بقلم كريمة عبد الكريم
تتميز الزواج كشركة عن سواها من الشركات بأنها العلاقة التي تجمع بين قلبين متباعدين اختياريا ، لا طبيعيا كما بين الوالد والولد ، ولا ظرفيا كما عند كل أصحاب مصلحة أو طارئ أو ظرف ، ولا قسريا أو اضطراريا أو تعاقديا كما بين الدول أو كما بين الحكام وشعوبهم . وما من علاقة توازيها أو تفوقها إلا علاقة الصداقة النجيبة إذ هما العلاقتان اللتان تقعان في القمة ، وبالإمكان حيازتهما معا حين يجمع الزوجان محبة الزوجية إلى محبة الصداقة فيضيفان حباً إنسانياً إلى حبٍ بشري وهما معا يمثلان المحبة الصادقة في أسمى معانيها .
ويخطأ من يظن أن علاقة الزواج الناجح تعني حالة التطابق الكامل بين الزوجين ، فذلك أمر نادر أو مستحيل وليس من الحكمة المطالبة به ، والحالة الطبيعية هي اندماج الزوجين مع بعضهما في مناطق وافتراقهما في مناحي أخرى أو ما يطلق عليه في الرياضيات بعلاقة التقاطع وقد يتسع مجال الاندماج أو يضيق حسب طبيعة كل طرف وميوله وحاجاته ومزاجه . وليس من العدل مطالبة الآخر بإزالة منطقة الاختلاف بالكامل ، فهي شركة اتحاد وليس توحدا وعلى كل طرف أن يقبل المختلف ويرضى بالقدر المشترك في منطقة التقاطع.
إن لهذه الشركة دستوراً تقوم به وتستوي عليه وأول بنود هذا الدستور هو الإيمان بمبدأ المشاركة والاحترام وهو المبدأ الذي يلغي ” الفردية ” التي كان عليها كل من الزوجين قبل الاقتران ويستبدلها بـ”الزوجية” لا بمعنى الاحتواء والتسلط وإلغاء الآخر بل احترام كل طرف خصوصية الآخر وترسيخ قواعد الثقة والتعايش والعدل وحسن الظن بينهما ، فكل منهما إنسان له شخصيته المستقلة ذات خصوصيات وطبيعة ومزاج لا يلغيها هذا التلاقي والانفتاح .
ثم بعد ذلك تأتي المحبة الصادقة والتي تنمّي بوجودها الكثير من المفاهيم بل والآليات ، كالتنازل والتسامح والتجاوز عن الأخطاء ، والصفح ، وتخفيف العصبية وزوال الغضب العارم ، وتلاشي كيل التهم والكلام البذئ أو اجترار أخطاء الماضي وتراشق الإهانات ، وتدعو إلى تعديل ميزان الاستبداد الذكوري الغالب في العادة في مجتمعاتنا ، والتخلي عن عقلية الآمر الناهي المطاع الشديد ، وتورث التسليم ببعض اختيارات نصفي الآخر حتى لو كان اختياره لا يروق لي ، وتستجلب أموراً طيّبة كالإهداء والكلمات الحانية الرقيقة والاحترام بل والعشق والتفاني بلا حدود .
والمحبة هي نبتة في القلب قد تتعرّض للهزات بتأثير من تعاركات الحياة اليومية وتغيراتها ، وهي بحاجة إلى حارس أمين يضمن بقاءها في مكامن القلوب ويحفظها من الضياع ، إنه الحوار الهادئ إكسيراً للخلافات ، ذلك السلوك الحضاري الذي يدعونا أن نضع كل المسائل السهلة منها والمستعصية على طاولة حجرات العقل . إنه أول قواعد التفاهم ، وهو السبيل للرجوع إلى المنطق أمام طيش العواطف والسيئات ، ودفق الشحنات ، وهو القاعدة الذهبية بعد تأصيل المحبة .
فما على الزوجين حين الاختلاف إلا أن يجلسا ويتحاورا كمحبين وحسب قواعد الاتصال الإنساني الحوارية دون صراخ أو عراك أو سباب وليختارا أوقات هدوء النفس واستقرارها حينها لا بد وأن يتوصّلا إلى حل ما باتفاقهما ، حتى لو كان ذلك الحل خارجيا أي بالرجوع إلى من يرتضيانه من العقلاء المصلحين المحبين من أخوتهم وأهليهم أو أصدقائهم .
لقد دعا القرآن الكريم إلى الزواج للإحصـان وطلب الراحـة والسكن ودرء الفساد في المجتمع وجعـل المـودة والرحمة هبةً إلهية وضمانا لنجـاح الزواج واستمراره قـال تعالى : ” وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِـكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ” – الروم 21. والإنسان بطبعه مستدرج للزواج بسبب افتتانه بالجمال الذكر للأنثى وبالعكس ليقضي الله أمرا كان مفعولا ، لذا فقد جعل التحابب والتوادد والعشرة الحسنة وإكمال الدين هي المطلوبات الأسمى فقال رسول الإنسانية ص : ( خيركم خيركم لأهله ) . وبالرغم من أن الزواج يحرّك المشاعر نحو الأبوة والأمومة إلا أن هذا المطلب يأتي في مراتب لاحقة لأهداف هذا اللقاء فهناك ثمرات أسمى تتحقق بالزواج كالراحة النفسية والاستقرار والتواصل والتعاون وتخفيف المؤونة والتوفر الدائم والسكن وإكمال الدين وتحسين الخلق والتكامل والرقي.
أ.ش