بين الإلزام والالتزام

الشرّ كلّ الشرّ ينبع من اللامبالاة والسلبية، والتخلي عن التبعة، والشعور بالمسؤولية. إن جحود الإلزام والالتزام قضاء على وجود الإنسان، بل هو بمثابة الجحود لأصل الوجود

الشيخ محمد جواد مغنية

الفرق بين الإلزام والالتزام، أن الإلزام يكون من سلطة عليا تأمر وتنهى، ولا رادّ لأمرها ونهيها، لأنه حقّ وعدل، وهي أيضاً تمدح وتوبّخ، تراقب وتحاسب المنحرفين في سلوكهم عن الصراط القويم. أمّا الالتزام، فهو التقيد والتعبد بهذا الواجب والإلزام، حتى ولو خالف ميول الملتزم وتقاليد أهله ومجتمعه. وبكلمة، إن الالتزام يشبه إلى حدّ بعيد السير على قضبان من حديد، تُعين للملتزم الطريق الذي يسير عليه تماماً كسير القطار، ومن الإلزام والالتزام، يتألف مفهوم النظام، ومن تمرّد على الإلزام والواجب، فقد خرج عن النظام العادل.
ولا غنى عن مبدأ الإلزام والالتزام لأيّة أسرة أو جماعة تعيش حياة مشتركة، فهو العهد والميثاق الّذي يضمن بقاءها، ويصونها من الفوضى والانحلال، بل هو الأساس الأول للأديان والشرائع والقوانين والمذاهب الأخلاقية وغير الأخلاقية. وهي:
(الشرّ كلّ الشرّ ينبع من اللامبالاة والسلبية، والتخلي عن التبعة، والشعور بالمسؤولية. إن جحود الإلزام والالتزام قضاء على وجود الإنسان، بل هو بمثابة الجحود لأصل الوجود).
والسر الأول والأخير لذلك، أن الحياة المشتركة لن تستقيم بحال، إلا إذا عاش جميع أفرادها على مستوى واحد في الحقوق والواجبات وإلا اختفى النظام، وشاعت الفوضى والاضطراب والانحلال، وسادت شريعة الغاب والفساد والضلال.
وأيضاً قرأت في بعض الصحف أنّ لصوصاً سطوا واغتنموا، وعند القسمة، أجحف رئيسهم واستأثر، فثاروا عليه وطالبوه بالالتزام بالحقّ والعدل في قسمة الحرام! وإن دل هذا التناقض على شيء، فإنه يدلّ على أن واجب الحقّ والالتزام به، يحمل طابع فطرة الله التي فطر الناس عليها، كلّ الناس، حتى المعتدين على ما هو الحقّ والعدل، وإلا، فبأي شيء نفسر مطالبة اللّصوص بقسمة الحرام بالعدل؟ ثم هل من أحد يقبل عن رضا وطيب نفس أن يوصم باللّصوصيّة والخيانة؟ اللّهمّ إلا أن يكون وحشاً ضارياً في جسم إنسان.