- فضلت السائحة الألمانية كيرين فيشر البقاء في مراكش رغم الزلزال الذي دمر عددا من المباني في المدينة العتيقة، لكن العاصمة السياحية للمملكة المغربية فقدت الكثيرين من زوارها وسط مخاوف من أزمة تضرب هذا النشاط الرئيسي لإقتصادها.
وتقول الشابة الألمانية (35 عاما) “لن نجعل الزلزال يفسد كل شيء. لم نتلق إنذارات باحتمال خطر كبير ففضلنا بالتالي الاستمرار في برنامجنا”.
كانت فيشر بصدد القيام بجولة سياحية برفقة مجموعة من 4 مسافرين. وقد تم إجلاؤهم جميعا، بحسب حديثها لوكالة الصحافة الفرنسية، من الفندق الذي كانوا فيه عندما اهتزت الأرض تحت أقدامهم الجمعة، في أعنف زلزال يضرب المغرب منذ قرن.
المدينة العتيقة بمراكش
ولا يزال ركام أجزاء مبان تهدمت متناثرا في أزقة المدينة العتيقة التي تعد محطة رئيسية في الجولات السياحية بمراكش، كما تضم العديد من النزل.
تنتصب الأبواب الخشبية العالية لقصر الباهية لكنها مغلقة في وجه الزوار، فيما تظهر قطع قرميد (طوب) ملقاة على الأرض بعدما تحطمت من وقع الزلزال، وقد بني هذا المعلم السياحي في القرن التاسع عشر.
على طول العديد من الأزقة الضيقة تتخلل الشقوق الكثير من جدران البيوت المصبوغة باللون الأحمر المميز للمدينة، فيما هدم بعضها تماما.
وتحتضن مراكش تراثا عريقا منذ تشييدها بحدود عام 1070 حيث كانت لقرون طويلة عاصمة الدولة المغربية بدءا من عهد المرابطين، ومركزا ثقافيا واقتصاديا. وهي مصنفة تراثا إنسانيا من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو).
ويشير المرشد السياحي الذي يرافق فيشر ومجموعتها إلى أن القيام بجولة كاملة حول المدينة العتيقة يبدو غير مؤكد، “لكن المرور عبر جل محطاتها ممكن”.
غير بعيد من المكان يطلب 3 سياح إيطاليين معلومات من رجال الأمن حول المواقع التي لا تزال مفتوحة أمام الزوار.
وفضل هؤلاء الزوار عدم تقصير مدة رحلتهم، تماما كما هو الشأن بالنسبة لزوجين يحتسيان الشاي في شرفة مقهى تزين جدرانه قطع رخام، أو أيضا بالنسبة إلى سائحة تفاوض بائعا في أحد المتاجر السياحية القليلة حول سعر حقيبة جلدية، مغطية رأسها بقبعة نسجت من خصلات القش.
في ساحة جامع الفنا الشهيرة وسط المدينة اتخذ باعة العطور والمرطبات أماكنهم المعتادة بعدما احتلها سكان من الأحياء المجاورة اضطروا لقضاء الليل في العراء، بسبب تهدم بيوتهم أو أصابتها بأضرار. وتبدو الأجواء أكثر من هادئة عموما في أزقة المدينة العتيقة، بعيدا عن الصخب المعتاد.
ويقول دحمان زياني (56 عاما)، وهو مدير حمام تقليدي يقصده السياح، إن “المدينة العتيقة هي روح مراكش، إنها مفخرتنا. والسياحة تمثل 99% من مداخيلنا. إذا توقفت سيتوقف كل شيء تماما”، مثلما حصل خلال أزمة “كوفيد-19” التي فرضت إغلاقا صارما لأشهر.
ويختم زياني “الآن لا نملك سوى الأمل في ألا تتكرر مثل تلك الأزمة”.
تضرر مبان تاريخية وأثرية
وتسبب الزلزال الذي ضرب مناطق بوسط المغرب، المعروفة بمدنها القديمة، وثقافتها العريقة والمتنوعة، في تضرر عدد من المباني التاريخية والأثرية التي تعود لمئات السنين، وهو ما دعا المنظمات الدولية لعرض المساعدة في ترميم تلك الآثار.
ووثقت صور متداولة تضرر “المسجد الأعظم” بقرية تنمل (الواقعة جنوب مراكش بنحو 100 كيلومتر) والذي يحظى بقيمة تاريخية، حيث يعود لبداية دولة الموحدين في المغرب، وبني منتصف القرن الثاني عشر الميلادي (سنة 548 هجرية تقريبا) في عهد الخليفة الموحدي الثاني عبد المؤمن بن علي، الذي حكم المغرب والأندلس، وكانت عملية ترميمه جارية.
وعام 1995، سجل المغرب المسجد الأعظم في لائحة التراث العالمي، لدى منظمة اليونسكو.
