لندن – د. أحمد الزين
على أعتاب ذكرى ولادة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وحفيده الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، تحي الأمّة الإسلامية احتفالية الذكرى العطرة لولادة نبي الهدى ورسول الرحمة و سيد البشرية والإنسانية، حيث أجمع فقهاء وعلماء المسلمين بانه وُلِد في شهر ربيع الأول من عام الفيل، ولكن اختلفوا في تحديد يوم ولادته المباركة، حيث المشهور عند علماء المسلمين الشيعة الأمامية هو في 17 ربيع الأول، بينما ذهب أكثر علماء أهل السنة الى أنه في 12 ربيع الأول. وقد وصف الله سبحانه وتعالى الرسول (ص) مخاطباً إياه قائلا: “وإنك لعلى خلق عظيم”، وقد سُمي خلقه عظيما لاجتماع مكارم الأخلاق فيه، حيث روي عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، والتي جعلته “هدى ورحمة للعالمين”. وقد وصفه الشاعر قائلا: “ولد الهدى فالكائنات ضياء”، لأنه أضاء الكون بنور الإيمان وبالنور الإلهي.
وقد اضاف الإمام الخميني (قدس) على هذه الاحتفالية فكرة رائدة من أفكاره القيّمة بجعل تاريخيّ ولادته المشهورين عند أهل السنة والشيعة منطلقا للوحدة بين المسلمين، فأعلن بينهما “أسبوع الوحدة الإسلامية”، مناسبة مباركة يُحتفى بها كل عام، لتكريس التعايش الحضاري بين المسلمين باختلاف مذاهبهم دون عداوة بينهما او إلغاء الواحد للأخر، وعدم تكفير بعضهم البعض.. ولتعزيز نشر ثقافة الرحمة والمودة والرأفة والألفة والاخوة بينهم، قدوة برسولنا الخاتم محمد (ص) الذي كان في جميع أقواله وأفعاله، وفي سيرته العطرة يمثّل الرحمة والعطف والاشفاق والخلق العظيم ويجسّدهم قولاً وعملاً.. وهو يمثل نموذجا ومثالا لنا في سلوكه ونهجه واتّباع طريقه، والعمل لطاعته، لأنّ طاعته هي من طاعة الله تبارك وتعالى.
فقد أستنهضت هذه الوحدة الإسلامية الأمة وأنارت فكرها، وتركت آثارها في تجديد الخطاب الإسلامي التوعوي الرصين، وأضاءت درب أبنائها من العلماء والخبراء والكتّاب والمفكرين والباحثين في إحياء مشروع الوحدة الاسلامية من جديد، وفي كيفية تحقيق المسعى التاريخي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، لوضع الرؤى الفقهية والمنطقية لحلّ الخلافات المذهبية والاجتهادات الخاطئة التي نتج عنها تداعيات فرقة وفتن وإنقسام وإحقاد… وتحويل هذه الوحدة الى فرصة عظيمة لتنشيط الحوار الفاعل والهادف، والى محطة ومنارة للتلاقي في أجواء بحثية وفكرية وحضارية لإنتاج تراث ديني وعلمي وفلسفي وفقهي وثقافي وإنساني يتسم بالحداثة والتجديد والإبداع..
وقد تكثر في أسبوع الوحدة الإسلامية إقامة المؤتمرات والندوات واللقاءات والمسيرات وإحياء الاحتفالات والمناسبات التي تسهم في وحدة المسلمين وتوحيد كلمتهم ورصّ صفوفهم، وتشكل منطلقا لعرض ومراجعة سيرة الرسول (ص) وسنته وأحاديثه ومواقفه.. وإستنباط أفكاره النيرة وقيمه الاخلاقية ومبادئه الإنسانية.. للتآسي والاقتداء بهم وبتراثه العظيم وتطبيقهم في أقوالنا وأفعالنا تطبيقا صحيحا بصدق وإيمان، وإسقاطهم على واقعنا الإسلامي ومجتمعاتنا المتناحرة، من أجل محو كل الافكار المضلة والمفاهيم الخاطئة والمسميات المستحدثة المفتنة من قبل هواة الشقاق والفتنة والضلال، وراعيي التفرقة والانقسام، ومفتيي التعصب والتكفير، ومخططيي التصادم والإقتتال.. والعمل على تصحيحها وتنقيتها من الشوائب وتقويمها.. وإستبدالها بالمفاهيم القرآنية والقيم المحمدية الاصيلة ومبادىء الأصالة وأفكار الحداثة والتنوير المستوحاة من السيرة النبوية الشريفة النقية الطاهرة الخالية من أي دسّ أو تحريف أو افتراء أو سوء الفهم أو سطحية الطرح أو ضحالة البحث أو خفة المقاربة أو جهل المقصد أو قصر التأويل أو خطأ التفسير أو ضعف الحديث..
من هنا، تكمن أهمية “أسبوع الوحدة الإسلامية” كفرصة عظيمة لتقديم الطروحات العلمية والفكرية وبحوث المدارس العقائدية والفهقية التي تتبنّى إجتماع العلماء والنخب والمثقفين والباحثين.. وتلاقي أبناء الدين الواحد على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم للتعرف على بعضهم البعض عن كثب، من أجل توحيد القلوب، وتوطيد وتحسين العلاقات الودية والاخوية بينهم، والتي بدورها تساهم في درء الفتن والاحقاد والمخاطر والنزاعات عنهم.
