لندن – د. أحمد الزين
إن إقدام المجموعات الإرهابية المدعومة من جهات إقليمية (وهابية أو صهيونية أو تركية) أو دولية (أمريكية أو أوروبية أو أطلسية) على تنفيذ عملية إرهابية بهذا التخطيط الجهنمي على حفل تخرج ضباط في الكلية الحربية بحمص في سوريا، وقتل مدنيين من نساء واطفال والاهالي والضباط والعسكريين نحو 100 شهيد ومئات الجرحى، يعتبر مذبحة بشرية وعملا وحشيا وجريمة مروعة بحق الدين والشريعة والوطن والقانون.. ومنظر تقشعرّ له الأبدان، ويندى له جبين الانسانية، وكأننا نعيش في عصور الظلام والجاهلية والتوحّش.. هؤلاء المنفذون هم حقا الهمج الرّعاع الاوباش الاوغاد المجرمين الذين خرجوا من بشريتهم وسلخوا إنسانيّتهم وتحوّلوا إلى وحوش مفترسة..
وإذ ندين ونستنكر هذه الجريمة الإرهابية بأشد عبارات الادانة والاستنكار لما وصل إليه العقل البشري من تخطيط وتنفيذ لعمليات العنف والرعب والجريمة والقتل والإرهاب.. باستخدام إساليب متطورة وتقلنيات حديثة وتجنيد أدوات إستخبارتية وأمنية مدربة بافضل وسائل التدريب والتجهيز.. والانتقال التصاعدي من شخص مفخخ انتحاري الى سيارات مفخخة وتفجيرات عن بعد الى مسيرات مفخخة.. ووضع كل تلك الامكانيات المالية واللوجستية ليتم تسخيرها بدقة متناهية من أجل إنزال أكبر عدد من الضحايا والانفس، وحصاد أرواح البشر، وقطع أرزاق الناس، وتعكير صفو الحياة البشرية والمجتمعية، ولإحداث الحرائق والدمار وتدمير البنى التحتية، ولزعزعة الامن والاستقرار والسلام.. دون اي تفكير منطفي سليم او يقظة ضمير إنساني حيّ او أي رادع ديني أو إخلاقي أو حضاري.. أو خوف من الله تعالى الخالق الذي إليه يعود الأمر بقبض الروح، حيث يقول: { اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا.. }، ﴿الزمر، آية 42﴾، والذي وعد المجرمين بأشد العذاب، حيث يقول: { وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْدًا }، ﴿مريم، آية 86﴾، ويقول أيضا: { إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } ﴿الزخرف، آية 74﴾.
هذه الجماعات الإرهابية كفرت بأنعم الله وبرسوله وكتابه.. وأعتنقت الدين الوهابي المتطرف والفكر التكفيري الإرهابي، وهم من بدع وابتكار الاستعمار البريطاني في القرن الماضي، ويرعاهم ويغذيهم ويدعمهم الان الاستكبار الامريكي واللوبي الصهيوني.. وعليه يستوجب من قوى ودول محور المقاومة العمل على تضافر الجهود وتوحيد القدرات والطاقات لمواجهة هذه الجماعات الإرهابية وتوجيه ردا صاعقا وإنزال أشد الضربات العسكرية والامنية بهم انتقاما لدماء هؤلاء الشهداء والمصابين.. وإستمرار التصدي لهم ومحاربتهم حتى القضاء عليهم..
ان هذه الجريمة الإرهابية مروعة ومقززة ومستفزة للمشاعر الإنسانية والضمائر الحيّة وهي مدانة بقوة وترقى الى جريمة حرب التي تحرمها الشرائع السماوية والاتفاقيات الدولية، كما انها تعتبر إنتهاك واضح وصريح لأبسط حقوق الإنسان، وهي تخالف مواثيق الامم المتحدة والاعراف الحقوقية في ضمان حماية المدنيين، وتناقض المعايير القانونية والقضائية والدولية..
وتعتبر هذه الجريمة الارهابية من بصمات الإرهاب الامريكي، وهي ربّ الأرهاب وأم الإجرام، ولها سوابق كثيرة في التورط بحروب متعددة وإحتلالات ونزاعات.. مدون في سجل تاريخها الاسود، والاكثر إرهابا وإجراما هي إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما ووناغازاكي في الحرب العالمية الثانية في 6-8-1945، وإحداث أكبر أبادة بشرية بالقتل الجماعي بنحو 140 ألف ضحية.. ولا تزال الولايات المتحدة تتمادى في حروبها وطغيانها وعدوانيتها وإعتداءاتها من خلال فرض قانون “قيصر” وحصارها الظالم على سوريا، وسرقة نفطها وقمحها، وإحتلال أرضها ومنابع نفطها وسهولها، ومنع إدخال المشتقات النفطية والغدائية والدوائية إليها لتجويع شعبها وترويعه.. ولا تزال “إسرائيل” المدعومة أمريكيا مستمرة بعدوانها على سوريا وشعبها من خلال غاراتها الجوية وقصفها واستهداف مدنهم وقراهم ومطاراتهم وموانئهم، وتدمر البنى التحتية وتهدم منازلهم على ساكنيها.. وهي المسؤولة المباشرة عن استمرار الحرب والعدوان والارهاب عليها من قبل حلفائها من التنظيمات الإرهابية..
