فكرة الاتصال السككي بين غرب آسيا تعود إلى الواجهة مرة أخرى بعد أن أعلن الرئيس جو بايدن، رئيس الولايات المتحدة، في اجتماع قادة مجموعة العشرين في نيودلهي أنه سيدعم مشروع نقل ضخم سيصل الهند بالاتحاد الأوروبي عبر الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، والأردن، وفلسطين المحتلة. من المقرر أن يتم نشر التفاصيل الدقيقة لمبادرة ربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا في غضون 60 يومًا. سيبدأ هذا المسار من ميناء بيرايوس في اليونان ومن المتوقع أن يمتد بشكل بحري إلى ميناء حيفا. سيتم بناء خط سكك حديدية من حيفا إلى الأردن ومن ثم إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وسينتهي في ميناء جبل علي، حيث يتم تحميل البضائع على السفن المتجهة إلى مومباي. على طول هذا المسار الرئيسي، ستكون هناك فروع إلى دول أخرى في المنطقة مثل البحرين وعمان. لا تزال التفاصيل حول تمويل مبادرة ربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا غير معروفة بوضوح. يجب أن يتم توفير الإجابات في المخطط التفصيلي القادم.
ما هي الظروف التي ترافق اقتراح المشروع؟
يشير الباحث الكبير الدكتور يوئيل غوزانسكي إلى أنه “فيما يتعلق بمحمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، ليس هناك حاجة لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، ويمكن له أن يقول إن هذا التطبيع ليس مع الكيان الصهيوني. الهدف كان من جانب الهند والاتحاد الأوروبي هو إقامة علاقة بينهما، وأنا في الطريق إلى الأردن. بالمثل، عندما يتم فتح سماء المملكة العربية السعودية لرحلات الطيران إلى إسرائيل، يمكن له أن يقول بالاستناد إلى اتفاقية شيكاغو أنها قيد التنفيذ. في الوقت نفسه، الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة قريبة، وبايدن يسعى إلى إنجازات دولية باسمه. بالإضافة إلى ذلك، تسعى الولايات المتحدة إلى منع توسع نفوذ الصين في المنطقة”.
مدى امكانية تنفيذ هذا المشروع في الواقع؟
من السابق لأوانه الحكم على مبادرة ربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا، ولكن المشروع الذي يجب على بايدن تقديمه هو مجرد مقترح عام. يؤثر الوضع السياسي لنظام الاحتلال الصهيوني أيضًا على مستقبل هذا المشروع. يتطلب مثل هذا المشروع استثمارًا كبيرًا من قبل النظام الصهيوني، وبالتالي يجب على رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو أن يحظى بتأييد واسع من داخل تحالفه وربما من قبل المعارضة أيضًا. نتانياهو قد يجد نفسه في موقف صعب بين شركاء تحالفه مثل بيتسل سموتريتش وإيتمار بن غفير والمعارضة التي تسعى لحجب أي تحقيق دبلوماسي يمكن أن يحسن موقعه
من المستفيد الأكبر؟
أحد أكبر الفائزين المحتملين في هذه المبادرة الطموحة هو ميناء حيفا. يتم تنفيذ نقل البضائع عبر ممر النقل الذي تم اختياره فقط بسبب موقعه الجغرافي. قبل شهر واحد فقط، اشترت مجموعة الهندية أدياني (Adani) ميناء حيفا بقيمة 4.1 مليار دولار. تمتلك مجموعة أدياني ثلاثة عشر ميناءً في الهند، وبالتالي ستحقق أرباحًا كبيرة من مشروع مثل هذا. الشركة الأخرى التي قد تستفيد من هذه المبادرة هي SIPG الصينية التي تمتلك ميناء حيفا الجديد Haifa Bayport .
