داخل مساحة مسقوفة بالصفيح “باركس” وقفت “صمود” ذات 15 ربيعاً تحمل دميتها التي ألبستها ثوباً مطرزاً حاكته بنفسها، تروي تفاصيل المشقة التي تعيشها مع عائلتها في قرية “خلة الضبع” جنوب شرق الخليل، وكيف أنها أُرغمت على ترك مقاعد الدراسة خوفاً على حياتها من اعتداءات المستوطنين، لأنها تضطر إلى قطع مسافات طويلة، ووعرة في الذهاب، والإياب.
“صمود” هي حكاية كل فتاة وصبي يعيش في المناطق المهمشة التي تخضع لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي، حيث يعانون من التهجير اليومي، وهدم البيوت، والمدارس، وافتقار قراهم لأدنى مقومات الحياة، إضافة إلى الاعتداءات اليومية من المستوطنين.
في “خلة الضبع” لكل طفل وطفلة حكاية قُدمت ضمن مسرحية “صمود” التي ينظمها مسرح “نعم”، ضمن برنامجها “الحق بالتعليم” والذي يُنفذ في مناطق عديدة في مسافر يطا. ويشارك في العرض المسرحي أيضاً الطفل باسم دبابسة (13 عاماً)، ليروي حكاية معاناته في الوصول إلى مدرسته الوحيدة “التحدي” والتي هدمها الاحتلال مرات عدة، وكيف يدرس في خيمة تحت أشعة الشمس اللاهبة.
ويتحدث دبابسة ابن قرية الضبع، عن حياة المشقة التي يعيشها مع عائلته واضطراره إلى رعي الأغنام من أجل توفير لقمة العيش لأسرته، وكيف يحفر الصخر من أجل إيجاد كهف يعيشون فيه، ويقيهم حرارة شمس الصيف، وبرودة الشتاء. ويعبّر جابر الدبابسة أحد سكان “خلة الضبع” عن سعادته البالغة لمشاركة أطفاله في مسرحية صمود، وكسر حاجز الخوف، والرهبة من الناس، وكسب الثقة بالنفس من خلال خضوعه لتدريبات نفسية مع الاختصاصية زماعرة، وزملائها.
مساحة للتفريغ والتمكين
وتبين المشرفة على المسرحية سحر زماعرة، أن “صمود” نُفذت بعد ورشة عمل مكثفة امتدت شهرين كاملين، بحضور الأطفال، وأولياء الأمور، وكبار قرية “خلة الضبع”، وتوضح الإختصاصية النفسية والإجتماعية أن المسرحية أتت نتيجة احتياج ظهر من خلال الدراسة نفذه مسرح “نعم”، وأكدت وجوب التشاركية بين الأمهات، والأطفال لتقريب قنوات الاتصال والتواصل بينهم.
وتشير إلى استخدام الفنون التعبيرية والرسم ليحكي الأطفال قصصهم، فبعضهم عبر بالرسم فقط، وآخرين عبروا بالسرد، وبعضهم استخدم الوسيلتين. وتلفت زماعرة إلى ملاحظة وجود ضعف بالثقة بالنفس لدى بعض الطلبة، ومشاكل في مخارج الحروف، والتلعثم، والتأتأة، وبالعرض المسرحية تم تجاوز تلك المشاكل، من خلال ترغيب الأطفال، وتدريبهم على الوقوف على المسرح وسرد حكاياتهم من الحرمان من التعليم، ورعبهم من المستوطنين.
وتذكر أن خلال 30 لقاء مع الطلبة تم التركيز على التمكين النفسي، وتوظيف الدراما، وأدواتها، والمسرح كأداة لإعطائهم مساحة من أجل البوح عما يجول في خواطرهم، لمدة 30 دقيقة يومياً. وتوضح زماعرة أن المشروع يهدف لزيادة الوصول للبيئة التعليمية الموجودة في المناطق المهمشة، وتجاوز التحديات، وتعزيز مفهوم الحق في التعليم لدى الأطفال، لا سيما الفتيات وتوعيتهن بأن التعليم هو سلاح لهن، ومساعدتهم على الإبداع، وإطلاق العنان للخيال. وتهدف مسرحية صمود، وفقاً للاختصاصية الاجتماعية، إلى تشكيل ضغط ومناصرة على الجهات الحكومية والدولية من أجل الاهتمام بهذه الفئة المهمشة، وتسليط الضوء على قرى مسافر يطا من أجل جذب الاهتمام نحوها. وتؤكد أن المسرح بكل أدواته “وسيلة ومساحة آمنة للتفريغ والإبداع والابتكار، وعكس قضايا مجتمعية، وهو أداة لإيصال فكرة معينة، وهو مكان يتخذ منه الطفل فرصة للتعبير عما يجول في خاطره من مشاعر، وأحاسيس، وأفكار”.
وتتطلع زماعرة إلى تنفيذ مشروع “من الطالب للطالب” في مدينة الخليل وقراها، حيث يتم تدريب ثلاثة أو أربعة طلبة تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عاماً على ألعاب الدراما، والسرد القصصي، ليقوموا بجولة عروض لغيرهم من الأطفال من الفئة ذاتها، وستكون البداية مع أطفال “خلة الضبع”.