الايرانيون صنعوا قوتهم:

الحرب المفروضة بداية البرنامج الصاروخي

يمكننا القول بأن التطورات الحالية ظهرت في الصناعات العسكرية، ما هي إلاّ نتيجة الاعتماد على المقدرة الداخلية في فترة الحرب

2023-09-27

يحيي الشعب الإيراني هذه الأيام أسبوع الدفاع المقدس لذكرى الحرب التي فرضها نظام صدام حسين على البلاد في 22 أيلول عام 1980م خاصة بعد إعلان صدام إلغاء اتفاقية الجزائر وقيام قواته إثر إعلان الإلغاء باقتحام الحدود الإيرانية بشكلٍ مفاجىء في مناطق خوزستان، فسيطر في أيام قليلة على مدينة “خرمشهر” الموازية للحدود، والتي بقيت تحت سيطرته حوالي السنتين، لتعود إيران وتسيطر عليها وأطلقت عليها اسم “خونين شهر” والتي تعني “مدينة الدم” نسبةً للمجازر والدمار الذي ارتكبته قوات النظام البائد آنذاك، وبأوامر من صدام، بحق قاطنيها.

 

كان الهدف الأول لصدام حسين من الحرب، وبدعم أميركي كبير هو السيطرة على مصفاة النفط في منطقة آبادان، والتي كانت تعد المصفاة الأكبر في العالم في ذلك الوقت، لكنهم فشلوا في ذلك.

 

نجحت القوات الصدامية بداية بالسيطرة على مساحة ممتدة على طول 800 كلم، وبعمق 70 كلم. لكن الجمهورية الإسلامية التي لم تكن بداية جاهزة للحرب، خاصة انها أتت بعد انتصار الثورة بفترة وجيزة، إلا ان الإيرانيين استطاعوا استعادة المناطق التي كانت القوات الصدامية قد سيطرت عليها. وشارك في الحرب المفروضة التي استمرت ثماني سنوات إلى جانب قوات صدام حسين عدد من التنظيمات الإرهابية كـمنظمة “منافقي خلق” الإرهابية، إضافةً للدعم الأميركي الغربي الكبير، لكن ذلك لم يحل دون تقدم القوات الإيرانية الجيش والحرس الثوري والبسيج(التعبئة) وانتقالهم من مرحلة الدفاع إلى الهجوم في ظل اعتماد تام على عوامل ذاتية داخلية على مختلف الأصعدة.

 

نماذج من الاعتماد على ” القوة الداخلية” في فترة الدفاع المقدس

 

من الإنجازات التي حققتها الجمهورية الإسلامية طوال السنوات الثمانية للدفاع المقدس هي البرهنة على أهمية الاكتفاء الذاتي وكانت نتيجة الاعتماد على المقدرة الداخلية في فترة الحرب. إن ما تمت البرهنة عليه في فترة الحرب المفروضة طوال السنوات الثمانية هو إمكانية الحصول على كل ما تحتاجه البلاد بالاستفادة من المقدرة الداخلية والمصادر المتوفرة بأيدينا، وجاءت التجربة في نهاية الحرب لتُفند النظرية القائمة على اعتبار العلاقة بالغرب أساس وقاعدة للتطور، وتحاول تجاهل القوة الداخلية لتظهر بأن تطور البلاد يتوقف على بناء العلاقة بالقوى الأجنبية العظمى. ونسعى في هذا المقال إلى إبراز أهمية رؤية الاعتماد على المقدرة الداخلية مقابل رؤية المنظرين بالاعتماد على الغرب عبر تقديم عدة أدلة من الحرب المفروضة.

 

عندما شن نظام صدام البائد الهجوم العسكري على إيران نهاية صيف 1980 كان البلدان يعيشان وضعاً مختلفاً، فمن جهة كانت إيران تعيش فرحة التخلص من مخالب الاستكبار الداخلي والاستعمار الخارجي بعد سقوط “الشاه”، مبتعدةً عن الغرب والقوى العظمى العالمية حاملةً لواء المستضعفين في العالم، المحاربين من قبل هذه القوى، في حين كان العراق يرتبط إرتباطاً وثيقاً بالغرب وأمريكا ويعتمد على مساعداتهم في مجال المعدات الحربية، وبدأ بشن الحرب على إيران.