من هم الخاسرون؟
قبل كل شيء، مصر هي الخاسر الرئيسي المحتمل، حيث تسيطر على قناة السويس التي تمر من خلالها 10% من التجارة العالمية و7% من شحنات النفط العالمية. بلغت إيرادات قناة السويس في العام المالي 2022-2023 حوالي 9.4 مليار دولار، بينما كانت 7 مليارات دولار في العام السابق. بالنسبة لمصر، التي تدين 12.5 مليار دولار لصندوق النقد الدولي، فإن هذه الإيرادات حيوية. تقليل اعتماد أوروبا والهند على قناة السويس وتقليل الوقت اللازم لنقل البضائع بينهما عبر هذا الممر الجديد للنقل قد يكون ضربة كبيرة لمصر. هناك أيضًا اثنان آخران يمكن أن يكونوا من الخاسرين في هذا السياق، وهما روسيا وإيران. قامت هاتين الدولتين ببناء ممر نقل دولي شمال-جنوب لتفادي العقوبات وزيادة الإيرادات، أما تركيا فقد عبرت عن رفضها للمشروع بشكل صريح لأنه قد يشكل خطراً على تنفيذ مشروع “طريق التنمية” الذي كان من المفترض أن يربط دول الخليج بتركيا ثم أوروبا عبر العراق،و علق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على مشروع الممر الاقتصادي، معتبراً أنه لن يكون هناك ممر بدون بلاده، وقال أردوغان، إن بلاده هي الخط الأكثر ملاءمة لحركة المرور من الشرق إلى الغرب في مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، مضيفاً: “لن يكون هناك ممر بدون تركيا”.
المشاركة الفلسطينية في هذا المشروع
تقوم المملكة العربية السعودية بخطوات لتعزيز الاقتصاد الفلسطيني من الناحية الاقتصادية. وفقًا لتقرير نشرته وول ستريت جورنال، اقترحت المملكة العربية السعودية استئناف المساعدات الاقتصادية للمؤسسات الفلسطينية الذاتية الحكومية. تم تجميد المساعدات السعودية سابقاً بسبب اتهامات بالفساد بين مسؤولي المؤسسات الفلسطينية الذاتية، حيث كانت 174 مليون دولار في عام 2019 وصلت إلى صفر في عام 2021. لذلك، قد ترغب المملكة العربية السعودية في أن يمر مشروع السكك الحديدية من حيفا إلى الأردن عبر أراضي فلسطين لتعزيز القطاع الاقتصادي هناك.
كيف يندرج هذا المشروع في خطط محمد بن سلمان؟
يمكن لمحمد بن سلمان أن يربط مشروع ربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا بمشروع “المدينة المستقبلية” أو نيوم، الذي يُقدر أن تكون استثماراته حوالي 500 مليار دولار. ومع ذلك، يقع هذا المشروع في غرب البلاد، وبالتالي يتطلب خطة لكيفية ربطه بمشروع النقل الإقليمي. إذا تم دمج نيوم في المشروع، فإن إسرائيل يمكن أن تستفيد بشكل كبير. طرف شمال غربي نيوم هو مضيق تيران، الممر البحري لبحر البحر الأحمر.
هل هذه مبادرة فريدة من نوعها؟
هذا المشروع ليس فريدًا من نوعه. قد شهد نقل البضائع عبر البر تطورًا أكبر في السنوات الأخيرة. تم تنفيذ أول قطار بضائع من الصين إلى تركيا في 4 ديسمبر 2020 عبر مسافة 8693 كيلومترًا في مدة 12 يومًا فقط. RZD Logistics، أحد الشركات التابعة للسكك الحديدية الروسية، كانت أول من استخدم ممر النقل الدولي شمال-جنوب لنقل البضائع بين موسكو وبومباي عبر إيران في يوليو 2022، ويقطع هذا المسار مسافة 7200 كيلومتر. ووفقًا لمصادر متخصصة في الهند، يقلل هذا المسار من وقت السفر من 30 إلى 45 يومًا عبر قناة السويس إلى 10 أيام فقط.