الوفاق/ انعقد قبل أيام في رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية ندوة لنقد ودراسة ترجمة كتاب “صرخة أكملت مسيرة” للكاتب أنطوان بارا بعنوان “زينب فرياد فرمند” ترجمة غلامحسين أنصاري، وكان ذلك بحضور الدكتور عباس خامه يار ومحمد رضا سنجري ونخبة من الخبراء.
وبحسب تقرير دائرة العلاقات العامة لرابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية، فقد بدأ الدكتور خامه يار المستشار الثقافي السابق لبلادنا جولة في بعض الدول العربية بما فيها لبنان والكويت، والتقى مع بعض النشطاء الإعلاميين والثقافيين، وفي هذا اللقاء،تم بحث ودراسة وجهات النظر، وقضايا ومجالات اهتمام مختلف المفكرين العرب، حيث ناقش الافكار المسيحية وأسباب توجههم نحو أهل البيت عليهم السلام.
في البداية، أشار خامه يار إلى شخصية أنطوان بارا، وهو كاتب مسيحي من أصل سوري يعيش في الكويت، ووصفه بأنه شخص يتمتع بصفات أخلاقية متميزة ومميزة وجميلة للكتابة عن أهل البيت عليهم السلام والإمام الحسين(ع) والسيدة زينب (س)؛ مع توضيح أن الدكتور أنطوان بارا معجب جداً بالإمام الرضا (ع) وأهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام.
وتابع خامه يار عندما اصطحبت الدكتور أنطوان بارا لزيارة مرقد الإمام الرضا (ع)، وعند توديع الضريح، رفض الخروج من المرقد وقام بتقبيل باب المرقد عدة مرات، ونظراً لإخلاصه الخاص لأهل البيت عليهم السلام، فقد ذهب للمسيرة الأربعينية 8-10 مرات دون الكشف عن هويته تماماً.
تجدر الإشارة إلى أن كبار الأدباء العرب هم من المسيحيين عموماً والعديد من الشخصيات العربية النبيلة والبارزة التي تناولت شخصية أهل البيت عليهم السلام هم مسيحيون ولكل منهم ظاهرة خاصة في هذا المجال.
وبعد ذلك، بحسب تجاربه الحياتية ونشاطاته الثقافية في بعض الدول العربية واجتماعاته مع أدباء وشعراء ناطقين بالعربية في بلدان مختلفة، منهم جورج جرداق وأخيه فؤاد جرداق، جورج شكور، جوزيف هاشم وبعض الكتّاب الآخرين، أشار إلى أسباب اتجاه الشعراء والأدباء العرب نحو ثقافة أهل البيت عليهم السلام وخاصة الكتابة عن عاشوراء ونهضة كربلاء.
مع التوضيح أن السبب الأكبر لميل هؤلاء المسيحيين نحو أهل البيت عليهم السلام هو تعدّد البيئة وخاصة في لبنان، وأنه في الواقع هناك نوع من التعايش السلمي بين مختلف الأديان، شيعة وسنة وغيرها في هذا البلد.
ووصف خامه يار نهج البلاغة بأنه أكبر بوابة للمسيحيين العرب للدخول إلى ثقافة أهل البيت عليهم السلام، وأشار إلى كتاب للدكتور ميشل كعدي بعنوان “الآلام المشتركة” تناول فيه الآلام المشتركة للمسيح والإمام الحسين (عليهما السلام)، وفي نفس الكتاب تمّت مقارنة السيدة مريم والسيدة فاطمة عليهما السلام وبيان الصفات المشتركة بينهما والخصائص الأخلاقية المشتركة بينهما.
وأشار خامه يار إلى أنه عندما كان في لبنان كمستشار ثقافي، كانوا يقيمون دائماً مراسم تاسوعا وعاشوراء في الكنائس وكان هو المتحدث المسلم الوحيد والباقي مسيحيون.
