الخراب يعمّ أحياء عين الحلوة: سباق على النزوح من «معركة الإخوة»

ليس أدلّ على الخراب الذي أصاب مخيم عين الحلوة سوى بقايا أعلام ممزّقة ترفرف على حبل في حي حطين... علم فلسطيني وقد افترقت ألوانه عن بعضها، وعلم أصفر لفتح لم يتبقَّ منه سوى رسم اليدين اللتين تمسكان برشاشين بعد أن مزّق رصاص الاشتباك عبارة «ثورة حتى النصر».

2023-09-19

من بقوا في المخيم هم من تقع بيوتهم في أحياء «صافية» لم تشهد اشتباكات مباشرة، فيما تكتظّ بقية الأزقة بسيارات «بيك آب» محمّلة بأثاث المنازل إلى حيث لجأ سكانها في صيدا وجوارها.
يروي بائع القهوة صالح أنه نادراً ما رأى في السابق الشاحنات تعبر في شوارع المخيم الضيقة أصلاً: «العالم عم تتسابق في شحن عفش البيوت وإخراجه من المخيم، كنبايات وبرادات وغسالات وتخوت ومكيّفات وسجاد وفرش ولحافات، كلو عم يعبي بالبيك آب ويهرب فيه ع صيدا»، والبعض «أخرج حمامه وبهائمه من دائرة الخطر». لماذا يهربون وقد توقّفت الاشتباكات؟

يعتقد صالح بأن الهدوء لن يطول وأن جولة جديدة من الاشتباكات ستندلع عندما تصل مساعي تطبيق «اتفاق الرئيس بري» إلى بند تسليم قتلة اللواء أبو أشرف العرموشي، لأن «الدواعش لن يسلموا أحداً حتى ولو أدى ذلك إلى تدمير المخيم بكامله». مع ذلك يعجّ شارع سوق الخُضَر بالبائعين والزبائن، وفي الجوار «يُعمّر» شبان الأراكيل ويخوضون في نقاشات حول عدد القتلى والجرحى.

مدارس «الأونروا» التي حوّلها طرفا القتال إلى مواقع عسكرية نخرتها قذائف الـ B10 والآر بي جي وطلقات الدوشكا، وبعض الفجوات حوّلها المقاتلون إلى «طلّاقيات» للرمي بعدما رصفوا محيطها بخزائن الصفوف. المتقاتلون يعزّزون استحكاماتهم في المدارس، من إقامة دشم ومتاريس وفتحات في الجدران لوصل الأبنية بعضها ببعض لتأمين سهولة التنقل خلال الاشتباكات… الأضرار الظاهرة في مباني المدارس جسيمة جداً، حيث لم تشفع للمدارس الآرمات المعلّقة على مداخلها وعليها صورة رشاش وفوقه علامة المنع، وعبارات «من حقي أن أتعلم، من حقي أن ألعب»، وهو ما يجعل انطلاق العام الدراسي لـ 6000 طالب فلسطيني شبه مستحيل.

الحاجّة أم وائل كليب، عائدة إلى المخيم، لكنها في عجلة من أمرها: «جايين نأخذ بعض الأغراض من بيتنا ونضهر، لأن الوضع غير آمن، خرجنا تحت الرصاص بثيابنا التي نلبسها فقط». تكمل طريقها مع ابنها وابنتها في زواريب المخيم، فيما مجموعة أطفال تلهو ببنادق بلاستيكية، مقلّدة المقاتلين الذين يطلق بعضُهم النار على بعضهم الآخر. الأزقة رُصفت بالرصاص الفارغ وعلب القذائف. والشوادر ارتفعت عالياً بوجه القناصة في الصفصاف والطوارئ، وقد تضاعفت عمّا كانت عليه في الجولة الماضية، أما في حطين فالمعركة هناك «عالمكشوف»: كل شيء إما دُمِّر أو أُحرق. ويجزم أحد الضباط الفتحاويين بأن التكفيريين سرقوا محتويات المنازل في حي الصفصاف من أموال ومصاغ وحتى جرار الغاز»، مؤكداً أن «فتح» كانت في صدد «اقتحام الطوارئ والقضاء على الإرهابيين فيه، وقد جَهّزت لتلك المعركة العدد والعتاد وتم تخصيص 30 علماً لفتح لرفعها فوق مباني الإرهابيين. لكنّ اتصالاً لبنانياً قبيل ساعة الصفر أوقف كل تلك التحضيرات».
مقاتل سابق في «فتح» اقتنص الهدوء وتقدّم عند مدخل زاروب يؤدي إلى حي البراق، حيث ينتشر إسلاميون وراح ينثر حبات الذرة لطيور الحمام التي تكاثرت من حوله، وخلفه حطام شرفات محروقة وألواح زينكو «جعلكها» عصف القذائف.

