سيّد الأسرى الايرانيين … كيف شغف العراقيون بحبّه ؟

ان هذا السيد الجليل من اكثر الاسرى الايرانيين الذين صب البعثيون جام غضبهم فوق رأسه حيث كان يتعرض للتعذيب الوحشي في النهار وفي الليل ويحرم ايضا عليه النوم لكنه كان يوصي باقي الاسرى الايرانيين بالرد باحترام على سجانيهم عندما ينادونهم باسمائهم

2023-09-19

يشتهر “السيد علي اكبر ابو ترابي” رحمه الله، بأنه سيد الأسرى الايرانيين في سجون النظام البعثي البائد في العراق أثناء الحرب التي شنها ذلك النظام على الجمهورية الاسلامية الايرانية في الثمانينيات … لكن سيادته وامتلاكه للقلوب تخطى الاسرى الايرانيين في معتقلات النظام البعثي العراقي ووصل حتى الى سجانيه ومعذبيه وضباط الجيش العراقي المسؤولين عن المعتقلات.

 

وكان هذا السيد الجليل من اكثر الاسرى الايرانيين الذين صب البعثيون جام غضبهم فوق رأسه حيث كان يتعرض للتعذيب الوحشي في النهار وفي الليل ويحرم ايضا عليه النوم لكنه كان يوصي باقي الاسرى الايرانيين بالرد باحترام على سجانيهم عندما ينادونهم باسمائهم، وعندما يسأله الاسرى عن سبب ذلك كان يقول للاسرى بأن هؤلاء السجانون سيف يتكلمون عن هذا امام افراد عائلاتهم وأسرهم فان اولئك ستتولد لديهم محبة للثورة الاسلامية في ايران وسيصبحون في يوم من الايام اناسا جيدين.

واساليب التعذيب الوحشي التي مورست ضد السيد ابو ترابي في معتقل الاسرى في الموصل كثيرة ومنها غرس المسامير بالمطرقة في جمجمته والتي ظلت مغروسة وتتسبب له الالتهابات في الدماغ لحين الافراج عنه بعد 10 سنوات من البقاء في الاسر ، وكسر عظامه عدة مرات تحت التعذيب ومنها عظام رجليه وظلوعه ، وجروحه التي لم تضمد وتبقى مفتوحة وتنزف وتأكل منها جراذين السجن حينما تشاء وهي الحال مع باقي الاسرى الايرانيين ايضا في معتقلات الاسرى في عراق صدام المقبور.

 

ورغم ذلك كان السيد ابو ترابي قدوة لباقي الاسرى الايرانيين في محاسن الاخلاق ويعمل للتخفيف من معاناتهم من خلال رفع معنوياتهم حتى اصبح السجناء المندسون بين الاسرى الايرانيين والذين يعملون كمخبرين لسلطات السجن ايضا ممن يعظمون السيد ابو ترابي وانجذبوا اليه ، فحينما كانوا يوجهون له الشتائم يبتسم لهم ويشد على ايديهم ويتودد اليهم ، وحينما يعترض عليه باقي الاسرى الايرانيين لحسن معاملته مع السجناء المندسين والمخبرين لسلطات السجن كان يرد عليهم السيد ابو ترابي ” ان جرح الجسم يطيب مع الادوية والعلاج ، لكن جرح القلب لا مرهم ولا علاج له الا المحبة” وحينما كان يرد الاسرى بأن هؤلاء المندسين يستغلون مثل هذه الاخلاق العالية كان السيد يرد عليهم ” يجب ان نساعد بعضنا البعض، هنا الصعوبات كثيرة جدا ولا سبيل لجعل الحياة اسهل سوى المحبة” ثم طلب السيد من جميع الاسرى الايرانيين في المعتقل ان يقوموا بتعليم الآخرين اختصاصاتهم مثل اللغة الانكليزية والعربية والطب والخياطة والتاريخ والفن واي مهنة وعلم يمتلكونه.