وأمس السبت، أعلنت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة “الإيسيسكو”، تضامنها الكامل مع المملكة واستعدادها التام للتعاون مع الجهات المغربية المختصة في مواجهة الأضرار الناجمة عن الزلزال.
وقالت المنظمة في بيان “مستعدون لتقديم كل ما يتطلبه الموقف من مساندة ودعم في مجالات اختصاصنا، وفي مقدمتها ما يتعلق بترميم وصيانة الآثار التي تضررت ببعض المدن التاريخية”.
سور مراكش التاريخي
كما أظهرت المقاطع التي بثها النشطاء، تضرر أجزاء من سور مراكش التاريخي، حيث سقطت أجزاء منه نتيجة الزلزال.
ووثقت الفيديوهات سقوط أجزاء من صومعة مسجد خربوش بساحة جامع الفنا، كما أظهرت المشاهد تضرر مساحات كبيرة من مدينة مراكش، التي يعتمد اقتصادها بشكل أساسي على النشاط السياحي والصناعة التقليدية، وبها العديد من المباني القديمة التي يقصدها الزوار، ومدرجة على قائمة التراث العالمي الخاصة باليونسكو.
من جانبه، يتوقع الخبير الاقتصادي بدر زاهر الأزرق أن يكون لزلزال الحوز أثر كبير على البنية التحتية السياحية في مراكش، ورغم أنها لم تكن في بؤرة الزلزال فقد انهارت بعض الأسوار والمساجد والصوامع في المناطق الأثرية.
ورجح الأزرق -في حديث للجزيرة نت- أن المناطق المهدمة داخل مراكش ستعود لسابق عهدها في أقرب الآجال خاصة أن المدينة تشهد أعمال إصلاح كبيرة منذ أسابيع من أجل استقبال اجتماعات مجلس البنك الدولي وصندوق النقد الدولي المقررة في الفترة من 9 إلى 15 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، مشيرا إلى أن هذه الأشغال ستمتد لتشمل ما دمره الزلزال.
وغير بعيد عن مراكش، وردت أنباء عن تضرر مواقع تاريخية في إقليم ورزازات ومدينة أغادير وإقليم أزيلال.
دعم الترميم
وأعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، على الفور عزمها تقديم الدعم للسلطات المغربية، في ترميم وإعادة إعمار تلك الآثار المتهدمة.
وأفادت، في تغريدة لها بأن بعثة من المنظمة قد توجهت إلى مراكش، للمساعدة في تحديد الأضرار، وبدء العمل على إصلاحها وترميمها.
وعبر المنصات، عبر المغردون عن حزنهم، لدمار جزء مهم من تاريخ تلك المنطقة، والذي عاش لمئات السنين، شاهدًا على تاريخ المدينة العريق، منذ بناها المرابطون.
وعلق المختص بالتاريخ، مكي دهبي في منشور له على فيسبوك “مراكش وعموم منطقة الحوز هي عمق المغرب وتاريخه الكبير، مراكش التي بناها يوسف بن تاشفين أمير دولة المرابطين، وحتى ليلة البارحة كان مسجد تينمل لا يزال شاهدا على عظمة الإمبراطورية الموحدية. وفي الجنوب الغربي كان سور تارودانت يختزن أمجاد المغرب ويحكي صولات سلاطين المغرب الذين قضوا فترات حكمهم على صهوات الجياد”.
وأضاف “في هذه الربوع المنكوبة اليوم تشتم عبق التاريخ وتتحسس عمق المغرب الثقافي والعلمي والديني، وفي غفلة من الجميع وفي ثوان قليلة اهتزت الأرض ليدفن الزلزال مئات البشر ويَدفن معها جزءًا ثمينًا من تاريخ الأمجاد، وجزءا غير يسير من الذاكرة المعمارية المغربية الأصيلة”.
وعلق الإعلامي الموريتاني محمد حيدرة في تغريدة له “المدن المتضررة، هي عمق المغرب وتاريخه الكبير، مراكش التي بناها المرابطون، وفيها يرقد الأمير المسلم يوسف بن تاشفين، وبجوارها تينمل حيث انطلقت دعوة ابن تومرت، وتارودانت أقدم وأعرق مدن المغرب، وسورها ثالث أعظم سور أثري في العالم، فما دفنه الزلزال ليس أجسادًا بشرية فقط، وإنما تاريخ من الأمجاد، ومدن من الحضارة، وشعب صبور كريم عظيم”.
وخلّف الزلزال الذي ضرب أجزاء من المغرب دمارا واسعا في بلدات وقرى بالمملكة، وظهرت مشاهد الركام والتشققات في المنازل والشوارع حيث تبحث فرق الإنقاذ عن ناجين محتملين.
ورغم الأضرار بالمواقع الأثرية فإن الخسائر في الأرواح لا تزال الشغل الشاغل للسكان في المناطق المتضررة، وبعد لملمة جروح البشر سيحين أوان تفقد الحجر.