أحد كبار قادة الحرس الثوري الإيراني في الحرب المفروضة

الشهيد محمد علي جهان آرا.. لواء المقاومة

تضحيات هذا الجنرال الشهيد خلال معركة خرمشهر الدموية معروفة للجميع واسمه يستحضر الصمود والثبات في مواجهة العدوان الصدامي

2023-10-03

إنّ السابع من شهر مهر لعام 1360 هو بمثابة تذكير باليوم الذي فقدت فيه إيران الإسلامية، جمعاً من أفضل قادتها العسكریین المخلصین. في مثل هذا الیوم، نال الشهادة محمد علي جهان آرا مع جمع من كبار القادة العسكریین مثل اللواء ولي الله فلاحي، واللواء موسی نامجو، واللواء جواد فكوري.

 

الشهید  محمد علي جهان آرا هو قائد خرمشهري رشيد، تجد اسمه في كل مكان تمشي فيه في هذه المدينة، وإذا سألت أي شخص عنه، يقول بكل فخر إنه ابن خرمشهر. وعلى الرغم من أن عائلته لم تكن في وضع مالي جيد، إلا أن حب أهل البيت علیهم السلام،كان في أعلی مراتبه في هذه العائلة الدينية وتعلم الشهید محمد علي دروس الحياة من هذه الأسرة.

 

خلال النضال الثوري ضد النظام البهلوي البائد، تم اعتقال الشهید محمد علي جهان آرا وتعذيبه عدة مرات على يد السافاك، لكن ذلك لم يمنع شاب خرمشهر الثوري من التخلي عن هدفه ومواصلة القتال والنضال في صفوف المقاتلين الثوریین، ضد النظام البلهوي ومن أجل مُثُل  وقیم ومبادئ الإمام الخمیني(ره) والثورة الإسلامیة المجیدة. وبعد انتصار الثورة الاسلامیة الایرانیة، لعب الشهید محمد علي جهان آرا مع مقاتلين آخرين من مدینة خرمشهري الباسلة، دوراً مهماً في الحراسة  والصیانة عن قیم ومبادئ الثورة الإسلامية بقیادة الإمام الخمیني(ره).

 

كان الشهید محمد علي جهان آرا، أحد كبار قادة الحرس الثوري الإيراني في الحرب المفروضة ومقاتلاً ضد النظام البهلوي، ولعب دوراً رئيسياً في عمليات مثل معركة تحریر خرمشهر وفك الحصار عن آبادان، كما حارب المنافقين والعملاء المرتزقة قبل الحرب المفروضة، الذین تم استفزازهم من خارج الحدود، فدفع وأحبط العديد من المؤامرات التي كانت تحاك ضد النظام الإسلامي، وقبل الثورة الإسلامية الإيرانية، انخرط الشهيد جهان ارا في النضال السياسي والثقافي والمسلح ضد النظام البهلوي من خلال العضویة في جماعة حزب الله السرّي بمدینة خرمشهر ومجموعة “منصورون”.

 

ولد الشهيد محمد علي جهان آرا في 9 من شهریور عام 1333 ه.ش بمدينة خرمشهر في محافظة خوزستان، ومن سن الــ15 عاماً عارض وناضل ضد النظام البهلوي، وأصبح عضواً في جماعة حزب الله في خرمشهر، واستمراراً لهذه الأنشطة السياسية، اعتقله السافاك عام 1351هــ.ش، وسُجن لمدة عام واحد.

 

وبعد خروجه من السجن عام 1354هـ.ش، دخل الجامعة. وفي الجامعة استمر نشاطه السياسي، فأسس مع أصدقائه الرابطة الإسلامية لكلية التجارة العليا. وقامت هذه الرابطة الإسلامية بتوزيع الإعلانات الثورية والمنشورات والبيانات المناهضة للنظام بین الطلاب، ومع بداية الثورة الإسلامية، وسّع نضاله ضد النظام البهلوي بالتزامن مع الشعب. في الواقع، امتد نطاق نضالات الشهید جهان آرا إلى طهران وقم ويزد وأصفهان وكاشان. اعتقل ضباط السافاك شقيقه علي، عام 1357 ه.ش وعذبوه حتى الشهادة.

 

وفي عام 57 ه.ش قرر الشهيد جهان آرا الذهاب إلى سورية لكسب المزيد من التجارب العسكرية ودخول دورات تدریبیة وكان الشهيد السيد علي اندرزكو مشرفاً على هذه المهمة، وقبل أن يتوجه الشهيد إلى سورية وقعت مذبحة 17 شهریور الدامية بطهران، فانصرف الشهيد عن قراره، وقرر البقاء في إيران لمواصلة النضال ضد النظام البهلوي.