وكانت الايام والشهور والسنين تمضي ودماء الاسرى تلون ارض المعتقل وجدرانه، وصريخ قسم منهم في منتصف الليل تحت التعذيب ، نغمة تملأ الاجواء اثناء نوم الآخرين ، لحين وصول الدور للآخرين لتلقي حصة التعذيب.

السجان كاظم العراقي

كان هذا السجان المكلف بالتعذيب يركز بشكل خاص على السيد ابو ترابي. لقد كان يمارس التعذيب ضد جميع الاسرى لكن حصة الاسد دائما كانت من نصيب السيد ابو ترابي، من التعليق من السقف واحراق الجسم والجلد واللكمات والركلات وادخال السيد في الكيس وجعله كيسا للملاكمة.

كان كاظم العراقي يمسك في يده دوما هراوة او سوطا ويمشي امام الزنازين وكلما يرى السيد ابو ترابي ينهال عليه ضربا ، وقد وصل حدة التعذيب الى مستوى جعل حتى السجناء الذين يعارضون الجمهورية الاسلامية في ايران او يتعاونون مع البعثيين يعترضون ضده، لكن كاظم العراقي كان يمسك السيد ويذهب به وبعد التعذيب يأتي به ويجره وخطوط الدم تلون الارض من ورائه.

 

رؤيا والدة السجان كاظم العراقي

لقد التزم الاسرى الايرانيون بما طلبه منهم السيد ابو ترابي بالرد بالاحترام على سجانيهم حينما ينادونهم لكنهم كانوا لا يظنون بأن كاظم العراقي ايضا سيتغير في يوم ما، لكن في احدى الليالي دخل السجان كاظم العراقي المعتقل منقلبا ورمى نفسه على اقدام السيد ابو ترابي واصبح يقبل رجليه ويديه ، والسيد ابو ترابي كان يبتسم كعادته ويقبل جبين السجان كاظم العراقي الذي امسك بكف السيد ابو ترابي وسمح به عينيه الفائضتين بالدموع قائلا ” ان والدتي رأت في عالم الرؤيا السيدة زينب سلام الله عليها وهي تقول لها ان ابنك يعذب اسيرا من أهل بيتنا ، فهل تعفو عني يا سيد ؟”.

لقد ادهش جميع الاسرى في المعتقل وباتوا ينظرون الى كاظم العراقي، لكن السيد احتضن كاظم العراقي واصبحا منذ ذلك اليوم صديقين حميمين. واصبح كاظم العراقي يتحدث عن جميع مشاكله مع السيد ويطلب منه الحلول ، وحينما تقرر نقل السيد الى معتقل تكريت ، ذهب كاظم العراقي نحو الحافلة وهو يجهش بالبكاء غير آبه بالعقوبات ، ونتيجة لمحبة السيد اصبح كاظم العراقي مسلما حقيقيا وبعد انتهاء الحرب العراقية الايرانية جاء الى ايران وطلب السماح وبراءة الذمة من 90 اسيرا ايرانيا كان يعذبهم في المعتقل وفيما بعد استشهد دفاعا عن حرم السيدة زينب سلام الله عليها ورزق حسن العاقبة.

السيد ابو ترابي كان يغسل ملابس الاسرى ويمازحهم لرفع معنوياتهم وكان يعلمهم باخلاقه السامية بأن في وجود كل انسان هناك بصيص من النور والامل ويجب ان لا نسمح باخماده لحين قوته وشدته ، وكان لا يفرق في الاسر بين اسير ايراني او سجين عراقي او ضابط عراقي او مسؤول ، انه كان يرى الجميع اناسا وكان يؤمن بقول الله عز وجل “وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً”.

