ما هي الدولة التي منعت هزيمة جيش صدام حسين أمام ايران ؟

أوردت مجلة فورين بوليسي الاميركية في تاريخ 6 أغسطس 2013 تقريرا خاصا بها اماطت اللثام عن احداث هامة جرت خلال حرب الثمانية اعوام التي شنها نظام صدام حسين المعدوم على الجمهورية الاسلامية الايرانية في الثمانينات.

2023-09-27

تضمن التقرير ان الولايات المتحدة الاميركية كشفت خلال السنوات الاخيرة لتلك الحرب ان ايران كانت على اعتاب تحقيق تفوق استراتيجي عبر استغلال شقوق حصلت في خريطة انتشار قوات الجيش العراقي ويمكن اختراقها.

 

ونقل مسؤولون استخباريون اميركيون تلك المعلومة وكذلك مواقع انتشار واحتشاد القوات الايرانية الى الاستخبارات العراقية في بغداد ، وشملت هذه المعلومات صورا وخرائط عن تحشد القوات الايرانية والتحديد الدقيق للمناطق الجغرافية للمنشآت اللوجستية الايرانية وتفاصيل ومعلومات عن وحدات الدفاع الجوي الايراني.

 

وكان نظام صدام حسين المقبور يعتمد كثيرا على صور الاقمار الصناعية والخرائط والمعلومات التي يتلقاها من الاميركيين . والهجمات بالاسلحة الكيماوية على مراكز تجمع القوات الايرانية كانت تتم استنادا على الصور والمعلومات الاستخبارية الاميركية . وكان مسؤولو الاستخبارات الاميركية يعلمون جيدا بأن الجيش العراقي يستخدم الغازات السامة مثل غاز السارين.

 

يقول الدبلوماسي الاميركي الكبير ” بيتر غالبرايت” الذي عمل في غرب آسيا طيلة سنوات الحرب العراقية الايرانية وكذلك حرب الخليج الفارسي الثانية، في كتاب مذكراته الذي نشره في عام 2006 ” في اوائل عام 1987م كان يبدو ان ايران عازمة العقد على تحقيق الانتصار في الحرب وقد سيطر الحرس الثوري الايراني على شبه جزيرة الفاو ( النقطة الجنوبية والاكثر استراتيجية في العراق) والتي كانت مركز صادرات النفط العراقي قبل اندلاع الحرب ، كما سيطرت قوات البيشمركة الكردية المدعومة من ايران على المرتفعات الجبلية المحيطة باربيل وكانت الخشية ان تطال نيران المدفعية الايرانية الحقول النفطية في كركوك شمال العراق وهكذا يحرم العراق من نفطه في الجنوب وفي الشمال ولذلك مالت ادارة دونالد ريغن في واشنطن نحو تقديم الدعم والاسناد لنظام صدام اكثر من أي وقت مضى.

 

من جهته يقول الملحق العسكري الاميركي في بغداد العقيد “ريك فرانكونا” والذي كان ايضا من مسؤولي وكالة استخبارات الدفاع الاميركية(DIA) ان الاقمار الصناعية التجسسية الاميركية التابعة للسي أي ايه التقطت صورا تثبت بوضوح ان حجما كبيرا للقوات الايرانية احتشدت شرق البصرة .

 

وكان الامر الاكثر قلقا في هذه المعلومات بالنسبة لمحللي وخبراء وكالة استخبارات الدفاع الاميركية، ان القوات الايرانية اكتشفت شرخا في خطوط الاتصال بين القوات العراقية المنتشرة جنوب شرق البصرة ، وكان هذا الشرخ بين الفيلق الثالث للجيش العراقي ( المنتشر في شرق البصرة) وبين الفيلق السابع ( المنتشر في جنوب شرق البصرة واطراف الفاو) .

 

وحددت الاقمار الصناعية الاميركية مواقع وحدات الهندسة ومد الجسور الايرانية ، وهذه الاماكن اثبتت بأن هذه المنطقة هي المنطقة التي تنوي القوات الايرانية شن هجوم فيها .

 

ولهذا، وفي خريف عام 1987 ارسلت وكالة استخبارات الدفاع الاميركية تقريرا سريا تحت عنوان ” على بوابات البصرة ” (At The Gates of Basrah) الى الرئيس الاميركي دونالد ريغن وذكر المسؤولون الاستخباريون الاميركيون في هذا التقرير بأن الهجوم الايراني القادم في ربيع 1988 سيكون اعظم من كافة الهجمات الربيعية الاخرى.