كل تلك الانتهاكات الإرهابية والمجازر البشرية لم تكن لتحصل او يتجرأ أحد من إرتكابها لولا التخطيط والتحريض والتشجيع والحماية من المحتل الامريكي الصهيوني واستمرار دعمهم للجماعات الإرهابية من “داعش” و”النصرة” و”قسد” وغيرهم من الارهابيين المحليين والاقليميين.. والتغاضي عن فسادهم وانتهاكاتهم وجرائمهم.. واعتقادهم القاطع بالإفلات من الحساب والعقاب وعدم تقديمهم الى المحكمة الجنائية الدولية.. حيث يتم إستخدامهم كأدوات مأجورة وعملاء ومرتزقة قتلة لتنفيذ مشاريع الاستكبار العالمي الامريكي الصهيوني بالهيمنة والسيطرة على منطقة الشرق الاوسط لسرقة نفطها وغازها وقمحها ومعادنها وخيراتها… ولتأمين أمن الكيان الصهيوني العنصري الغاصب واستمرار احتلاله لفلسطين على حساب القضية الفلسطينية وتصفيتها وحرمان ومعاناة شعبها المظلوم.
كما إن دعم أمريكا والحكومات الغربية للانظمة الخليجية الديكتاتورية المتسلطة بالقوة على الشعوب العربية أحد أسباب إستمرار العنف والإرهاب والقتل والحروب والتهجير والمجازر والدمار في منطقة الشرق الاوسط، لان المصالح والمنافع الاقتصادية وبيع صفقات الاسلحة لدى الغرب تتغلب على قيم الديمقراطية والحرية والعدالة والسلام ومبادئ حقوق الإنسان التي يتشدق بها الغرب كذبا وزورا ونفاقا.. بينما يسعى الحكام الخليجيين إلى نيل رضا أمريكا وحلفائها بالاستجابة لإملاءاتهم وأوامرهم وتنفيذ اجنداتهم الاستعمارية والذهاب الى التطبيع مع الكيان الصهيوني والاعتراف به!! في مقابل إضفاء الشرعية على حكمهم بقوة تلك الانظمة الغربية للحفاظ على عروشهم وإستمرار حكمهم الجائر، على حساب مصالح دولهم ورخاء شعوبهم وأمنهم واستقرارهم، وبعيدا كل البعد عن تطبيق الدستور وسيادة القانون وأحترام النظام والقضاء.. وعدم توفير الديمقراطية والانتخابات العادلة لتعكس إرادة ومصالح الشعوب.
ورغم الدماء والآلام والأزمات، نتطلع دوما الى المستقبل الواعد ونحن في أجواء ذكرى نبي الرحمة والإنسانية محمد صلى الله عليه وآله، لنستلهم منه ومن رحابه مصاديق الايمان والتوبة والطاعة والرحمة والخُلق الرفيع والمودة وقيم التعايش والتسامح والغفران ومعاني المبادىء الانسانية السامية والقيم الاخلاقية العالية.. لنكون مؤمنين متقين صادقين مع أنفسنا ومع الله تعالى نلتزم بما جاء في كتبه وتعاليم أنبيائه، ودستوره الكامل لخير الامم ومنهاجه الجامع للشعوب لتعيش بامان واستقرار وسلام.. وفي نهاية المطاف فان السنن الإلهية تحتم بأن من يأخذ برسالة السماء والقيم والحضارة الانسانية تقدم وتطور وسعد وفاز ونال الجنة والنعيم، ومن يتخلى عنها تراجع وتقهقر وخسر وانهزم وسيق الى نار جهنم وردا وزُرقا!! أي كالدواب عطاشا وقد تغيَّرت ألوان وعيون المجرمين من شدة الأحداث والأهوال هناك.
وأخيرا، نتقدم بالعزاء الى سوريا قيادة وجيشا وشعبا، ونسأل الله تعالى الرحمة والمغفرة للشهداء وبالتعازي والمواساة لاهالي الشهداء.. وللجرحى بالشفاء العاجل..
أ.ش