 

في بداية الحرب واجهت القوة الدفاعية الإيرانية مُشكلات حقيقية، كان يعتقد صدام بعدم امتلاك إيران القوة الدفاعية القوية ووعد باحتلال طهران بمساعدة الغرب، ولأن إيران كانت بعيدة عن الدعم الأجنبي، فرفعت شعار “يجب أن يُلبي الإيراني حاجة الإيرانيين” وهكذا تحولت الأحلام إلى واقع بالاعتماد على الذات، لتُبنى الدولة المستقلة.

 

وقد ورد في ذكريات الجنرال سيد “رحيم صفوي” عبارات تدل على عدم وجود تناسق بين قوات الجيش في بداية الحرب:” بدأت الحرب في ظل عدم  تجهز واستعداد من القوات العسكرية، لم تصل أي إمدادات إلى الجبهات في الأيام والشهور الأولى للحرب، وكان الدعم اللوجستي ضعيفاً جداً”. يقول محسن رضائي في هذا السياق: ” كان يعادل عدد جنودنا عدد دبابات العراق، كان لدينا مقر واحد ولم يعرف أحد عنه إلا الإمام (قدس) وآخرين، كان فيلق 27 محمد رسول الله يشن هجماته من هذا المقر على العدو ويقضي عليه”.

 

وتُظهر ذكريات الجنرال “صفوي” عدم تمتع القوات الإيرانية في بداية الحرب بالمعرفة الكافية من حيث جهة الاستفادة من المعدات العسكرية، لذا أصبح تعليم القوات وتدريبها على رأس أجندة الأعمال، وبعد خضوعها للتدريب أُرسلت هذه القوات إلى الحرب، ووفقاً لذكريات الجنرال ” صفوي” عندما عرفت القوات الإيرانية ميادين القنابل العراقية، قررت حفر الخندق حولها، والذي بلغ طوله كيلومترين، وبسبب غياب الإمكانات الكافية حُفر الخندق بالوسائل المتوفرة مع القوات الإيرانية، الرمح، فضلاً عن ذلك واجهت إيران عراقيل وصعوبات كثيرة بداية الحرب المفروضة من جهة تأمين العتاد الصلب والأسلحة الحربية، حتى أنها لم تكن تستطيع توفير الأسلاك الشائكة لإستخدامها في الجبهة. كذلك يذكر الجنرال ” لطفي ” في مذكراته أنه ونظراً إلى قلة الإمكانات فقد كان يتم نقل القوات إلى جبهات الحرب بواسطة السيارات الشعبية، وكانت تفتقد القوات الإيرانية حتى للأجهزة الثقيلة في مجال الهندسة-العسكرية”.

 

الاكتفاء الذاتي في فترة السنوات الثمانية للدفاع المقدس

 

بما أن إيران في فترة الحرب لم تكن قادرة على شراء الأسلحة، فأصبح  توفير المعرفة الضرورية لإنتاج وصنع الأسلحة المحلية من مهامها الرئيسية، عن هذا الموضوع يرد في مذكرات سيد “رضا مير محمد صادقي” أنه :” في تلك الفترة سافرت إلى الكثير من الدول ومنها البرازيل، تعرفت في إحدى تلك الرحلات على الدكتور”بول”، الذي كان يحمل الجنسية الأمريكية، ويمتلك معلومات حول صنع الصواريخ، كان يعيش في بلجيكا بسبب اختلافه مع الإدارة الأمريكية”، بعد التحقق من المعلومات حوله وجه له السيد صادقي دعوة للحضور إلى إيران، وعند حضوره اجتمع ما يقارب 100 شخص في قاعة المنظمة للاستماع إلى محاضرته وفق مذكرات السيد ” صادقي”، بعد ذلك عقد اجتماع معه بحضور السيد “صادقي” أعلن فيه عن الدكتور عن استعداده لصنع صاروخ في إيران مقابل ستة ملايين دولار، لكن نظراً لعدم توفر الأموال والموارد في فترة الحرب ، صُرف النظر عن الموضوع، وعاد الدكتور إلى بلجيكا. ولكن استطاع الخبراء العسكريين الإيرانيين الإستفادة مما طرحه الدكتور في الإجتماعين من صناعة الصاروخ .