ومع ذلك، فإن الطريقة الجيدة لتقديم أهل البيت عليهم السلام إلى العالم هي تقديم الإمام الحسين(ع) إلى العالم بلغة الديانات الأخرى.
وخلاصة القول أنه يمكن حصر أربعة عوامل أساسية في أسباب الإتجاه نحو أدب أهل البيت عليهم السلام عند مفكري وكتّاب اللغة العربية المسيحية:
1- أثر دراسة نهج البلاغة في رأي المسيحيين العرب
2- العامل البيئي
3 – عامل التنوع الثقافي والخطابي
4- وجود شخصيات بارزة ونبيلة مفكرة وحرّة ومدركة لشخصية أهل البيت عليهم السلام.
وفي متابعة لهذه الندوة قال الدكتور محمد رضا سنجري المؤلف والعالم العاشورائي والأديب والشاعر الإيراني عن كتاب أنطوان بارا “زينب(ع) صرخة أكملت مسيرة”: لماذا أشار الإمام الحسين(ع) إلى أنه قدوة في المجال الشخصي والإجتماعي تجدر التفكير والتأمل.
وأشار إلى أننا لا نعرف جيداً أسماء النساء الحاضرات في واقعة كربلاء، منهن بحرية، وقمر، وهانية وغيرها، في حين أن عدد النساء في كربلاء كان يقارب ثلث عدد الحاضرين في كربلاء المقدسة.
وعن حضور النساء في ملحمة كربلاء قال: هناك بعض النساء الملحميات في كربلاء المقدسة منهم أم كلثوم وفاطمة الصغرى وسكينة بنت الحسين(ع) التي ألقت خطباً في كربلاء وكانت مثل النجم بجوار الشمس السيدة زينب عليها السلام كانت إمرأة باسم هانية استشهدت في معركة كربلاء وصنعت ملحمة.
والعديد من هؤلاء النساء كنّ في كربلاء مع السيدة زينب عليها السلام، وهن غير معروفات على الإطلاق، ولم تذكر أسماءهن حتى الآن.
وأشار سنجري إلى أنه إذا لم نقض 344 يوماً من السنة القمرية للتعريف بالإمام الحسين(ع) في الأيام العشرة التي تسبق الأربعين، فهذا أيضاً قليل.
كما أشار سنجري إلى بعض مؤلفاته المتعلقة بواقعة كربلاء المقدسة والتعريف بأصحاب الإمام الحسين(ع) والسيدة زينب عليهما السلام، مثل “حاملات مرايا الشمس” التي استغرق كتابتها حوالي 7 سنوات، وكتاب “المرآة في كربلاء”، كما أوصى بقراءة كتاب “آفتاب در حجاب” أي “الشمس في الحجاب” للسيد مهدي شجاعي عن شخصية السيدة زينب(ع).
وواصل حديثه عن ملحمة كربلاء، فوضعها بأربعة أبعاد:
1- بعد المأساة
2 – البعد الملحمي
3- البعد العرفاني
4 – بعد الرسائل والدروس من ملحمة كربلاء
وأن الجزء الرابع من هذه الأبعاد حظي بقدر أقل من الإهتمام، وقد اهتم الشهيد مطهري بشكل صحيح بجانب إيصال الرسائل واستخلاص دروس كربلاء في كتاب “حماسة حسيني” أي “الملحمة الحسينية”.
ومن بين النقاط الأخرى التي يجب ذكرها، لا بد من القول إن الأزمة العاطفية في عالم اليوم أكبر من أي أزمة، وملحمة كربلاء هي في الواقع مدرسة للتدريب العاطفي للناس، وتذكرها بالدموع.
وأشار إلى أن أروع عصر في أدب عاشوراء هو عصرنا الحالي، وقال: إن بعض القصائد والكتب كتبت عن أحداث كربلاء منها أشعار “وحشي بافقي” وقصائد “محتشم كاشاني” الشهيرة التي تتناول أحداث كربلاء المقدسة، لكن هذه الكتب أكثر حزناً ولم تذكر رسالة واضحة من كربلاء.
