هل هذا الحدث يستدعي أن نقف عنده في معرض تحليل السياسة السعودية مع موضوع التطبيع؟
ثمة أقوال عديدة في هذا المجال:
الأول: أن الاضطرار الذي لجأت إليه الطائرة “الإسرائيلية” ما دفعها للنزول في جدة هو حادث مفتعل لتأكيد أن ثمة اتصالات وتنسيقات بين الرياض و”تل أبيب”، وأن الخطى على درب التطبيع ماضية ولم تتوقّف أو تتلكأ.
الثاني: أن الطائرة “الإسرائيلية” فعلاً اضطرت للنزول بسبب عطل فني، وتعامل المملكة العربية السعودية جاء من باب إنساني، وهذا يحدث حتى بين الدول التي لا تربطها علاقات دبلوماسية.
الثالث: أن الحادث اضطراري فعلاً، لكنّ تضخيم كيان العدو له جاء في سياق الاستثمار له، والدليل أن حوادث النزول الاضطراري لطائرة بلد ما لا تضطر رئيس الدولة أو رئيس الحكومة للخروج وشكر البلد الذي نزلت فيه الطائرة.
لا يمكن الوثوق في السيناريو الأول لأنه سيجرّنا إلى شبهة “نظرية المؤامرة” التي يصنّفها البعض على أنها عقدة نفسية تفسّر الظواهر الخارجية بالهواجس الداخلية للنفس ومخاوفها.
أما السيناريو الثاني فلا يصمد أمام التأمل، لأن الطيران فوق المملكة بحد ذاته تطبيع، والنزول اضطراراً هو تحصيل حاصل.
ويبدو أن السيناريو الثالث هو الأكثر ملاءمة للواقع، كون أن الحدث الاعتياديّ ضُخّم بطريقة البروباغندا، وكأنّ في هذه الدعاية رسائل مبطّنة تقول إن ثمة استجابة سعودية باتجاه التطبيع، مع أن وكالة الأنباء السعودية (واس) لم تذكر الخبر بتاتاً لا من قريب ولا من بعيد.
ما يمكن استظهاره من هذه الحادثة وغيرها من الوقائع على المستوى الإعلامي أو السياسي أن السعوديّ يتجه للتطبيع لكن بخطى بطيئة، وكأنه يعتقد أن الأمر يحتاج إلى نار هادئة لتنضيج هذا الموضوع الكبير، مع استثماره لمطالبه الأمنية والسياسية من الولايات المتحدة الأميركية خصوصاً والغرب عموماً مقابل التطبيع. وقد أشرت لتلك المطالبات بالتفصيل في مقالات سابقة، كما سرّبت غير مرة صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية. إلا أن الإسرائيلي مستعجل كثيراً، وهو يحاول أن يجمّع نقاط التطبيع مع الدول العربية ظناً منه أنه مكسب على جميع الأصعدة (الاقتصادية والأمنية والسياسية) في ظل تغييرات جيوسياسية بفعل نزول قوى كبرى لكسر الهيمنة الأميركية وتغيير معادلات ما بعد الحرب الباردة الأولى.
د.ح