في أقل من عام، استرجعت ساحة التل بعضاً من ألقٍ فقدته في سنوات الحروب المتتالية التي شهدتها طرابلس شمالي بيروت، وذلك عبر مسعى “جمعية تيرو للفنون”، بإحياء سينما “أمبير” وتحويلها مسرحاً للفنون والسينما.
كانت ساحة التلّ أولى الأمكنة التي بدأ البناء عليها زمن الحداثة، عندما بدأ الخروج من بوتقتها كمدينة مصوّنة، ومقفلة على الطراز القديم، بأحياء ومعابر ضيقة وأبنية متلاصقة شكّلت بحدّ ذاتها سور المدينة.
في الربع الأخير من القرن الــ 19، بنت السلطنة العثمانية سراي المدينة على ساحة التل، مُطْلِقةً حركة البناء عليها، ومنها انطلقت المدينة الحديثة، والبداية بساحة التل التي تحوّلت بعد سنوات قليلة لشارع تجاري وسكني من الطراز الأول.
كانت الساحة وشارعها مقصد سكان محافظة كاملة، فلا حاجة لمواطن إلا ويجدها في المحلات التجارية التي نشأت في الشارع، حتى ازدحم بالمارة وتعذر عبوره بسهولة من شدة الازدحام.
تحول التل وساحته إلى حالة من البؤس، والتراجع المنقطع النظير جرّاء أحداث عبرت في المدينة، إلى أن تولّى مؤسّس “جمعية تيرو للفنون” قاسم اسطنبولي تحويل سينما “أمبير” إلى مسرح يستضيف شتى المناسبات الفنية، فعادت بعض روح وحيوية سابقة إلى الساحة.
بمشاركة 22 دولة
أمس الثلاثاء، احتشدت أمام المسرح أعلام 22 دولة عربية وأجنبية في حفل أقامته “تيرو” لافتتاح “مهرجان لبنان المسرحي الدولي” في دورته الثانية تحت عنوان “طرابلس عاصمة للثقافة العربية”، وذلك تحية لروح المخرج العربي خالد القاسمي، بمشاركة وفود وفعاليات فنية ومسرحية لبنانية وعربية ودوليّة.
بدايةً، جال المشاركون في أحياء المدينة انطلاقاً من مركز المسرح، وعلى قمصان أعضاء المسرح شعارات “الحب مقاومة، والمسرح ثورة”، تتقدمهم الفرق الكشفية، وحاملو رايات الدول المشاركة، ثم قام ضيف المهرجان الممثل الكويتي محمد المنصور وقاسم اسطنبولي بقص شريط الافتتاح.
بعد كلمات ترحيب بالضيوف والحاضرين، افتتح المهرجان بعرض مسرحية “مركب” لليبي شرح البال عبد الهادي، ثم جرى عرض إعادة تمثيل مسرحي في ساحة التل من أداء متدربي جمعية “تيرو”، وتدريب المخرج اللبناني صلاح عطوي.
تحية لخالد القاسمي
واعتبر اسطنبولي أن “إقامة المهرجان هو تحية للمخرج العربي الراحل خالد القاسمي، لكنه تأكيد على حق طرابلس بلقب عاصمة للثقافة العربية كونها شهدت هذا العام، ولا تزال، أوسع الأنشطة الفنية والثقافية في لبنان، مما يؤشر على إعادة نهوض المدينة، وتأكيد هويتها الثقافية ووجهها المضيء”.
وأبدى اسطنبولي ارتياحه لتطور الحركة الثقافية والفنية في مبادرة “المسرح الوطني اللبناني”، وأكبر تعبير عن هذا التطور، برأيه، “مشاركة 40 متطوعاً طرابلسياً في المسرح، واتساع فئات الحاضرين من مختلف مشارب المدينة، إضافة إلى مشاركة العديد من الأصدقاء العرب والعالميين، من مخرجين وممثلين، في المهرجان، وحضورهم الشخصي، رغبةً وتطوّعاً”.
أما المخرج المسرحي الطرابلسي، بشير الضيقة، فعلّق على الحركة الفنية الجارية في المسرح بقوله إن: “قاسم اسطنبولي ينفض غبار الزمان عن مقاعد وجدران وشاشة سينما “أمبير” في طرابلس، ويعيد إلى خشبة مسرحها نبض الحياة”.
وكان أول العروض عرض ” المركب” لليبي شرح البال عبد الهادي إخراج وسينوغرافيا، والنص للعراقي سلام الصكر. وركز الفريق على هذه المسرحية للقول إن المسرح هو مرآة الشعوب.
نقولا طعمة