المنظمات النسوية في العالم العربي

حماية لحقوق المرأة أم تنفيذ أجندة استعمارية

منظمات ترفع عناوين حقوقية واجتماعية لا تشكل أولوية للمجتمع النسائي المحلي بقدر ما تعبر عن طروحات غربية تهدف لتنفيذ أجندة أممية يراد عولمتها تحت مظلة قضايا المرأة منظمات ترفع عناوين حقوقية واجتماعية لا تشكل أولوية للمجتمع النسائي المحلي بقدر ما تعبر عن طروحات غربية تهدف لتنفيذ أجندة أممية يراد عولمتها تحت مظلة قضايا المرأة

2023-09-20

من الجلي وجود حاجة فعلية للعمل من أجل إقرار قوانين وبرامج تسعى لرفع  وإزالة بعض الظلم الواقع على المرأة في المجتمعات العربية، والذي ليس هو نتاج الشرع والدين، بقدر ما هو مرتبط بتحكيم العادات والتقاليد والتي تطغى أحيانًا على تطبيق الشرع في كثير من الحالات . إلاّ أنّ بعض  الاطروحات التي تنادي بها  المنظمات النسائية العربية تثير المخاوف والتساؤلات أكثر مما تثير الأمل بالسعي لرفع الظلم عنها.

نلاحظ طرحها لمواضيع محددة على اعتبارها تهدد الحياة الأسرية في حين تغض الطرف عن مواضيع أكثر أهمية ويشكل حلها ضرورة لتحسين واقع المرأة ، فنراها ترفع عناوين حقوقية واجتماعية لا تشكل أولوية للمجتمع النسائي المحلي بقدر ما تعبر عن طروحات غربية تهدف لتنفيذ أجندة أممية التي يراد عولمتها تحت مظلة قضايا المرأة.

دور مشبوه للمنظمات النسائية

هذه الأجندة ترسم نمط حياة لن يقبله أي مجتمع محافظ لديه بقية من دين، أو حتى تقاليد محافظة ورثوها عن أسلافهم، تلك التقاليد التي ساهمت في الحفاظ على الفطرة نقية دون أن يشوبها كدر، وتًعد هذه القيم خطًا أحمر للحكومات لا تستطيع أن تتعداه، لذا لجأ الغرب على الشراكة مع المنظمات النسائية المحلية لكي يحظى بالاعتراف الرسمي دوليًّا بشراكته؛ كي يتمكن من دخول دائرة صنع القرار والضغط على الحكومات لتنفيذ مقررات تلك الأجندة الأممية مقابل دوران عجلة التمويل السخية وملء جيوب هؤلاء الوسطاء الذين ارتضوا أن يلعبوا دور رأس الحربة، وكما يقول المحلل السياسي الغربي كارلوس ميلاني:”إن فكرة الاشتراك المباشر للمجتمع المدني في الحياة الدولية قد أحرزت تقدمًا هائلاً في العقود الماضية، وأسهم في ذلك إلى حد كبير المؤتمرات الدولية للأمم المتحدة من حيث إسماع صوت المجتمع المدني بما يشكل ضغطاً على السلطات السياسية، وبدأت هذه اللعبة الخطيرة عام 1964م، إذ أفسحت الهيئة الدولية مكانًا لهذه المنظمات مع الحكومات، بل ووفرت لهذا القطاع المكانة القانونية بدعاوى إنسانية براقة كي تحظى بالقبول الدولي، ويتم السماح لها بالتغلغل في حياة الشعوب، بل وكتابة تقارير توازى التقارير الرسمية المقدمة من الحكومات.
وفي عام 1967م تم النص صراحة على ضرورة توسيع الدور الذي تلعبه تلك المنظمات غير الحكومية، وذلك في الإعلان الصادر عن هيئة الأمم المتحدة الصادر بعنوان (إعلان خاص بالقضاء على التمييز ضد المرأة) دعا هذا الإعلان إلى تغيير المفاهيم وإلغاء العادات السائدة التي تفرق بين الرجل والمرأة، مع زيادة مساحة الدور المعطى للمنظمات غير الحكومية، إذ نص على أن المنظمات النسائية غير الحكومية هي القادرة على إحداث هذا التغيير، عن طريق تحدي الأعراف والقيم الدينية والثقافية السائدة.

