شقت الطفلة لور عبد الله الحسين طريقها بين جثامين عشرات الشهداء من بلدتها الفوعة في ريف إدلب الشمالي بعدما دخل الإرهابيون حارتها وباتوا على مقربة من أنفاس والدها. السماء التي نظرت إليها لور (ابنة الصف الرابع الابتدائي حينها) عشية هروبها الدرامي كانت محجوبة بالدخان الأسود، لدرجة ظنت معها أن الدخان سيحجب تضرعات أهلها بالنجاة، لكن الأقدار كانت قد ادخرت لها طريقًا آخر، لتصبح بعد سنوات قليلة الصبية التي ستنال العلامة التامة في الثانوية العامة في إنجاز لم يتحقق للكثير الكثير ممن لم يعايشوا جزءًا ولو يسيرًا من مأساة لور ابنة بلدة الفوعة المستباحة من الإرهاب.
النجاة بالنفس
تروي لور قصتها: “أنا لور عبد الله حسين من بلدة الفوعة، سكنت وأهلي في محافظة إدلب وبقينا فيها حتى سقطت وهُجِّرنا قسريًا من مدينتنا الحبيبة.. كنت في الصف الرابع وأذكر تمامًا قساوة هذه الهجرة والرعب والفزع الذي عشناه، فكان المسلحون يحاولون قنصنا، ونحن نمشي بين جثامين الشهداء والقذائف من فوقنا، فلم نكن نتوقع أن ننجو بسلام، لأن الموت كان الأمر المتوقع بالنسبة لنا ولا ندري بأية لحظة ستنتهي حياتنا.. لكن ولله الحمد نجونا بأعجوبة ووصلنا إلى بلدة المصطومة بخير وسلام، وبقينا فيها لمدة يومين ريثما تم فتح طريق اللاذقية، وبعدها أكملنا طريقنا الى اللاذقية”.
تجاوز التداعيات النفسية للإرهاب
بعد أن وصلت إلى اللاذقية التحقت مع أخيها بالمدرسة حتى قبل أن تلتئم جراحهما النفسية. وتابعت الفصل الثاني من الصف الرابع ومن ثم الصف الخامس والسادس، وهكذا حتى صارت في الصف التاسع، مشيرة إلى أنها لم ترض بالقليل بل أصرت على تفوّقها وسعت للحصول على المجموع الكامل في الامتحانات، لكن الحظ عاندها فنقصها عن المجموع الكامل ثلاث علامات وتسعة أجزاء، وهذا كان حافزًا لها كي تحقق المجموع التام في الثانوية العامة، فتقدمت لمدرسة المتفوقين وتم قبولها، وتابعت دراستها فيها وشاركت بأولمبياد الفيزياء والمناظرات المدرسية وسعت لكي تشارك في كل ما يجعل منها شخصًا مثقفًا ومتميزًا.
وشددت ابنة الفوعة المحتلة على أنها حين صارت في الثانوية العامة تعبت واجتهدت كثيرًا بالرغم من التنقل المستمر من منزل لآخر وعدم الاستقرار، وبعد المنزل عن المدرسة، ومعاناة المواصلات وعدم توفر التدفئة والإنارة في الشتاء وغير ذلك من الظروف غير الميسرة لتصل إلى ما تسعى إليه. ولفتت لور إلى محاولاتها المستميتة لترميم ما انهار من عزيمتها وخروجها من آلام الماضي لتحقيق حلمها وتميزها، ففي الدورة الأولى احتاجت الى جزء واحد لتنال المجموع الكامل وحصلت على نتيجة: ٢٨٩.٩/٢٩٠، فلم تقبل بهذه النتيجة بل استمرّت في السّعي وتقدمت للدورة الثانية وأكملت العلامة وحصلت على هذا الجزء الذي فاتها ليصبح مجموعها ٢٩٠/٢٩٠”.
بمزيج من الألم والفرح توجز لور لنا قصتها: “هذه هي مسيرتي وهذه هي نتيجتي وأنا أهدي نجاحي لأهلي الذين كانوا الدافع الأساسي والمحفّزين لي في كل خطوة.. ولأساتذتي وكل من ساعدني في هذه الرحلة المضنية”.
الفوعة البعيدة القريبة
تستعيد الطفلة لور في حديثها ذكريات سنواتها القليلة والجميلة في بلدتها الفوعة: “في الفوعة ذكرياتي الأغلى التي ستبقى محفورة في قلبي، بيت جدي الحنون، أيام كنا نجتمع مع أقربائنا، أيام السلام والدفء والعلاقات الطيبة”.
وتتابع: “أقسى يوم بالنسبة إلي هو الذي سبق خروجنا من الفوعة، حاولنا الهروب لكن للأسف كانت الدبابات أمامنا تطلق القذائف وتمنع كل من يحاول الخروج، فعشت لحظات لا أنساها”.