ينصحنا مقاتلو «فتح» بعدم اجتياز الركام «لأن هدول ما إلهُمش أمان». نغيّر المسار صوب حي حطين المنكوب… هناك أيضاً يمنعنا عناصر «فتح» من الاقتراب لوجود قذائف غير منفجرة وانتشار الملثّمين. أمام مقر «فتح» في البراكسات يطلب إلينا المقاتلون التقاط الصور لمواقع المسلحين، ولكن من أمام الدشم التي أقاموها… نستغل الهدوء ونخرق خطوط التماس بخطوات حذرة لسرقة صورة، حيث معقل الإسلاميين في الطوارئ يتجلّل بالدشم والعوائق والشوادر، وكذلك استحالت واجهة مدرسة بيسان «منخلاً» وَبَهُتَت زُرقة علم «الأونروا» المنصوب على السطح.
تفترش الحاجّة السبعينية آمنة مسنداً على مدخل دارها وكأن لا معركة دارت رحاها خلف بابها، «يمّا وِينا الأنِروا تشيل هالزبالة المكومة، ما متناش من القذائف بدن يموتونا بالزبالة؟». النفايات تملأ شوارع المخيم، روائح وعصارات وحشرات وجرذان، كأن «الأونروا» وجدت في الاشتباكات ما يبرّر لها ليس فقط تقليص خدماتها بل وقفها نهائياً.

نغادر المخيم وفي آذاننا صدى صوت مسؤول فلسطيني متحدثاً عن مخاوفه من تحوّل المخيم إلى «نقطة ميتة» إمّا عبر تهجيره وتفريغه من ساكنيه، وإمّا عبر سيادة شريعة الغاب حيث تنتهي الاشتباكات لتطلّ بعدها عمليات الثأر العشائرية وتصفية الحسابات الشخصية، موضحاً أن معركة المخيم الحالية أصعب من معركة المخيمات في ثمانينيّات القرن الماضي لأنها اليوم معركة «داخلية» والطرف الخارجي فيها مستتر. «هنا الأخ يقاتل أخاه والعائلة تبكي الاثنين».

استراحة مقاتلي فتح؟
نشب بعد ظهر أمس، خلاف بين أحد قياديّي حركة «فتح» العسكريين محمد فتحي وعناصر حاجز الحسبة التابع للجيش اللبناني، إذ حاول أربعون مقاتلاً من قوات الأمن الوطني الفلسطيني عبور الحاجز باتجاه عين الحلوة وهم يرتدون بزات عسكرية. إلا أن الجيش رفض عبورهم، فانتظروا لساعات قبالة مدخل الحسبة. المقاتلون أتوا من مخيم البرج الشمالي في منطقة صور. وتمّ استدعاؤهم للحلول مكان المقاتلين الذين غادروا للاستراحة، أو رفضوا العودة إلى مواقعهم بعد انتهاء الاشتباك الأخير بين فتح والإسلاميين. الأمر الذي نتج عنه شغور في الحراسات في المواقع والدشم ونقاط المراقبة، ما دفع قيادة «فتح» لطلب تعزيزات من المخيمات الأخرى. فتحي الذي يشغل منصب نائب قائد محور جبل الحليب في «الأمن الوطني» أصرّ على دخول المقاتلين الأربعين. وبعد اتصالات، سُمح لهم بالدخول.
على صعيد متصل، عُقد اجتماع يوم أمس في مقر الاتحادات التابع لـ»فتح» في صيدا، بين ممثل «حماس» أحمد عبد الهادي وأمين سر «فتح» فتحي أبو العردات ومسؤول الملف الفلسطيني في حركة «أمل» محمد الجباوي للتباحث في تشكيل القوة الأمنية المشتركة المولجة بالانتشار في عين الحلوة لتثبيت وقف إطلاق النار وسحب المسلحين وإخلاء مدارس الأونروا. وبدأت الجهات التي ستساهم باللجنة، تقديم لوائح اسمية للعناصر الذين سيمثّلونها. ومن المقرّر أن تتشكّل القوة من «عصبة الأنصار» و«فتح» و»حماس» وأنصار محمد دحلان بقيادة اللينو.