مؤتمر القاهرة للسكان والمنظمات غير الحكومية

ثم جاء مؤتمر القاهرة للسكان (1994م)، لتحدث نقلة كيفية و كمية في مستوى مشاركة المنظمات غير الحكومية ، حيث شارك بعض ممثلي هذه المنظمات في القاهرة ضمن الوفود الرسمية لبلادهم، وعمل المؤتمر على إبراز الدعم لدور المنظمات غير الحكومية؛ بهدف الترويج لمشاركة فعالة بينها وبين الحكومات العربية على كل المستويات وذلك وفق إجراءات تضمن دمج المنظمات غير الحكومية في عمليات اتخاذ القرار، وإدراجها ضمن الوفود الممثلة للدول في المؤتمرات الإقليمية والدولية. شكل هذا المؤتمر فرصة ذهبية لاختراق المجتمعات العربية بشكل مباشر، والتعرف عبر دراسات ميدانية على المدخل الأسرع لتنفيذ مقررات الهيئة الدولية، وبالفعل سرعان ما شهد المجتمع العربي طفرة هائلة في عدد الجمعيات الأهلية النسائية بعد مؤتمر القاهرة للسكان، ومع تدفق التمويل، تم تأسيس عشرات من المنظمات والتي تأسس عددًا لا بأس به استجابةً للاتجاهات الدولية خلال مرحلة الثمانينات والتسعينيات. كما شكلت -بصفة عامة- إمكانية الحصول على دعم أجنبي حافزًا قويًّا لتكوين هذه الجمعيات والتي تزايدت بطريقة ملفتة للنظر في مرحلة ما بين مؤتمر السكان والتنمية والمؤتمر الدولي الرابع للمرأة (بكين 1995).

والسؤال الذي يطرح نفسه رغم شذوذ كثير من أفكار هذه المنظمات إلا أن بعض الناس لا يجدون غضاضة في التعامل معهم؟ بل وسرت العدوى وفُتحت شهية الآخرين للسير على منوالهم، وصار تأسيس جمعية عمل من لا عمل له، فكل من يريد بابًا يدر عليه دخلا يبحث عما سيتمّ تمويله هذا العام؟ ويتقدم بمشروع لأحد الجهات المانحة وما أيسر هذا السبيل!

توجهات “التمويل” في تحديد ملامح تصميم المشاريع والحملات

يمكن لنا أن  نستنتج من واقع عمل هذه المنظمات لا شراكات متوازنة بين المنظّمات غير الحكومية والجهات المانحة، إذ إن وكالات التمويل قلما تُشرك شركاءها المحليين في بلورة السياسات. وكذلك هناك تغليب المشاريع القصيرة الأمد على الاستراتيجيات الطويلة الأمد، وما ينتج عنها من عدم استقرار “تساهم في تغذية ثقافة المنافسة التي تنظر الى المنظمات على أنها “شركات”. وتأتي مقاربة بعض القضايا لا لتعبر عن حاجة فعلية بقدر ما هي ” ترندات”  تظهر فجأة وتختفي فجأة وفق التمويل المتوفر، و”الممولون هم الذين يفرضون أجنداتهم على المنظّمات والتي لا تحدد أجندتها بنفسها.

وبناء ًعلى كل ما تقدم أليس من حقنا أن نرفض أو نشكك بكل حملة أو قضية تُسقَط من الخارج وتكون غريبة عن ثقافة وحيثيات مجتمعنا، وتحمل الخطورة على قيمنا وخاصة تلك الأسرية المستهدفة ما تحمله؟

في ظل محاولات فرض قيم ومعايير غربية غريبة عن مجتمعاتنا، وصدقت مقولة “اليزابيث تشينى” ابنة نائب الرئيس الأمريكي آنذاك والتي صرحت بها أكثر من مرة (أن نساء العرب هن أهم وسيلة لإحداث تغييرات في المنطقة)؛ لذا لن نمل من إطلاق صيحات التحذير من خطورة هذه المنظمات المدعومة والممولة من الخارج لأنها نجحت بالفعل في إحداث تغييرات في البنية الثقافية.
وشتان بين مؤسسات المجتمع الحقيقية، ومؤسسات المجتمع الصورية، فالأولى تتشكل من القوى الحقيقية للمجتمع، والثانية لا تمثل إلا أفراداً ولا تستند على قاعدة شعبية.

ختاماً ما ذكر في هذه المقالة ليس سوى لمحة بسيطة عن عمل المنظمات النسائية في العالم العربي، والتي تقوم بتنفيذ نظرة الغرب للمرأة في المجتمعات الإسلامية، وذلك بحجة المساواة وإلغاء التمييز، وغير ذلك من الشعارات التي يتخذها الأعداء ستاراً يختبئون وراءه من أجل شن حرب خفية على دول العالم الثالث، وعلى رأسها الدول العربية والإسلامية، من هنا فإن من واجب الحكومات الإسلامية والمنظمات الإسلامية والمسلمين والعرب الانتباه إلى ما يحاك ضدهم من جهة، ورفع الظلم الواقع على المرأة في كثير من المجتمعات الإسلامية من جهةٍ أخرى، وهذا يكون بالاحتكام إلى الشرع والدين عوض تحكيم العادات والتقاليد.

المصدر: الوفاق/ وكالات