إلا أن كتاب “كنز الأسرار” لـ “عمان ساماني” وهو أفضل وأجمل كتاب تم تأليفه عن أحداث كربلاء المقدسة، قد تناول بشكل جيد جميع الجوانب الأربعة المذكورة، وأنصح المهتمين بقراءة هذا الكتاب.
أما بخصوص كتاب “زينب صرخة أكملت مسيرة” المترجم تحت عنوان “زينب فرياد فرمند”، فينبغي القول أن نص هذا الكتاب مترجم بشكل جيد جداً بقلم الأستاذ أنصاري ونص الكتاب مثل كتاب “كنز الأسرار” لعمان ساماني كامل جداً وفيه كل الأبعاد الأربعة للمأساة والملحمة والتصوف والعرفان ورسالة واقعة كربلاء.
وقد قدّم هذا المؤلف والباحث العاشورائي بعض المعلومات عن أهمية خطبة السيدة زينب(س) حسب الأحاديث، كما أوضح أن هذه الخطبة يقرأها إمام العصر (عج) في السماء وتكررها الملائكة، فضلاً عن عقد ندوات تفسير من قِبَل السيدة زينب(س) في مسجد الكوفة فلما وصلت السيدة زينب (س) إلى آيات الصبر في سورة آل عمران قالت:
فقال لها الإمام علي (ع)، هل تريدين أن أشرح لك هذه الآيات، وأبدت السيدة زينب(س) اهتمامها، وعندما وصل أمير المؤمنين(ع) تدريجياً إلى أحداث كربلاء في تفسير هذه الآيات، فقالت السيدة زينب(س): ” یا أبت أعرف ذلک أخبرتني به أمي کي تهیئني لغد”.
عندما كانت السيدة زينب(س) في الخامسة من عمرها قامت السيدة فاطمة (ع) بإعدادها لأحداث كربلاء، وهذا في حد ذاته يدل على أنه يجب أن نبدأ من الآن بتدريب الأجيال القادمة والإستعداد لتحديات المستقبل وخير دعم لنا لتعليم الأجيال القادمة هو نهضة كربلاء المقدسة.
ويجب أن نضيف أن العظماء دائماً لديهم معاناة كبيرة، وبحسب كتابات الدكتور أنطوان بارا، فقد أشاروا إلى أن السيدة زينب(س) لم تخلق ملحمة في حادثة كربلاء فحسب، بل خلقت ملحمة طوال حياتها.
وختاما ذكرنا بضعة فصول من كتاب “زينب(ع) صرخة أكملت مسيرة””زينب فرياد فرمند” باعتباره كتاباً مهماً للتعريف بالسيدة زينب عليها السلام في المجتمع الدولي.
وقد قام محمد صادق أميني أمين سر الندوة بتقديم المتحدثين في بداية الندوة وذكر بعض النقاط حول نشاطهم العلمي والعالمي، كما طرح تساؤلات من بينها الشخصيات المسيحية المفتونة بأهل البيت عليهم السلام والكتّاب الذين كتبوا مقالات وقصائد أثّرت فيها الظروف والخلفيات الفكرية والثقافية والإجتماعية وقلمهم في هذا الإتجاه.
وأشار بمقال بحثي إلى أسماء عدد من المسيحيين الذين كتبوا في هذا المجال بسبب توجههم الروحي نحو أهل البيت عليهم السلام ومنهم جورج جرداق، جورج زيدان، جبران خليل جبران، ميخائيل نعيمة، وبولس سلامة وسليمان كتاني ونصري سهلب وميشل كعدي.
وفي الختام أشارت السيدة رستم آبادي، مديرة المجموعة المسيحية الكاثوليكية في مركز حوار الأديان، إلى أحد أقوال الدكتور أنطوان بارا وقالت: إن الأربعينية هي حقاً تجلي جوهرة الإمام الحسين (ع).