وصل مستوى شراء المنازل (الشقق) من قبل الإيرانيين المقيمين في تركيا إلى أدنى درجة له منذ عام 2018.
وأفادت صحيفة “دنياي اقتصاد”، في تقرير لها، إن بيانات مركز الإحصاء التركي حول حجم المعاملات السكنية للأجانب في هذا البلد تظهر أن المتوسط الشهري لحجم المشتريات العقارية من قبل الإيرانيين بنهاية أغسطس الماضي بلغ 315 وحدة سكنية، وهو ما يمثل انخفاضاً ملحوظاً بفترة ذروة الشراء في عام 2021 والتي وصل متوسطها الشهري إلى 900 وحدة سكنية.
ويشير إتجاه وجود المستثمرين الإيرانيين في سوق العقارات التركية كمشترين لمختلف أنواع المنازل (الفلل والشقق) إلى أنه حتى منتصف عام 2018، وهي الفترة التي أصبح فيها إنسحاب الولايات المتحدة من الإتفاق النووي، عاملاً لزيادة المخاطر في الإقتصاد وتكثيف التوقعات التضخمية بين الناشطين الاقتصاديين في إيران، يشير إلى أن الإيرانيين استثمروا بشكل رئيسي في العقارات ذات الطابع السياحي، ليصل حجم المشتريات حينها إلى 400-500 وحدة سكنية شهرياً.
لكن مع بروز المخاطر غير الاقتصادية في منتصف عام 2018، غدا نبض شراء المنازل في تركيا بفضل “النظرة المهيمنة للإستثمار” إلى جانب “النظرة السياحية التقليدية” أسرع فأسرع، إلى حد دفع فئة من الإيرانيين وسط الغموض بشأن مستقبل الأسعار في الاقتصاد الإيراني المتأثر بقفزات العملات الأجنبية والإثارة التي أوجدتها المشتريات الرأسمالية من الدولار والعملات المعدنية والشقق السكنية، دفعهم إلى التفكير في “سوق العقارات التركية” كملاذ آمن لـ”الحفاظ على القيمة الحقيقية لرأس المال” في مواجهة التضخم العام والتضخم العام المقبل (نظراً للرؤى التي كانت موجودة بسبب توقعات التضخم في السنوات الأخيرة).
* إنهيار الليرة التركية
آنفاً، كان لهذا القرار اليد الأكبر في “إنهيار قيمة الليرة التركية أمام الدولار”. وبهذه الطريقة، تسبب تزامن “الظروف الاقتصادية غير العادية” في إيران وتركيا خلال عام 2018 وما بعده في عام 2021 -النصف الثاني من عصر قفزات الأسعار في الاقتصاد الإيراني الذي بدأ في أوائل عام 2018- بوصول متوسط الشراء الشهري للشقق السكنية في تركيا من قبل الإيرانيين إلى “رقم قياسي” ليبلغ ضعف الإتجاه السابق، أي حوالي 900 وحدة سكنية مقابل أقل من 500 وحدة.
لكن سرعان ما انخفضت حمى شراء المنازل في تركيا بين الإيرانيين، وهذا ما يؤكده “الرقم القياسي العكس لحجم المشتريات”، إذ بلغ عدد الوحدات السكنية التي اشتراها الإيرانيون في تركيا خلال شهر يوليو من العام الجاري 272 وحدة، وهو أقل مستوى (رقم قياسي متناقص) مقارنة بالفترتين قبل عام 2018 وبعد عام 2018، علماً أن متوسط المشتريات في الأشهر الثلاثة يونيو ويوليو وأغسطس كان أقل من 400 وحدة.
* فك عقدة الإنهيار المفاجئ
لكن كيف حدث هذا التوقف المفاجئ في نبض مشتريات الإيرانيين للمساكن في تركيا وماذا يحوي في طياته؟ تظهر تحقيقات صحيفة “دنياي اقتصاد” أن لانخفاض سعر الدولار ومن ثم استقراره في إيران خلال الأشهر الأربعة الماضية، الناتج عن سلسلة من المجريات الاقتصادية والسياسية التي شهدتها البلاد، بما في ذلك الأخبار الإيجابية عن المفاوضات بين إيران والغرب بشأن الملف النووي دور في ذلك أيضاً.
شهدت أسعار المساكن في إيران انخفاضاً واستقراراً مقبولاً في الأشهر الثلاثة الماضية، وقد حدثت هذه التراجعات والاستقرار النسبي لأسواق الأصول في أعقاب “انخفاض التوقعات التضخمية” وبعد أن نأى الناشطون الاقتصاديون وعامة الناس، إلى حد ما، عن “عدم اليقين بشأن مستقبل الأسعار”.
رغم هذا، لم يكن لتغير أوضاع الاقتصاد والمخاطر غير الاقتصادية في إيران العامل الوحيد في تراجع حمى مشتريات الإيرانيين في سوق الإسكان التركي، فقد شهدت الأشهر الأخيرة تطورات واعدة في الاقتصاد التركي بعد مساعي السياسيين في السيطرة على التضخم، الأمر الذي أدى إلى “انخفاض كبير في معدل نمو أسعار المساكن في تركيا”.
وصحيح أن حمى شراء المنازل في تركيا من قبل الإيرانيين قد تراجعت واستقرت نسبياً؛ لكن في حال عادت ملامح ومسببات هذه الحمى مرة أخرى إلى الأجواء، فمن الممكن أن يعود الوضع إلى ما كان عليه قبل الأشهر الثلاثة الماضية.
إذن، يجب أن تكون “الخطوط الحمراء” التي وضعها صنّاع السياسات من أجل “استقرار الأسواق المحلية” صارمة وفعالة في السيطرة على معدلات التضخم والقضاء على المخاطر الاقتصادية والسياسية المولدة للتوقعات التضخمية، وينبغي أن تؤخذ نفس السياسة في الاعتبار لمنع تدفق رأس المال إلى الخارج.
د.ح