الوفاق/خاص/مختار حداد- شهدت المنطقة خلال الأشهر الإخيرة تطوّراً هاماً كان لديه انعكاس على الإقليم بشكل عام وهو عودة العلاقات الدبلوماسية بين الجمهورية الاسلامية الايرانية والمملكة العربية السعودية بشكل كامل، في حين توقّع المراقبون أن هذا التقارب كذلك سيؤثر على حلّ الملفات العالقة في المنطقة ومن شأنه أن يعزز التعاون بين دولها.
في هذا الإطار ولبحث آخر المستجدات في المنطقة إلتقت صحيفة الوفاق مع دولة الرئيس الاستاذ نبيه بري رئيس مجلس النواب اللبناني، الذي عُرف عنه رصده المحنك والعميق للتطورات السياسية منذ عقود، ورؤاه المستقبلية لهذه التطورات، حيث تحدّث للوفاق عن توقعاته لتأثير العلاقات بين طهران والرياض على المنطقة ومستقبلها، علاوة على الملفّ الرئاسي اللبناني.
* وجوب قيام حوار دائم لا ينقطع
في مستهلّ الحوار ورداً على سؤال حول أهمية عودة العلاقات بين ايران والسعودية وتأثير ذلك على الملفات الإقليمية والأزمات في منطقتنا التي يصطنعها الغرب، أجاب الرئيس بري قائلاً: لطالما كنت من القلائل الذين لم يوفّروا مناسبة او منتدى برلماني محلي وإقليمي وقاري ودولي إلاّ وناديت من خلال هذه المنتديات الى وجوب قيام حوار دائم لا ينقطع تحت أي ظرف من الظروف بين الجوار العربي والجوار الاسلامي، ولم نوفّر مناسبة إلاّ واستثمرنا فيها من خلال الدبلوماسية البرلمانية لبناء جسور الثقة التي كان يمكن لها ان تؤدي الى خلق المناخات الملائمة لإنجاح مثل هكذا حوار بين العالمين العربي والإسلامي، وهو جهد بحمد الله وإن طال انتظاره لكنه أثمر في نهاية المطاف عن هذا الاتفاق الاستراتيجي، والذي قادني”حدسي” وتوقعت حصوله قبل عشرين يوماً من إعلانه رسميا ( أي الاتفاق الايراني السعودي)، وذلك خلال كلمة ألقيتها في إحتفال إفتتاح المبنى الجديد لسفارة الجمهورية الاسلامية الإيرانية وقلت حينها ما حرفيته: نتطلّع بأمل كبير إلى أن يكون هذا اليوم الذي ندشّن فيه مبنى جديدًا للسفارة الإيرانية في بيروت بارقة أمل ليس ببعيدة نحتفل فيها بعودة العلاقات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع محيطها العربي والإسلامي، وخاصة مع المملكة العربية السعودية في سياقها الطبيعي.
* أهمية الاتفاق الايراني والسعودي لحاضرنا ومستقبلنا
وأضاف الأستاذ نبيه بري: إنني ولطالما ناديت بأهمية هذه العلاقات وضرورة تطبيعها وتطويرها بما يحفظ لكل دولة أمنها واستقلالها وسيادتها وخصوصيتها ومصالحها وهو ثمرة حوار وجهد مشكور من جمهوريتي العراق والصين الشعبية، واعود وأكرر بأن الاتفاق بقدر ما هو مهم على أكثر من مستوى، لاسيما سياسيا واقتصاديا وامنيا بالنسبة لايران والسعودية، هو أيضاً بنفس القدر من الاهمية لكل دول المنطقة، ان هذا الاتفاق اذا ما نفذت كل مندرجاته، ويجب ان تنفّذ ولا خيار أمامنا كدول وشعوب في المنطقة إلاّ العمل بصدق من أجل تنفيذه وإنجاحه، إذ سوف يغير إيجابًا وجه المنطقة على مختلف الصعد، لاسيما في التقدم والإستقرار لان ايران والسعودية دولتان مركزيتان في جغرافية المنطقة وديموغرافيتها، وهما حجر الزاوية في مستقبلها فالاتفاق والتلاقي بينهما هو القاعدة وهو القضاء والقدر والخلاف والاختلاف الذي كان وانقضى هو الاستثناء، فيكفي ان ننظر الى الاطراف المنزعجة من هذا الاتفاق وفي المقدمة (إسرائيل) ومن ورائها، وهي سبب كل ازمات المنطقة، لندرك اهمية واستراتيجية هذا الاتفاق لحاضرنا ومستقبلنا .
