“عبد العزيز المقالح”.. هامة أدبية وقرن كامل من الثقافة والشعر

2022-12-11

يدعو شعر المقاومة إلى الرفض والتحدي والصمود في وجه الإحتلال والإستعمار ويحرّض المناضلين والنفوس على الإستمرار في المقاومة والكفاح،حيث نجد شعراء اليمن يستشهدون، أو يسجنون ويعذبون في هذا السبيل، ومن أبرز هؤلاء الشعراء، الشاعر والأديب اليمني الدكتور عبدالعزيز المقالح الذي توفي أخيراً بعد حياة حافلة بالعلم والعمل الإعلامي والأكاديمي والأدبي والثقافي عن عمر ناهز الـ 85 عاماً، بعد معاناة مع المرض.

ونعى اتحاد الكتاب العرب في سورية الشاعر والناقد والقامة الوطنية الرصينة الدكتور عبد العزيز المقالح بعد أن أفنى جل حياته لإغناء المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات الشعرية والنقدية التي شكلت إرثاً حضارياً متميزاً في خزانة الأدب.

كما نعاه الكثير من الشخصيات العلمية والثقافية والسياسية، فقال الشاعر والأديب اليمني “سلمان القباتلي”: “إن رحيل المقالح هو رحيل قرن كامل من الثقافة والشعر والأدب، رحيل آخر هامة أدبية وجسر ثقافي كان يربطنا بالشعراء الكبار في الداخل والخارج كالبردوني ودرويش وغيرهم”.

وجاء في مقال تحت عنوان “اليمن تودع عبد العزيز المقالح.. مات عصرٌ وزمان” للكاتب اليمني”محمد الخيواني”:

يعد عبد العزيز المقالح رائد القصيدة اليمنية المعاصرة، وتدين له أجيال من شعراء اليمن الشباب بالأبوة الرمزية، وهو يعد من أبرز الأدباء اليمنيين الذين لهم حضور وحظوة كبيرة في الوطن العربي.

ولد المقالح عام 1937 في قرية المقالح بمحافظة إب اليمنية، وبدأ كتابة الشعر عندما بلغ الــ 14 من عمره. تميزت كتابته بشيء من الكلاسيكية، لكنها سرعان ما انفتحت على الحداثة. عرف عنه كتابته لقصيدة “أن يحرمونا يا حبيب الغرام” وتغنى بها الفنان اليمني أحمد فتحي.

كان المقالح إنساناً بكامل لياقته الأخلاقية، متمتعاً بسمات المبدع، الذي يفيض تسامحاً وتعاطفاً، ملتزماً القيم العليا في علاقته بكل من حوله، بما فيها الأفكار والقضايا، ولهذا تجرع في سبيل مواقفه متاعب كثيرة، ليس أولها مطالبته من قبل نظام السادات بمغادرة مصر عاجلاً في السبعينيات عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد.

يُعتبر المقالح من أبرز الأكاديميين اليمنيين من جيل الرواد، خاصة بترأسه لجامعة صنعاء، بين 1982 و2001، خلال الفترة 1982- 2001، وبقي رئيسا لمركز الدراسات والبحوث اليمني والمجمع اللغوي اليمني حتى وفاته.

كما كان عضو المجمع اللغوي في القاهرة ودمشق، وعضو مجلس أمناء “مركز دراسات الوحدة العربية” في بيروت، وعضو الهيئة الاستشارية لمشروع “كتاب في جريدة”.

حصل على جائرة (اللوتس) عام 1986، ونال وسام الفنون والآداب من عدن عام 1980، وحصل على جائزة الثقافة العربية من منظمة (اليونسكو) باريس عام 2002، وحصل على وسام الفارس من الدرجة الأولى في الآداب والفنون من الحكومة الفرنسية عام 2003، وجائزة الثقافة العربية من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألسكو) عام 2004، كما نال جائزة العويس في الشعر عام 2010.

