إبراهيم الكحلاني
يظل النصح والتناصح بين الناس هو أغلى ما يمكن أن يجودون به ويقدّمونه لبعضهم البعض، سواءً من الوالد لولده أو الصديق لصديقه أو الجار لجاره أو الزميل لزميله أو المعلم لتلميذه أو المدير لموظفه، بل إن الله سبحانه وتعالى أقسم بأن الإنسان لفي خسر وخسارة دائمة مستمرة تلاحقه أينما حلّ وارتحل في حال رفض واستغنى عن مبدأ النصح والتناصح مع الآخرين، فقال جلّ وعلا: (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)، نعم؛ ستظل إنساناً خاسراً حتى تتناصح مع الآخرين من حولك، فلا تتردد في نصحك لهم، ولا تتكبر من سماع نصحهم لك.
وعليه إن أردنا النجاح في تفعيل مبدأ النصح والتناصح فيما بيننا يجب على الناصح أولاً أن يحسن نيته عند تقديمه للنصيحة، فلا يكفي أن تكون نصيحتك صحيحة ونيتك منها هي التشهير بالمنصوح أو فضحه أمام الآخرين، ولهذا يقول الله لنا محذراً: (لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ)، أي ما هي نيتك عند قولك الصدق؟! ولذلك احرص على الدوام على نظافة قلبك عند تقديمك النصيحة للآخرين.
وعلى المنصوح أن يتقبل النصح والنقد ولا تأخذه العزة، فقد روي عن أحد أئمتنا عليهم السلام أنه قال: “رحم الله امرءاً أهدى إليَّ عيوبي بقلبٍ طاهر”.
ولكن ما هي الطريقة الحكيمة والسليمة التي تجعل من نصحنا نصحاً مقبولاً سماعه لدى الآخرين؟
هناك قاعدة في قمة الروعة والجمال وفي قمة الفاعلية والتأثير وضعها لنا الإمام الصادق عليه السلام في كيفية التعامل الحكيم والتصرف السليم في تقديم نصحنا للآخرين أو في تصحيح الأخطاء التي تحدث أمامنا منهم، فقد قال عليه السلام مكلِّماً أحد أصحابه:
“إن منزلة الإيمان كمنزلة السلّم، مرقاة فمرقاة، فلا يقولنّ صاحب الاثنتين لصاحب الواحدة: لست على شيء، ولا يقولنّ صاحب الثلاث لصاحب الاثنتين: لست على شيء، ولكن ارفع إليك أخاك برفق، ولا تكسر أخاك فإن من كسر أخاه المؤمن فعليه جبره”.
إذن لا يكفي أن يكون لديك نصيحة ثمينة تحملها معك لمن تريد أن تنصحه وتعدِّل من سلوكه، بل يجب أن يترافق مع نصيحتك تلك الحكمة في اختيار الوقت المناسب وأيضاً في اختيار المكان المناسب عند تقديمها له، كي تنجح وتؤتي ثمرتها، لأن النصيحة إذا افتقدت للحكمة في مضمونها ووقتها ومكانها أو افتقدت للرفق وعدم مراعاة خواطر ومشاعر الآخرين فإنها ستتحوّل إلى آلة هدم وكسر وتحطيم لقلوب الآخرين وأحاسيسهم، وإن حدث ذلك فإن ضررك عندها أكثر من نفعك، بل ووجب عليك جبر ما كسرته من مشاعرهم وخواطرهم ما لم فأنت آثم ناهيك أن تحظى بالأجر أو تنتظره منه سبحانه وتعالى.
وحتى تنجح في أن يتقبل الآخرون نصحك، قم أولاً بفرز وتصنيف مَن تريد نصحهم إلى ثلاثة أصناف قبل أن تُقدم لهم نصيحتك تلك، وتعامل مع كل صنف بالعلاج والأسلوب الذي يجدي معه، وتلك الأصناف والأساليب هي كالآتي:
١- أسلوب التلميح مع من هو أكبر منك سناً أو صفة:
ومن أمثلة ذلك نصح الابن لأبيه، ونصح الشاب للشيخ المسن، ونصح الموظف لمديره.
فمع هذه النوعية من الناس يجب أن تكون دقيقاً وحذراً إن كان معك ما تريد نصيحتهم به، وحتى تنجح في ذلك استخدم معهم أسلوب التلميح فهو الأسلوب الناجح والمؤثر عليهم.
وأكبر تجربة ناجحة في ذلك، هي ما قام به الامامان الحسن والحسين عليهما السلام وهما ما زالا طفلين في قصتهما المشهورة مع الشيخ الكبير الذي أسبغ وضوءه للصلاة، وأرادا تعديل طريقته الخاطئة لوضوئه ذلك.
ما الذي نتج عن هذا الأسلوب في النصح، نتج عنه قول الشيخ: والله إن وضوء كل منكما أفضل من الآخر، ولكن أنا من أسأت وضوئي.. إذن فقد نجحا في إيصال رسالتهم، ولو أنهما استخدما أسلوباً غير ذلك لكانت النتيجة مغايرة تماماً.
استخدم هذا الأسلوب أحد الموظفين الأذكياء مع مديره، عندما لاحظ ضعف مديره في صياغة وكتابة التقارير… فما الذي عمله الموظف لتصحيح ضعف مديره؟.. قام بصياغة تقرير نموذجي وأعطاه لمديره قائلاً له: كتبت تقريراً أستاذي الكريم وأريد منكم الاطلاع عليه ورفدي بأهم الملاحظات والتعديلات عليه… فما كان من المدير بعد أن اطلع على ذلك التقرير النموذجي إلا أن ابتسم في وجه موظفه ابتسامة يملؤها الإعجاب والإكبار بوجود مثل هكذا موظف في إدارته، وبهذا الأسلوب الراقي… فقد وصلت الرسالة بدون كسر خاطر أو مشاعر.
٢- أسلوب الخلوة مع من هو أصغر منك سناً أو صفة:
أكبر خطأ يقع فيه الآباء والمدراء مع أبنائهم وموظفيهم هي نصحهم وتوبيخهم أمام الآخرين لا سيما زملائهم، فتتحول تلك النصائح إلى عُقد وأحقاد يحملها معه ذلك الابن وذلك الموظف بقية حياته، ولو أن الأب أو المدير اختلى به وأخذه على جنب وكلَّمه ونصحه لما كان لتلك العُقد والأحقاد من مكان في قلوبهم، ولتقبلوها بصدر رحب.
٣- أسلوب سرد تجربتك الشخصية مع من هو مساوٍ لك سناً أو صفة:
أكبر مشكلة في الشخص المنصوح تجعله يمتنع من تقبل النصيحة من الناصح، هي شعوره أثناء تقديم النصيحة أن الناصح أفضل منه أداءً وأحسن منه حالاً، ولذلك إن أردت نصح زميلك أو صديقك وتريد أن يتقبل منك نصحك ذلك، لا تقم بسرد خطئه بل قم بسرد تجربة شبيهة بتجربته تلك حدثت معك أو مع أحد الزملاء، وكيف تمكنت من تجاوزها، فإنك بذلك تكسر حاجز النقص الذي بداخله من ذلك الخطأ والذي قد يمنعه من تقبل نصيحتك كِبراً أو خجلاً.
وفي الأخير يجب أن نحرص على أن يكون شعارنا على الدوام في التناصح فيما بيننا هو:
“ولكن ارفع إليك أخاه برفق، ولا تكسر أخاك فإن من كسر أخاه المؤمن فعليه جبره”.