 

الشهید جهان آرا بعد انتصار الثورة الاسلامیة

 

 

عاد المقاتل الثوري إلى مدینة خرمشهر بعد انتصار الثورة الإسلامية وأنشأ المركز الثقافي العسكري للثوار المسلمين من أجل تحقيق أهداف الثورة الإسلامية. كان الغرض من هذا المركز هو حماية النظام الثوري الناشئ ضد هجمات بقایا النظام البهلوي أو مؤيدي انفصال محافظة خوزستان.

 

وبعد انتصار الثورة، واصل الشهید جهان آرا نشاطه الثوري وأصبح قائدا لحرس الثورة الإسلامية في مدينة خرمشهر، ومع بدء الحرب المفروضة على إيران، وقف ضد غزو النظام الصدامي، بقوات الفيلق والقوات المسلحة و القوات الشعبیة، حتى تمكنوا من تأخير العدو لمدة 45 يوما ومنع سقوط خرمشهر بید العدو.

 

السيد محمد علي جهان آرا، قائد فيلق حرس الثورة بمدینة خرمشهر، لعب دوراً فعالاً جداً في مقاومة وصمود خرمشهر ضد هجوم النظام الصدامي على إيران، حیث تُذكر دائماً مقاومة خرمشهر باسم هذا الشهيد. في ذلك الوقت وبسبب قلة خبرة الحكومة المؤقتة في توفير المطالب الأساسية والطبيعية لشعب المنطقة المحروم،كانت بعض الجماعات تحاول جعل الناس يتشاءمون من الثورة وقيادتها، لیقوموا بمعارضة النظام. وبهذا أصبح التیار المنحرف والتبعي لـلجماعات المنفصلة، إحدى أدوات الاستكبار العالمي في المنطقة، ليعلن وجوده بدعم حزب البعث، لنشر أهداف الاستكبار، ومواجهة نظام الجمهوریة الإسلامیة الایرانیة بكل ما یمتلكه من قوة. وفي هذه الحالة تم تعيين الشهيد جهان آرا قائداً لحرس الثورة الاسلامیة بمدینة خرمشهر وتمكن من التصدي لهذه الفوضى والتعامل بحزم مع العناصر الانتهازية وتم تفكيك هذه المجموعة المضادة للثورة. في هذه المرحلة، كان الإجراء الأكثر أهمية الذي قام به الشهید جهان آرا هو التصدي و المواجهة للأعمال التخريبية في مدینة خرمشهر.

 

بعد التصدي للأعمال التخریبیة والمعادیة للثورة من قبل المعتدين، أسس هذا الشهيد الفخور والشعبي منظمة جهاد البناء في مدینة خرمشهر، وشجع موظفي الحرس الثوري الإيراني على حماية إنجازات الثورة والوقوف ضد العملاء الأجانب، والإسراع في خدمة ومساعدة أبناء الريف والعرب القاطنين في المناطق الحدودية الذين تعرضوا للغزو الثقافي للعملاء الأجانب. وفي الواقع، اعتبر أن عاملي الفقر والجهل هما الأساس للنشاط المضاد للثورة في المنطقة، ومن خلال فهمه لهذه القضية، مع الاعتماد على النضال المستمر ضد العوامل الأجنبية، أصر على ضرورة العمل الثقافي وتلبية احتياجات سكان المنطقة.

 

المقاومة والإبداع الملحمي في خرمشهر

 

 

نجاحات هذا المفكر العسكري في خرمشهر، أدت إلى تعيينه قائدا لحرس الثورة في أهواز، مع احتفاظه بمسؤولية قيادة فيلق حرس الثورة بمدینة خرمشهر. وعلى الرغم من نقص القوات والإمكانیات العسكریة، فقد دافع الشهید جهان آرا عن مدينة خرمشهر ضد غزو النظام الصدامي.

 

وتكمن أهمية هذه القضية في أن المقاومة في خرمشهر كان لها تأثير كبير على مصير الحرب. وقال اللواء غلام علي رشيد، مستذكرا الشهيد محمد جهان آرا كرمز لمقاومة المقاتلين الإسلاميين في خرمشهر: إن المقاومة في خرمشهر لم يكن لها تأثير مباشر على وضع المناطق المجاورة مثل آبادان فحسب، بل أثرت أيضا علی مصير الحرب بأكمله، وتسببت بتأخر الهجوم العراقي علی مدینة أهواز، حیث لم يتمكنوا من تحقيق أهدافهم أثناء استمرار الحرب. وبسبب هذه الإقدامات، حصل الشهید جهان آرا على لقب لواء المقاومة.

