

نقول ان المجتمعات متكونه من مؤسسات وهيئات كل يجب ان يأخذ بمسؤوليته.

 

 دور الاعلام الشيعي

– اختيار البرامج التي تبث بشكل نوعي، وربط الأهداف التي خرج من اجلها الامام الحسين عليه السلام بالحاضر.

– الابتعاد عن الخطابات الطائفية، واعتماد خطاب الاتحاد والسلام والمحبة.

– انتاج أفلام وثائقية وتوثيق اللقطات المهمة المعبرة عن هذه الزيارة العظيمة.

– التعاون بين المؤسسات الاعلامية لابراز اهداف هذه المسيرة المليونية.

– إن التركيز على جانب المظلومية التي واجهها الإمام الحسين(ع) وتبيان ثباته على المبادئ السماوية والإنسانية التي مثلت لب نهضته هي من أهم الجوانب الإنسانية والفكرية والتي يمكننا استعراضها وتحليلها أثناء تعاطينا مع وسائل الإعلام، كي نصبح أدواة مدافعة عن قضية الإمام الحسين(ع)، وتبياناً لأسرارها ومداولاتها وآثارها أمام أعلام عالمي سيس القضية الحسينية وهمشها.

 

دور منظمات المجتمع المدني

– الاستفادة من هذه المسيرة عبر التحرك على (المواكب والهيئات) وتشجيعها على العمل التطوعي التبليغي الانساني الذي يجب ان يمتد على طيلة ايام العام في مناطقهم وترسيخه كثقافة عامة مستدامة داخل الوسط الشيعي.

– العمل على اثارة انتباه التجمعات الشيعية الغفيرة تجاه القضايا والتحديات الملحة التي تواجههم من اجل بلورة موقف موحد ينطلق من مبادئ وقيم النهضة الحسينية.

– تأسيس مراكز دراسات واستطلاع رأي من أجل دراسة الظواهر الاجتماعية المتميزة المنبثقة من زيارة الأربعين من اجل استثمارها لخدمة القضية الحسينية وخلق التطور الاجتماعي المستدام، والاستجابة للتحديات المعاصرة.

– خلق روح التكامل بين المؤسسات الإعلامية والفكرية من اجل بناء اعلام عالمي مقتدر ومحترف.

 

أدوار ومسؤوليات الشباب

–  التشجيع على التوعية الثقافية وتنشيط العمل الثقافي في الجامعات والمعاهد والتجمعات الطلابية الاخرى، من خلال معارض الكتاب، والمسرحيات، والاناشيد، وإقامة المعارض الفنية، وتأسيس الاذاعات السيَارة، وبث الرسائل الانسانية والتوجيهية للتعريف بجميع القيم التي استشهد الامام الحسين (عليه السلام) من اجلها.

–  الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي في شبكة الانترنت، وكذلك المنتديات الافتراضية المتنوعة، في نقل الحماس الشبابي وقيم البناء الأخلاقي الرصين والعقائد الاصيلة الى الاخرين.

–  التشجيع على ممارسات البذل والعطاء الإنساني والعمل الطوعي في نفوس الشباب، من أجل البناء روح التضحية والتكافل خاصة في مجال خدمة زوار الامام الحسين عليه السلام ودعم مقاتلي الحشد الشعبي في قتالهم لداعش وغيرها من الفصائل الارهابية.

– عقد المؤتمرات والملتقيات الشبابية من اجل مناقشة مشكلاتهم وخلق الروح الحماسية من اجل التنمية والتطور وبناء المسؤولية الحضارية، وبرعاية ومشاركة الحوزات العلمية ومنظمات المجتمع المدني والهيئات الاجتماعية.

– خلق روح التكامل بين المؤسسات الإعلامية والفكرية من اجل بناء اعلام عالمي مقتدر ومحترف.

وأخيرا نقول:

إن ديمومة هذه الشعيرة ومسيرة الإمام الحسين(ع) ماهي إلا صوراً تكاملية متجددة لرسالة الإسلام، وهي أصوات المنادين بقيمه ومبادئه الممثلة لنواميس السماء وتبيان الحق وسبل إتباعه التي عَمِل وسعى سلاطين الجور والطغيان على مر العصور في طمسها وتحريفها.

فعلينا المحافظة على هذه الشعيرة المقدسة ودفع الشبهات عنها واستغلالها للتبليغ الإسلامي.

الاخبار ذات الصلة