 

وهكذا، بعدما أغلقت أبواب استيراد الأسلحة من الخارج أمام إيران، اعتمدت ألجمهورية الإسلامية على قدرة أبنائها أكثر فأكثر، لذا يمكننا القول بأن التطورات الحالية ظهرت في الصناعات العسكرية، ما هي إلاّ نتيجة الاعتماد على المقدرة الداخلية في فترة الحرب، وقبل هذا لم  تكن إيران قادرة على صنع أي أسلحة حتى الخفيفة منها،  في حين أنها اليوم خطت خطوات ضخمة في الإنتاج العسكري وفي تصنيع الأسلحة المعقدة، وبالتأكيد تحقق هذا التطور بفضل قطع علاقتنا مع الغرب. وهكذا يمكننا القول بأن من نتائج الدفاع المقدس المهمة تقوية الاكتفاء الذاتي والاعتماد على المقدرة الداخلية.

 

 

الاعتماد على القوات الشعبية

في الجانب الإنساني كانت مقاربة الإمام الخميني ( قدس) والقوات الثورية المسلمة تتجلى في الاستفادة من القوات الشعبية على غرار الكثير من المجالات الاجتماعية والسياسية، فكان حضور القوات الشعبية التي دخلت بأمر من الإمام الخميني (قدس) ساحة الحرب، قد حالت دون تقدم القوات العراقية  في إيران، لذا كان السعي للتعرف على القدرات الداخلية والاستفادة من إمكانية القوات الشعبية موضع اهتمام الإمام الخميني(قدس).

 

أمّا في الجانب الاقتصادي، وبالرغم من استلام نظام صدام البائد أكثر 60 مليار دولار من الأنظمة الغربية مؤمناً احتياجات بلده المالية والاقتصادية، اعتمدت الجمهورية الإسلامية الإيرانية على المساعدات الشعبية لتأمين المصدر المالي الضروري لخوض حرب طويلة الأمد. في تلك الفترة كانت تشكل ميزانية العراق الدفاعية ثلث ميزانية البلاد كلها، في حين بلغت الميزانية الدفاعية الإيرانية ما نسبته واحد من إثنا عشر من ميزانية البلاد، من جهةٍ شكلت العقوبات المفروضة على الجمهورية الإسلامية عائقاً كبيراً أمامها، لكن بالرغم من كل تلك الظروف فقد انتهت الضغوط لصالح إيران.

 

 

ختاماً، لم يأت كلام الإمام الخميني(قدس) من الفراغ إذ قال ان الحرب والعقوبات الاقتصادية وطرد الخبراء الأجانب كانت هدية إلهية كنا غافلين عنها. فقال في وصيته:” لا تتوقعوا بأن يساعدكم من الخارج أحد ما في تحقيق أهدافكم وهو الإسلام وتنفيذ الأحكام الإسلامية، عليكم القيام بهذا الأمر المصيري الذي يحقق الحرية والاستقلال لكم”. الواضح في نظرة الإمام (قدس) هو تفوق النموذج الإسلامي مقابل النموذج الرأسمالي.

 

كما علينا أن نشير إلى اختلاف نموذج النظام الإسلامي عن الأنظمة الرأسمالية تمام الاختلاف، ففي الأنظمة المادية يتم الاعتماد على أسس القوة المادية لكن في النموذج الإسلامي والروحي مصدر القوة والاعتماد في المقام الأول يكون على العنصر المعنوي والإلهي وفي المقام الثاني يكون على المقدرة الداخلية للبلاد، إنّ ما ظهر في فترة الدفاع المقدس، يدل بوضوح على أهمية الاعتماد على المقدرة الداخلية الإيرانية.

 

أ. ش

المصدر: الوفاق/ وكالات

الاخبار ذات الصلة