 

يعود مسار مدینة خرمشهر إلى قيام قوات النظام الصدامي بشن هجوم على مدينة خرمشهر في 31 شهريور عام 1359ه.ش، وكانت قوات النظام الصدامي على يقين من أنها ستتمكن من الاستيلاء علی خرمشهر خلال 24 ساعة، بكتيبتين من القوات، وبعد ذلك أنهم سيكونون قادرين من الوصول إلى آبادان عبر جسر ذو الفقارية، وبعدها الوصول إلى أهواز بفاصلة قصيرة، وفصل محافظة خوزستان عن ایران، لكن توقعات المعتدين الصداميين أخطأت واضطروا إلى إيقاف جزء كبير من قوتهم العسكرية في هذه المرحلة والتأخير لمدة 45 يوماً أمام المقاومة الشجاعة لأهالي مدینة خرمشهر، وأخيراً بعد عبور جسرَي كارون و بهمنشیر، حاصروا مدینة آبادان.

 

يقول الشهيد جهان آرا عن أحد مشاهد هذه الملحمة العاشورائیة: “لم يكن لنا أمل في النجاة، لقد رأينا الموت، وكان الجنود يدلون بوصیاتهم لاسلكياً،  لقد كان مشهدا مؤلما للغاية. أراد الجنود إطلاق النار، فقلت: نحن سنموت، على الأقل دعونا نضرب عدداً منهم، ثم نموت.وكانت الدبابات تأتي من جميع الجهات. وعندما وصلوا إلى مسافة 150 متراً، أمرت بإطلاق النار. كان لدينا أربع قذائف آر بي جي، أصاب الجنود الدبابة الأولى عندما نهضوا من الحفرة (الساتر)، والثانية كانت تتراجع عندما اصطدمت بجدار أحد منازل الميناء. وثم تراجعت سيارة الشهيد، وعندما رأيت تراجع الدبابة، نهضت وصرخت: الله أكبر، الله أكبر، اهجموا. أن العدو قد هرب..

 

في تلك المرحلة، قام الشهيد جهان آرا بتضييق المجال أمام قوات النظام الصدامي من خلال تنظيم حرس الثورة والقوات الشعبية بشكل صحيح واستخدام المقاتلين الإسلاميين في الوقت المناسب. وكان الشهيد جهان آرا يقول: “أتمنى أن أستشهد في طريق تحرير مدینة خرمشهر. لقد ضحى الشهید جهان آرا وأصدقاءه بحياتهم بإخلاص. لقد وقفوا في وجه العدو وتصدوا للعدو بثقافة الاستشهاد.

 

كما أولى هذا المدافع عن الوطن اهتماما خاصا لتدريب الكوادر الكفوءة وبذل كل جهوده لجذب وإعداد القوى الشعبية. وقال الإمام الخامنئي حفظه الله بخصوص محمد علي جهان آرا ومثابرته: “في تلك الأيام، كنت في أهواز وشاهدت القضايا عن كثب”. في الواقع لم يكن لدى خرمشهر أي قوات مسلحة. قاوم محمد جهان آرا وشبابنا الآخرين القوات الصدامية الغازية لمدة خمسة وثلاثين يوماً.

 

ولذلك فإن تضحيات هذا الجنرال الشهيد خلال معركة خرمشهر الدموية معروفة للجميع واسمه يستحضر الصمود والثبات في مواجهة العدوان الصدامي. إن خدمات هذا الشهيد النبيل في الدفاع عن مدینة خرمشهر علمتنا كيفية القتال ضد العدو. مرثیة “ممد نوبودي ببیني” الشهيرة بعد تحرير مدینة خرمشهر، قام بسردها جواد عزيزي أحد قوات الحرس الثوري في خرمشهر، في رثاء الشهید محمد جهان آرا، وحسين فخري أحد أصدقاءه، قرأها لأول مرة، على قبر الشهید جهان آراء، وبعد عام أیضاً قرأها غلام كويتي بور مرة أخرى تزامنا مع ذكرى تحرير خرمشهر.