المقالح الشاعر والأديب

يعد المقالح أحد رواد الحداثة الشعرية العربية في العصر الحديث، وأصدر عشرات الدواوين الشعرية والكتب والمؤلفات الأدبية والنقدية التي ترجم معظمها إلى لغات عالمية عدة، وأعدت عن تجربته الأدبية عشرات الدراسات والأطروحات في عديد من الجامعات العربية والأجنبية.

للمقالح 33 إصداراً أدبياً وشعرياً وتاريخياً وفكرياً، رفد بها المكتبة اليمنية والعربية، كما أن له المئات من الدراسات والأبحاث المنشورة، ومئات التقريظات للعديد من أعمال المؤلفين والباحثين اليمنيين وغير اليمنيين، وجمع بين الأصالة والمعاصرة في مذهبه الشعري في وقت مبكر، ولهذا كُتبت عنه العشرات من الدراسات التي تناولت إبداعه.

مرت تجربة عبد العزيز المقالح الشعرية، التي انطلقت في عقد الستينيات بعدد من المراحل، ظلت تتطور متجاوزاً الكلاسيكية إلى رحاب الحداثة في علاقته التقنية والموضوعية بالرؤية الشعرية. وتميزت تجربته بقدرته على الاستفادة من موروث عربي زاخر، في صوغ الصورة وإنتاج الدلالة، تعبيراً عن حالته وموقفه من الحياة وما يمور فيها، بدءاً من وطنه وانتهاء بإنسانيته الكبيرة.. فكانت تجربته متميزة كثيراً في علاقتها الحداثية بقصيدة التفعيلة، التي برز اسماً كبيراً في ميدانها، كما تغنى ببعض قصائده عدد من أصوات الأغنية اليمنية أمثال أبو بكر سالم وأحمد فتحي وغيرهما. وتمثل بعض قصائده أيقونات تتردد على الألسن.

ظل صالونه الأدبي مفتوحاً في منزله ليرتاده الأدباء أسبوعياً، خاصة الأحد والأربعاء؛ وهو الصالون الذي تحتفظ ذاكرته بنقاشات ضمت عدداً كبيراً من الأدباء العرب، أبرزهم أدونيس ومحمود درويش وأحمد عبدالمعطي حجازي وكمال أبو أديب وصلاح فضل وغيرهم الكثير”.

تجليات الثورة والمقاومة في شعره

ان عبدالعزيز المقالح يعتبر من روّاد الشعر في اليمن، فقبل وفاته كتب الدكتور “أمير فرهنك نيا” أستاذ جامعة الشهيد بهشتي، مقال عن شعره، تحت عنوان ” تجليات الثورة والمقاومة في شعر “عبدالعزيز المقالح”، وفيما يلي نقدّم لكم قسم من المقال.

يعتبر عبدالعزيز المقالح بصفته شاعراً وناقداً آکاديمياً وأحد رموز الشعر اليمني المعاصر خاصة والشعر العربي المعاصر عامةً حيث تولى مسؤولية بارزة ونشيطة في حرکة الأدب والنقد وقام بدور فعال في الثورة اليمنية والمقاومة الشعبية وأخذ الشعر سلاحاً للدفاع عن شعبه ووسيلةً للتعبير عن معاناته وآلامه بقيم جمالية وشعرية رفيعة المستوى سواءً کان يعيش في اليمن وصنعاء أو کان مغترباً في العواصم العربية کالقاهرة حيث تتسم قصائده بالصراحة والمباشرة وقليل من الغموض. دخل المقالح في قضايا الوطن اليمني والأمة العربية وعاش کثيراً من مصائبهم وله دور کبير ونشيط وفعال في شحذ الهمم وتحفيز النفوس على النضال في وجه الأعداء والمحتلين مستشرفاً مستقبلاً رائعاً وقريناً بالحرية والأمان لأبناء شعبه. فالقارئ لشعره يجده کأنه تنبّأ في دواوينه الشعرية ما يعانيه الشعب اليمني من اختناق وعدوان وحرمان وتخلّف وأمية وجهل.

