الهشاشة تربية وليست طبيعة

الحزن ليس مؤشرًا للمرض النفسي، إنَّه جزء متكامل من الوجود الإنساني. وعندما يتم تحويل الحزن الطبيعي إلى مرض نفسي، فإن المراهقين والشباب الصغير لن يتمكنوا من تطوير وسائلهم الخاصة للتغلب على التجارب المؤلمة

2023-09-20

اسراء حسين

يمكننا أن نبحث عن الإجابة في ثنايا الحياة الصعبة التي عانى منها آباؤنا وأمهاتنا

هل الصلابة أو المرونة النفسية أمر نسبي يمكن تعويد النفس عليه وتدريبها على اكتسابه أم أنَّها طبيعة خلقية لا تتغير بتغير الزمان والمكان؟
يمكننا أن نبحث عن الإجابة في ثنايا الحياة الصعبة التي عانى منها آباؤنا وأمهاتنا، فكم التكنولوجيا الذي سهّل معيشتنا لم يكن متوفرا لهم حينذاك، وقد تخطوا مشقات وعقبات ربما لم يتعرض لها واحد منا، ومع ذلك لم نرهم يشتكون دائمًا من قسوة الحياة وصعوبة المعيشة، بل كان هذا هو الطبيعي السائد عندهم، يأتي نسيم طالب، الأستاذ بجامعة نيويورك، ليشرح لنا في كتابه: (ضد الكسر) أن الإنسان منذ صغره لديه مرونة نفسية تُمكنه من التكيف مع المؤثرات الخارجية وفقًا لاستجابته لها، ويقسم الناس إلى ثلاثة أصناف: ضعيف وقوي ومتين غير قابل للكسر لذلك، فإن استجابة جيل الشباب والمراهقين للضغوط قد تختلف جذريًا عن استجابة آبائهم وأمهاتهم لها، والسبب في ذلك يعود إلى التنشئة والتربية ومدى المرونة النفسية والقدرة على المقاومة والصبر على المكاره ومن هنا لاحظت الكاتبة البريطانية كلير فوكس أن كثيرًا من جيل الشباب يعيشون حالة الضحية بشكل دائم، تُجرح مشاعرهم من أقل شيء، ويشعرون بالإهانة من أصغر كلمة وأحيانًا يتعمدون إظهار هذه النفسية الضعيفة من أجل جذب التعاطف.
هذه الحالة الدائمة من الشعور بالضعف تحطم صلابة المرء النفسية وتجعله معرضًا للتحطيم بالكامل مع أول صدمة في الحياة الحقيقية وقياسًا على عالمنا العربي، فإنَّ إحدى تجليات هذا الأمر هو أنه في عام 2018م لم يكن مصطلح التنمر معروفًا بشكل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي، وفي غضون سنة واحدة فقط صار الجميع يشتكي منه ويبالغ في تقديره ويسارع بإعلان أنه تعرض للتنمر في موقف ما، لما لا ونحن نجد أنّه ما من شخصية عامة واحدة إلا وتنتقد التنمر، (حتى صار جذابًا للمراهقين أن يدعوا أنهم تعرضوا للتنمر، فهو مجلبة للتعاطف وأداة لجذب الانتباه، بدون أن يتم تحديد ما المقصود بالتنمر ابتداء؟).
ولهذا تنتقد فوكس هذه الحملة الرهيبة ضد التنمر – التي أُنفق عليها 1.4 مليار دولار في الولايات المتحدة منذ عام 2015م حتى 2020م قائلة: (الربط بين التنمر والمرض النفسي يثير قلقي، إنّ الصناعة المضادة للتامر هي التهديد الحقيقي للحالة النفسية للشباب صغير السن، فبدلا طمأنة الجمهور فإنّها تؤكد الآثار السيئة للتنمر وتضخمها وهذا يؤثر على ميكانزمات التكيف للشباب الصغير ومن سخرية الأمر أن هذا ينشئ مناخًا يحفز ظهور أعراض الاضطرابات النفسية وتستكمل فوكس: والآن نحن أمام جيل من المراهقين والشباب الذين يعتبرون أنفسهم ضعفاء وهشين ويعتقدون أن مناداتهم بألفاظ سيئة يؤدي إلى مرضهم نفسيا، وأنهم لن يستطيعوا النجاة بدون علاج نفسي من طبيب متخصص، إنّهم يضيفون المرض النفسي على كل شيء: مشاكل الحياة الاستقلالية اليومية، الامتحانات الجامعية، النقد الموجه لهم وغيرها من التفاصيل، نعم هناك تنمر سيء ومضر وينبغي محاربته، وثمة حالات انتحار مرصودة في العالم العربي لأناس تعرضوا للتنمر بشكل مؤذ جدا سلبهم أي ثقة في أنفسهم وأدخلهم في دائرة اكتئاب حادة بالفعل.
يقول فرانك فوريدي استاذ علم الاجتماع بجامعة كنت البرطانية: الحزن ليس مؤشرًا للمرض النفسي، إنَّه جزء متكامل من الوجود الإنساني. وعندما يتم تحويل الحزن الطبيعي إلى مرض نفسي، فإن المراهقين والشباب الصغير لن يتمكنوا من تطوير وسائلهم الخاصة للتغلب على التجارب المؤلمة.