حسن السباعي
كيف يمكن لزيارة الأربعين أن تكون مفتاحا للتحول الوطني السليم؟ وما هي طرق إستثمار زيارة الاربعين في تحقيق التنمية المستدامة؟
زيارة الأربعين ظاهرة فريدة من نوعها من بين جميع الظواهر الدينية والاجتماعية والثقافية المنتشرة في جميع أنحاء العالم على مستوى المذاهب والمعتقدات. وقد ثبت ذلك من خلال أبرز مشاهد شعائرها ألا وهو المشي على الأقدام في زمن تتوفر فيه كافة وسائل النقل المريحة.
ولا يخفى ما ترتب بعد فاجعة الطف من أمور مختلفة في أبعاد مختلفة، كان لزيارة الأربعين منها سهما سواء على مستوى الألفاظ أو الأعمال العزائية او الفنية العالمية وغيرها..
على مستوى الألفاظ ظهرت مفردات جديدة في قاموس اللغة العربية مثل كلمة “المشّاية” وهذه وليدة مسير “الأربعين”.
ولظهور كلمة “الأربعين” ذاتها والتي لم تكن هي الأخرى تعرف قبل ذلك في أي ثقافة من الثقافات السابقة، وتعني إحياء ذكرى مرور أربعين يوما على وفاة الشخص، إذ عُرفت بعد أن رد الرأس الشريف وزيارة أهل البيت عليهم السلام في العشرين من صفر لعام ٦١ هـ.
وهنا دخلت هذه المفردات في اللا وعي الجمعي البشري، حتى صار يحيي ذكرى الأربعين حتى من لا يؤمن بمؤسس وصاحب الحدث بل ولربما يعتبر في عداد الأعداء!
الأمر الآخر على مستوى الأعمال؛ برزت ظاهرة الجلوس ثلاثة أيام لاستقبال المعزين عند أصحاب المتوفى والتي لم تكن موجودة قبل أن يجلس أهل البيت عليهم السلام ثلاثة أيام للعزاء في الشام، جعلها البعض سبعة أيام فسنت في بعض المناطق.
وعلى مستوى العمل الفني؛ وصل بعض المحققين إلى ان فن المسرح والتمثيل الموجود اليوم في جميع أنحاء العالم إنما هو وليد الشعائر الحسينية حيث يعتبر الإمام الصادق عليه السلام المؤسس الأول لفن المسرح العالمي حينما كان يقيم عزاء في بيته فرأى رضيعا وشابا، فأشار إلى الرضيع وتحدث عن مأساة عبدالله الرضيع في كربلاء ومسك بيد الشاب وعبّر من خلاله إلى فاجعة مقتل علي الأكبر ابني سيد الشهداء عليهم جميعا سلام الله. وذلك ما وصل إليه المحقق الكرباسي أثناء تحقيقاته لإعداد موسوعة دائرة المعارف الحسينية.
من هنا وبناء على هذا الأساس لا يستبعد أن تستلهم سائر الثقافات من ظاهرة “المشي”، فتدخل مفردة “المشاية” إلى معاجمها، وتستخدم تلك الظاهرة لتعظم سادتها وعظمائها كما استلهمت الكثير من تلك المفاهيم من قبل.
وهكذا يمكن القول؛ إن العراق كان مهد الحضارات قديمًا ثم المؤسس والملهم لكثير من ظواهر الثقافة الإنسانية على مر التاريخ. فهل يبقى مجال لتحول وطني سليم أعظم وأي تنمية أكثر استدامة من هذا الميزة؟، فلو أراد العراق أن يقلد سائر دول العالم من خلال استثمار فرصة دخول الوافدين، فيستثمر من زيارة الأربعين في مجال اقتصادي أو سياسي أو ما شابه لما كان بإمكانه أن ينتج ربحا ماديا مثل المملكة العربية السعودية في استثمارها لمناسبة الحج، وكيف له ذلك والسعودية تربح كل الربح التجاري والاقتصادي من الحجاج الأغنياء، في حين إن مختلف طبقات العراق يعطون كل ما يملكون لخدمة الزائرين الوافدين من جميع نواحي الأرض لأداء حج الحسين!.
وعليه فلا نتوقع اي استثمار غير ذلك الاستثمار الإنساني والمعرفي، ذلك لأن صاحب الأربعين قد أوصى أن يرشدوا ويضيِّفوا زواره لا أن يهدفوا إلى أي استثمار مادي، ولقد صار العراق فعلا خير موصَّى لذلك، مما أدى به إلى أن يفرض نفسه على العالم بنشر هذه الثقافة رغم تجاهل الإعلام العالمي والإقليمي له.