وحينما زار الصليب الاحمر الدولي معتقل الاسرى الايرانيين لاول مرة (من اجل عملية تبادل للاسرى) رأوا هذا السيد الكبير في العمر وآثار الجروح بادية في وجهه وجسمه ، وكان مسؤولو المعتقل وضباط التعذيب كلهم ينظرون بغضب للاسرى الايرانيين حتى لا يتكلم احد منهم عن تعرضه للتعذيب ، وحينما اقترب احد كوادر الصليب الاحمر من السيد ابو ترابي ليسأله عن آثار الجروح على جسمه ووجهه وهل يتعرض هنا للتعذيب، أيقن الضباط البعثيون بأن السيد سوف يقول لهم الحقيقة ولا يخاف من البعثيين، وسيتكلم عن المسامير المغروسة في رأسه وباقي صنوف التعذيب لكن السيد اجاب ذلك الشخص بهدوء ” لكل مكان ظروفه الخاصة، وجود المدفئة في الشتاء امر جيد، السجن هو السجن والمعتقل ليس فندقا” لكن موظف الصليب الاحمر الذي علم بأن السيد ابو ترابي لا يريد التكلم ، اقترب من السيد اكثر وسأله بصوت خافت “هل جنود صدام يعذبونكم ؟” ولم يرد السيد بجواب واضح مجددا .

 

 

قائد المعسكر كان متعجبا جدا وكان يعلم بأن السيد لا يخشى احدا لكنه لماذا لم يجب على موظف الصليب الاحمر ؟ وفي اليوم التالي طلب قائد السجن (معتقل الاسرى) احضار السيد الى غرفته وقال له ” انني من الاشخاص الذين قمت بتعذيبك عدة مرات لكنك لم تتكلم عن هذا، هل خشيت من وجودي واحتمال تعرضك للتعذيب بعد ذهاب كوادر الصليب الأحمر ؟” فرفع السيد رأسه بوقار ونظر الى قائد السجن وقال ” لو كنت أخاف من مثل هذه الاشياء لما أتيت الى الحرب بقدميي” وكان قائد السجن واثقا من ان الخوف لا يدخل قلب السيد لكنه كان يريد ان يعرف سبب فعلته ، فاقترب السيد من طاولة مدير السجن وقال له ” كلما فكرت في ان اشكو العراق والمسؤولين العراقيين لم أر ذلك انصافا، نحن بلدان مسلمان على أي حال ونخوض حربا، وهذه الحرب ستنتهي وليست دائمية، لم ارد ان اشكو بلدا مسلما لدى الكفار، ولا استطيع الاجابة في يوم القيامة “.

وحينها تذكر ذلك الضابط البعثي بأنه قبل ان يكون بعثيا وممارسا للتعذيب فانه انسان مسلم، فنزع قبعته واجهش بالبكاء ونظر الى السيد بخجل وقال باكيا ” انت مسلم وانا مسلم ، اذا قلت لك بأنني ساخلي سبيلك فهذا كذب، لانني لا املك مثل هذه القدرة، لكنني سافعل كلما تطلبه سوى هذا”.

وشكره السيد وايقن انه باستطاعته ان يبقى في الاسر الى حين تحرير آخر اسير من المعتقلات العراقية ، وحينها طلب السيد طلبا عجيبا للغاية من الضابط العراقي وقال له “قم بتعذيبي” فتعجب الضابط العراقي وقال ” لماذا يا أخي ؟” فرد السيد قائلا قم بتعذيبي بالسياط والضرب دوما بذريعة انني لا التزم بالمقررات وتحت هذه الذريعة تنقلني من معتقل الى معتقل آخر وهناك ايضا نكرر الامر وتنقلني الى معسكر آخر وهكذا سابقى في السجون لحين تحرير آخر اسير ايراني في العراق لان اوضاع الاسرى الايرانيين في سجونكم صعبة واريد ان ابقى الى جانبهم واواسيهم حتى يستطيعوا تحمل المشقة “.

وعاد السيد الى المعتقل وقام الضابط بتعذيبه وهو يبكي، وبقي السيد علي اكبر ابوترابي في السجون 10 اعوام ، وكان سيد ألاسرى الايرانيين في المعتقلات العراقية.

 

المصدر: فارس