محاور المقاومة في شعر المقالح

إن المقالح من أبرز شعراء اليمن المعاصرين الذين عاشوا الواقع المرير لأبناء شعبهم والأمة العربية وناضلوا وتحمّلوا في سبيل تحرير الوطن من نير الإستعمار والإحتلال كافة أنواع الحرمان والإغتراب والإبتعاد عن الوطن ولكنهم لم يرضخوا أمام الجبابرة المستعمرين.

تجلّت الثورة والمقاومة في شعره في قالب الثورة الوطنية والقضايا الإجتماعية والسياسية وشعر الشهيد ومضمون الإستشهاد، النضال والكفاح ونظرة القومية والمقاومة الفلسطينية، فالشاعر المقالح في طليعة الشعراء اليمنيين الذي دفع ثمن كلمته غالياً وأدى حق الوطن من الكفاح والمثابرة والدعوة الى الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، وأنشد شعر الرجولة، فهو الذي يتعذب ويمارس مهامّه الإنسانية من أجل البعث والتغيير والتجدد.

من جانب آخر ليس شعر المقالح تعبيراً عن قضية فردية بل هو تعبير عن قضايا الإنسان والواقع اليمني وكان شعره تحريضا ثورياً على طلب العدل ورفع نير الظلم والشاعر يحرص على تجسيم الوقائع والأحداث لإحداث تأثير أبرز وأكبر على المخاطب والقارئ، فقام المقالح في شعره المقاوم بانتهاج سبل متنوعة تكفل له استرداد عافيته والأمن لبلده وتبعثر الحيوية والحركية والمعنوية بين أبناء شعبه وتضمن لهم  الدوام والبقاء كتوظيف الشخصيات التراثية ورموز الصبر والصمود، كالنبيين يوسف وأيوب ومن الرموز التراثية في شعره سيف بن ذي يزن، كما استدعى شخصية جمال عبدالناصر ليتفاعل مع كافة هؤلاء الشخصيات ويربطهم بقضاياه وقضايا عصره ويتخذهم كمادة تراثية تعطي إنتاجاً شعرياً أكثر غزارة وأصالة وشمولاً، كما أنّ توظيف هذه الرموز وهؤلاء الأشخاص له صلة بانتماء الشاعر الفكري والديني.

الشهيد والإستشهاد

إن الشهيد والإستشهاد من أبرز وأهم وأوسع المجالات التي تناوله شعراء المقاومة، ذلك لأن الشهادة تقترن بالجهاد، وهي بمثابة الرأس من جسد الشعب المقاوم، بحيث إنّ دم الشهيد لا يذهب هدراً.

الشهيد عند المقالح رمز من رموز الكفاح والمقاومة الوطنية، فبواسطة التذكير بأمجاد الشهداء وبطولاتهم، يثير الشاعر الأمل والتفاؤل والبهجة في قلوب المقاتلين، فالشهيد عنده هو الطاقة الخفية التي تجعل للشعب الخلود والمجد، وتظله بسحائب الخير والرحمة والرخاء، وهو الذي يرفع راية الجهاد والعزّ والشرف والفخر والكرامة مكافحاً ويبذل قصارى جهده، مستميتاً في نشر الحب للوطن، وأنه أدرك بمنتهى الدقة أن الإنسان الذي لا وطن له، لا كرامة له.

المقاومة الفلسطينية

تحتل المقاومة الفلسطينية قسماً من محاور المقاومة لدى الشاعر، بحيث إنه سعى إلى أن يثير الأمل في القارئ ليبعث فيه  الصمود والبقاء والدوام وعدم التخلي عن المسؤولية، ففي منظوره يفترض على كلّ مناضل فلسطيني يعاني ويكابد ويناضل الكيان الغاشم ويسعى للخروج من نير الإحتلال، كما أنه رأى الإغتراب واحداً من أساليب الشكوى ورفض الواقع.

يلاحظ في شعر عبدالعزيز المقالح المقاوم الدعوة الى الرفض والتحدي والصمود في وجه الإحتلال الإسرائيلي الغاشم والشاعر متأكد من النصر والفوز لأبناء الشعب الفلسطيني.

المصدر: الوفاق