* إرادة وروح المقاومة لدى الشعب الفلسطيني
وفي ردّه على سؤال حول تقييمه للوضع الحالي في المنطقة على ضوء ما نراه ومستقبل الأمور أجاب رئيس مجلس النواب اللبناني، قائلاً: لاشك ان صورة المشهد في المنطقة لا تبعث على الإرتياح، وهي مثيرة للقلق وتستوجب وعياً ويقظة استثنائيين على كافة المستويات “انظمة وحكومات وشعوباً ونخباً”، من هنا تبرز اهمية إنجاح الإتفاق الإيراني السعودي الذي يقفل كل المنافذ والابواب، ويقطع الطريق على كل مشاريع الحروب والفتن الطائفية التي عصفت في اكثر من بلد في المنطقة في السنوات العشر الماضية لهدفين اساسين، هما تفتيت المنطقة والسيطرة على ثرواتها وخيراتها وتحويلها الى كيانات طائفية متناحرة، او كما اسماها الامام السيد موسى الصدر تحويلها الى “اسرائيليات” يكون فيه الكيان الاسرائيلي هو الاقوى والمتفوق، والهدف الثاني إضعاف الامة وإلهائها عن قضية العرب والمسلمين الاولى قضية فلسطين التي تتعرض اليوم الى محاولة ممنهجة لتقويضها واجهاض حقوق الشعب الفلسطيني في العودة وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، طبعا كل ذلك يتم في غفلة من النيران المشتعلة في أكثر من دولة وخاصة في سوريا، وما تتعرض له من حصار جائر مفروض عليها، وهي التي تمثل واسطة العقد في دول محور المقاومة، ناهيك عن التداعيات السلبية للازمات التي يتخبط بها لبنان انطلاقا من خلفية هذا المشهد المؤلم يواصل الكيان الصهيوني ومن يقف خلفه ويدعمه استكمال مشروعه التهويدي للمقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس، ويوسع مخطّطاته الاستيطانية التوسعية في فلسطين التاريخية، لكن بالرغم من هذا القلق، كان الرهان ويبقى على ارادة وروح المقاومة لدى الشعب الفلسطيني ولدى شعوبنا في كسر مشاريع الاحتلال والفتن، والرهان ايضا على سلوك طريق الحوار كسبيل وحيد وأوحد لتسوية الخلافات فيما بين ابناء البلد الواحد، وبين دول الجوار التي يوجد ما يجمعها اكثر مما يفرقها او يدفعها الى الاقتتال او الاختلاف فيما بينها.
* حرص ايران على احترام سيادة لبنان
وبشأن افق لحل الأزمة الرئاسية في لبنان وما لمسه من موقف ايران مقارنة بالآخرين في هذا الموضوع قال الرئيس بري:نقدر دائما للجمهورية الاسلامية الايرانية مواقفها الداعمة للبنان في مختلف المجالات وفي كافة المحافل الاقليمية والدولية والمنتديات البرلمانية وما الموقف الاخير لمعالي وزير الخارجية اميرعبد اللهيان في الموضوع الرئاسي باعتباره ان هذا الاستحقاق شأن داخلي لبناني هو موقف يعبر عن حرص ايران على احترام سيادة لبنان وارادة ابنائه وخياراتهم حيال انجاز استحقاقاتهم الدستورية والديمقراطية بحرية ودون تدخل من الخارج ومن دون فرض إملاءات او شروط ضغوط .
وختم رئيس مجلس النواب اللبناني بالقول: أما بالنسبة لأفق الازمة والخروج منها وكما عبّرت في أكثر من مناسبة اننا نرحب بأي جهد من الدول الصديقة لمساعدة لبنان على إنجاز انتخاب رئيس للجمهورية الذي يختاره اللبنانيون واعود واؤكد من خلالكم ان هذا الاستحقاق ونظرا للواقع البرلماني القائم حاليا، والذي لا يعطي لأي القدرة لحسم هذا الاستحقاق بمفرده لا يمكن انجازه إلاّ بالحوار والتوافق، وأي كلام آخر هو عبث وإطالة لأمد الفراغ لأهم موقع دستوري، طرحنا مبادرة في ذكرى الامام الصدر تقوم على حوار تحت قبة البرلمان لمدة اقصاها ٧ ايام، يليها جلسات متتالية ومفتوحة لانتخاب رئيس للجمهورية نأمل ان تستجيب كافة القوى والكتل البرلمانية لهذه الدعوة ، وبالرغم من الاصوات الرافضة للحوار واسباب ومبررات الرفض غير مقنعة على الاطلاق ولا تفسر إلاّ على وجه واحد ان احدا في لبنان لا يريد انتخاب رئيس للجمهورية، إلاّ ان غالبية الكتل تنظر إليها بإيجابية ومرحّبة، واعود وأكرر ننتظر صحوة الضمير الوطني لدى بعض المكابرين، لكن بصراحة لن ننتظرهم الى ما لا نهاية وسنبني على الشيء مقتضاه الوطني، لن نيأس كلنا ثقة ان لبنان في نهاية المطاف سوف ينجز هذا الاستحقاق عاجلاً وليس آجلا.