ومن الاهمية بمكان أيضا تقوية أواصر التعاون والتضامن والتنسيق والتواصل والتلاحم والتكافل والتكاتف.. وتعزيز الامن المجتمعي والتعايش السلمي الحضاري فيما بينهم.. مما يساهم هذا الاستقرار في تعزيز قيم الإيمان والتدين والتربية الصالحة لاجيالنا، وزيادة قوتهم وعزيمتهم وارادتهم في تحقيق التقدم والتطور والسمو والرفعة والعزّة والكرامة ورفع راية الإسلام عاليا بين الامم والاقوام.. تخولهم لان يصبحوا قوة جبارة مقتدرة يردعون ويرعبون بها أعداءهم وأعداء الله والدين والانسانية. وعلينا ان نتعلم من تجارب الامم والسنن التاريخية التي تفيد بان عوامل قوة الاتحاد والوحدة والإستقرار تساهم بشكل كبير في إرتقاء شعوبهم وأمجاد اوطانهم وبناء العمران والحضارات.
اذن، الوحدة الإسلامية وتوحيد المسلمين لا يوجب ان يكون قرارا تكتيكيا عند مواجهة التحديات فقط، بل يجب ان يكون خيارا استراتيجيا أصوليا مستداما قائما على أسس القواعد القرآنية والسيرة المحمدية والبطولة الحيدرية والتضحية الحسينية والركائز الولائية.. والله تعالى يدعو الى التوحيد ويبارك الوحدة كما جاء في كتابه الكريم: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ} ﴿آل عمران – ١٠٣﴾، و {إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} ﴿الأنبياء – ٩٢﴾.
ومن أهداف الوحدة الإسلامية واحدى الغايات المبتغاة لتوحيد المسلمين هي تعزيز عامل القوة والاقتدار والتمكين وتوحيد الجهود والطاقات والقدرات لبناء “قوة ردع إسلامية عالمية متحدة”، وتوحيد الساحات والجبهات من أجل الدفاع عن حقوق الامة، ولتحرير الاراضي الإسلامية المحتلة، والدفاع عن مقدسات الامة واستعادتها من أيدي الصهاينة الغزاة المحتلين وعلى رأسهم القدس الشريف، لتكون العاصمة الابدية لدولة فلسطين، مع ضمان عودتها إلى أحضان الأمة الإسلامية.
هذه “القوى الاسلامية” تستوجب حماية عقائد المسلمين الدينية وحماية القرآن الكريم من التدنيس وحماية قيمهم الحضارية.. وعليها مواجهة أعداء الإسلام والحرب الناعمة الغربية الذين يشكّلون جبهة واحدة في محاربة الدين الإسلامي بدءاً بالاستكبار العالمي وعلى رأسهم أمريكا والصهيونية اللذين يستفذون المسلمين بحرق القرآن الكريم وتدنيسه.. ونشر الدين الابراهيمي الخطير والترويج لمشاريع التطبيع والتهويد والاحتلال..
كما واجب هذه “القوى الاسلامية” التصدي للغزو الفكري والثقافي والاعلامي الغربي الذي ينشط في نشر الافكار الوثنية والإلحادية والشذوذ والمثليية والجندرية (والجنس الثالث) وإعادة عبادة الاوثان والاصنام من جديد.. من خلال بناء معابد وهياكل ومراكز العبادة للهندوس والبوذية والبهائية والسيخ وغيرهم في دول العالم ومنها، الامارات والبحرين والسعودية.. هذه المخططات الشيطانية تستهدف عقيدة التوحيد والدين الإسلامي الحنيف وتعمل على طمس الهوية الاسلامية.. وعلى هذه “القوى الإسلامية” مسؤولية التصدي لمخططات الدول الاستكبارية والصهيونية العالمية التي تسعى دائما للهيمنة والغطرسة والسيطرة على البلدان العربية والاسلامية لاخضاعهم وإحتلالهم ومصادرة قرارهم السيادي الحر..ّ ليسهل عليهم نهب نفطهم وغازهم وثرواتهم وخيراتهم..
لذلك، تشكل الوحدة الإسلامية سلاحا حاميا يبعد مخاطر التقسيم والتجزئة والاحتلال.. وحاجزا رادعا يخمد إثارة الفتن المذهبية والطائفية والتفرقة.. وسدا منيعا يوقف نار الاقتتال والخراب والدمار والحروب التي تعمل تلك الدول الاستعمارية والاستكبارية على إذكائها ليلا نهارا في الغرف السوداء خدمة لمصالحهم وأطماعهم..
أذن، الوحدة الاسلامية هي سلاح قوي بل تعتبر من اقوى الاسلحة الناعمة الفاعلة وامضاها في حماية الامّة ومصالحها وردع أعدائها، وهي سرّ قوتنا وعزّتنا وأقتدارنا وتقدمنا المستمر وإنتصاراتنا المتتابعة في كل ساحات المواجهة مع أعدائها..
أ.ش