باسل الحسن: الدور المنفوخ
نجحت حركة «فتح» في خلق عنوان خلافي داخلي اسمه باسل الحسن. والأخير، هو رئيس لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني التابعة لرئاسة الحكومة في لبنان. ويشرف الرئيس نجيب ميقاتي على عملها. لكنّ الحسن، المكلّف بتنظيم اللقاءات والاجتماعات الخاصة بتنظيم أوضاع اللاجئين الفلسطينيّين في لبنان، ذهب بعيداً في لعب أدوار سياسية تجاوزت وظيفته الإدارية، وصولاً إلى تحوّله طرفاً في النزاع القائم حالياً حتى بين الفلسطينيين أنفسهم، ما دفع بقيادة «فتح» إلى المطالبة بإقالته وتعيين بديل منه. وهو طلب قُدّم إلى رئيس الحكومة وقيادة الجيش والأجهزة الأمنية اللبنانية. وكان لافتاً تبنيه من النائب السابق وليد جنبلاط الذي طالب علناً بإقالته.
مشكلة الحسن بالنسبة إلى فريق «فتح» أنه يلعب دوراً في مواجهة نفوذها، وأنه قريب جداً من «حماس»، وعلى علاقة خاصة بقطر التي تقول «فتح» إنها تموّل المجموعات الإسلامية التي تقاتلها في عين الحلوة، مباشرة أو من خلال حركة «حماس». ويتحدث مسؤولون معنيون بالملف من لبنانيين وفلسطينيين عن دور سلبي قام به الحسن على أكثر من صعيد، وأنه غالباً ما يقدّم نفسه ناطقاً باسم الحكومة اللبنانية أو الجيش اللبناني.

الحسن المعروف بقربه من قائد الجيش العماد جوزيف عون يهتم أيضاً بالتواصل مع المنظمات الدولية المعنية باللاجئين الفلسطينيين، لكنه أقدم في الآونة الأخيرة على تبنّي طروحات وإعلان مواقف تتجاوز موقعه ودوره، ولا تعكس قرارات الحكومة اللبنانية. وهو وسّع من إطار علاقاته الفلسطينية، ليصل إلى بناء علاقة مع القيادي الفتحاوي المنشقّ محمد دحلان.
أكثر المواقف تطرّفاً التي أطلقها الحسن، جاءَ في مقابلة أجراها مع قناة «الغد» الفلسطينية التي يموّلها دحلان، وقال فيها إن هناك قراراً كبيراً اتُّخذ بمعالجة نهائية للسلاح الفلسطيني في المخيمات داخل لبنان، وبتشكيل قوة مشتركة داخل المخيمات لتنفيذ قرارات وقف إطلاق النار وتوقيف المطلوبين بالقوة، وألمح إلى أن الجيش اللبناني لن يبقى مكتوف الأيدي أو واقفاً على الحياد إزاء ما يجري.
وبحسب معلومات «الأخبار» فإن رئيس الحكومة وقائد الجيش أبلغا المطالبين بإقالة الحسن، أنهما يعتبران الخطوة الآن مسيئة كونها تعطي انطباعاً بأن لبنان الرسمي رضخ لضغوط القوى المتقاتلة، لكنهما وعدا بمنع الحسن من القيام بأي أدوار تتجاوز مهمته، وأنه سيكون خارج كل الاتصالات الخاصة بالوضع الأمني في المخيّمات بعد الآن.
د.ح
المصدر: الاخبار