 

الشهادة

استشهد هذا المفكر والقائد العسكري، بعد سنوات طويلة من الخدمة للبلاد، في 7 مهر عام 1360ه.ش ويصادف في 29/9/1981م، في طريق العودة من أهواز إلى طهران، نتيجة سقوط الطائرة 130 التابعة لجیش الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في منطقة كهريزك بطهران، ونال مع رفاقه أعلى درجات الشهادة، ودفن في مقبرة جنة ​​الزهراء بطهران.

 

وفي تقرير تحت عنوان “خمسة من قادة الجيش والحرس الثوري، الذین كانوا یستحقون الشهادة”، كتبت صحيفة “جمهوري إسلامي” آنذاك: في ذروة فرحة الشعب الإيراني المؤمن والمقاوم، والتي سببتها الملحمة العظيمة لفك  الحصار عن آبادان  على يد مقاتلي الإسلام الشجعان في الخامس من شهر مهر عام 1360ه.ش 27/9/1981م، وبعد أقل من 48 ساعة، فجأة انتشر خبر في البلاد، جعل الدموع تسيل؛ وهو خبر تحطم طائرة سي130 تابعة لجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية الذي أحزن القلوب، حادثة راح ضحيتها 49 راكبا بالطائرة، ومن بينهم الشهداء الكرام «اللواء ولي الله فلاحي»، «اللواء موسى نامجو» وزير الدفاع؛ «اللواء جواد فكوري» نائب رئيس الأركان المشتركة للجيش؛ «اللواء يوسف كلاهدوز»، و«اللواء الشهيد محمد علي جهان آرا» القائد لقوات الحرس الثوري في خرمشهر، كما وصل هذا القائد الشهير إلى رتبة اللواء بعد استشهاده، بسبب الدفاع وفك الحصار عن مدینة آبادان.

 

كان الشهيد جهان آرا إلى جانب النشاط العسكري، يولي بتهذيب النفس وبناء الذات اهتماماً خاصاً، فكان أنيساً للقرآن، دائم الذكر والدعاء، كما كان ذا اهتمام بالشؤون الاجتماعية السياسية وذا قدرة عالية على تحليل القضايا. الخلق الحسن، والحزم، والإخلاص، والتقوى، والتوكل على الله، والصبر، والصمود والتضحية، والارتباط الوثيق بولاية الفقيه وسماحة الإمام (رض) وعدم الكلل، تعد من سماته البارزة. لم ينحرف عن جادة الحق في نضاله أبداً، وثيق الارتباط بالعلماء، شديد الحب لسماحة الإمام (قدس)، يردد دوماً: إنني مخلص وخادم للإمام. ومن جملة ما كان يردده: ما دمنا متكلين على الله وقائدنا الإمام فلا يراودنا الحزن”.

 

بیان الإمام الخميني (قدس) بمناسبة استشهاد جهان آرا

 

في رسالة تعزیة بمناسبة حادث الطيران واستشهاد الشهید محمد علي جهان آرا وعدد من رفاقه، قال الامام الخميني(قدس): لقد كان هؤلاء خادمين شجعان ملتزمين أسرعوا إلى جوار رحمة الحق تعالى أثناء أداء الخدمة وعملوا في الثورة وبعد انتصارها بكل جدّ وشجاعة في سبيل الهدف على أمل أن يردوا على ربهم بعد الانتصار المشرّف للشعب وبعد الأتعاب المضنية في سبيل الهدف والعقيدة مرفوعي الرأس وأن تشملهم رحمة الله الخاصة.

 

لاشك في أننا جميعاً سنطوي هذا الطريق وسنسرع إلى ربنا وإلى مصيرنا، فهل هناك سعادة اكبر من أن يطوي الإنسان الطريق أثناء الجهاد مع أعداء الإسلام وأداء الخدمة للحق وللناس والجهاد في سبيل الهدف والشرف. وما أعظم سعادة هؤلاء الشهداء الذين أدوا واجبهم تجاه الإسلام والشعب الشريف وأسرعوا إلى حيث المجاهدون وشهداء الإسلام…

 

وأضاف: على الشعب الإيراني وخاصة القوات المسلحة اليوم أن يحيوا ذكراهم ويواصلوا الجهاد مثلهم بكل شجاعة وقوة وجهاد ومثابرة اكبر. و قال: إن هؤلاء الشهداء وشهداءنا الكرام الذين استشهدوا في سبيل الهدف والقضية الإسلامية سبّبوا الفخر والمجد لأبناء شعبهم وللقوات المسلحة وأسرهم الكريمة.

 

أ.ش

المصدر: الوفاق/ خاص