 

لكن أين تكمن اهمية هذه المعلومات ؟ … لقد جاء في هذا التقرير بأن هذا الهجوم يمكن ان يؤدي الى كسر خطوط الجيش العراقي والسيطرة على البصرة … وتضمن هذا التقرير تحذيرا بأن ” اذا سقطت البصرة، سينهزم جيش صدام وستنتصر ايران في الحرب “.

 

وقد قرأ ريغن هذا التقرير وكتب في ذيله الى وزير الدفاع الاميركي آنذاك ” انتصار ايران غير مسموح” ، وعلى الاثر ، تم اتخاذ قرار في اعلى مستوى اميركي ، وسمح لوكالة استخبارات الدفاع الاميركية تزويد الاستخبارات العراقية بمعلومات دقيقة عن مناطق انتشار وتنقلات كافة الوحدات القتالية الايرانية.

 

وكالة استخبارات الدفاع الاميركية قدمت للعراقيين ايضا معلومات عن مناطق استقرار المنشآت اللوجستية الايرانية وقدرات القوات الجوية الايرانية ونظام الدفاع الجوي الايراني ، وتم اعداد هذه المعلومات ضمن حزمة اهداف تقوم القوات الجوية العراقية بتدميرها ، ومن ثم جاء دور الهجمات الكيماوية بغاز السارين السام ( يعرف باسم غاز الاعصاب) والذي يسبب الدوار والاختناق والتشنج العضلاني وصولا الى الوفاة.

 

وحتى عام 1988 زودت اميركا العراق بالمعلومات بشكل مستمر ، وفي مارس 1987 شن النظام الصدامي هجوما كيماويا على مدينة حلبجة الكردية في شمال العراق، وبعده باسابيع استخدمت القوات العراقية غاز الاعصاب ضد اماكن انتشار القوات الايرانية في شبه جزيرة الفاو واستعادت تلك المنطقة كاملة من ايران، وتفيد تقارير وكالة استخبارات الدفاع الاميركية ان ثلثي الهجمات الكيماوية العراقية شنت في 18 شهرا الاخيرة من تلك الحرب وان اكبر هذه الهجمات شنت تحت اشراف استخباري اميركي.

 

وذهب العقيد الاميركي “ريك فرانكونا” الى شبه جزيرة الفاو بعد استعادتها من الايرانيين وهذه الزيارة هي اثبات آخر بأن الهجوم الكيماوي شن تحت اشراف اميركي.

 

لقد حالت اميركا دون انهيار وهزيمة الجيش العراقي في السنوات الاخيرة من تلك الحرب، ويقول رئيس هيئة اركان القوات المسلحة الايرانية اللواء محمد باقري بشأن حجم الاسناد المقدم لصدام حسين المقبور ” لقد تم تدمير الجيش العراقي مرة واحدة (المعدات القتالية كالمدرعات والمقاتلات الحربية) خلال 8 سنوات من الحرب بالكامل، لكن الجيش العراقي كان يمتلك في نهاية الحرب ضعفي المعدات التي كان يمتلكها في بداية الحرب، ومن احدث المعدات في العالم”.

 

وقد اكد سماحة قائد الثورة الاسلامية آية الله العظمى السيد علي الخامنئي خلال استقباله لقدامى المجاهدين المشاركين في تلك الملحمة الدفاعية المقدسة ، قبل أيام، ” ان كافة القوى العظمى في تلك الحقبة اجتمعوا في جبهة واحدة في الهجوم علينا وساهموا في الهجوم على الجمهورية الاسلامية والثورة الاسلامية ، اميركا بشكل ما ، والدول الاوروبية المختلفة كل بطريقة ، وتكتل الشرق الذي كان يقوده الاتحاد السوفيتي بشكل آخر، وكان يقال بأن المشجع الاول للهجوم على ايران هم الاميركيون ، والان قد تم نشر وثائق عن ذلك …. وخلال الحرب فان اكبر مساعدة وهي المساعدة الاستخباراتية كان يقدمها الاميركيون (لصدام)، والحال في تلك الايام كان مختلفا عما هو عليه الان، ولم تكن الامكانيات المتوفرة الان، موجودة في حينها، لكن الخرائط الجوية كانت متوفرة لدى الاميركيين بسهولة ، وكانوا يلتقطون الصور لاماكن وخريطة انتشار قواتنا ويزودون هؤلاء (العراق) بها باستمرار ، وهذا الدعم الاميركي قد ثبت تقديمه، وكان الاميركيون يزودون صدام بتكتيكات الحرب”.

 

أ.ش

المصدر: وكالة فارس

الاخبار ذات الصلة