ناشط ثقافي آكاديمي وأستاذ العلوم الجيوسياسية بجامعة باريس لـ "الوفاق":

نقل الواقع عن طريق سينما الحقيقة يُظهر أهمية معارك المقاومة

السينما والأفلام التوثيقية والوثائقية تعبّر حقيقة عن الواقع الإجتماعي لكل شعب، وهي لغة مشتركة بين الشعوب.

2022-12-17

يُقام حالياً في ايران مهرجان سينمائي دولي للأفلام الوثائقية تحت عنوان “سينما الحقيقة”، حيث شاركت فيه أفلام وثائقية متنوعة من مختلف دول العالم، وشارك فيه الكثير من الأفلام، كما تم تكريم الراحل “نادر طالب زادة” مقدّم ومنتج ومخرج الأفلام الوثائقية، في المراسيم التي أقيمت يوم الإثنين الماضي في طهران، وكان ذلك بحضور “محمد حميدي مقدم”، الأمين العام لمهرجان “سينما الحقيقة” الدولي، وأسرة “نادر طالب زادة” ومجموعة من أقارب وأصدقاء هذا الفنان الراحل، وتم تسليم شارة المهرجان الفيروزية لأسرته، وتحدثت أبنة الراحل وقالت: أشكر والدي لما وجهني اليه في الحياة، فهو لم يملي عليّ أبداً ماذا أفعل ومن أكون، لقد سمح لي باكتشاف واختيار طريقي الخاص، لقد كان دائماً يستمع بعناية إلى ما أقوله كفتاة شابة، حتى اذا خالف رأيه،كان يسمح لي بالانتقاد أحياناً وبالمحادثة أحياناً اخرى وبالصمت، أخيراً قام بتوعيتي بمرور الوقت وخلال الزمن.

“طالب زادة” جَمَعَ أصحاب النفوذ لمواجهة الفكر الصهيوني

من جهته قال الدكتور “عماد الحمروني”، الأستاذ الجامعي والناشط الثقافي: المرة الأولى التي التقيت فيها بالسيد طالب زادة كان تزامناً مع ما يدور الكلام حوله وهو الصحوة الإسلامية أو الربيع العربي.

خلال السنوات العشر التي كنت على الإتصال به، تمت دعوتي إلى مؤتمرات مختلفة عدة مرات، وقد وجدت شخصية “طالب زادة” شخصية روحانية ومتواضعة وثورية وواثقة وجذابة، لذلك أعرفه كأستاذ كامل ومعلم في مجال السياسة والتواصل والمقاومة.

وتابع: إنه استطاع جمع أصحاب النفوذ والمفكرين من أوروبا وأمريكا الشمالية وروسيا لمناقشة المجالات والقضايا المهمة لمواجهة الفكر الصهيوني، فضلا عن النشاط ومواجهة غطرسة وسلبية الهيمنة الإعلامية العالمية.

الندوات الثقافية

كما أقيمت ندوات متخصصة على هامش المهرجان تحت عنوان “طاولة الحقيقة”، فمنها: “الروايات، بعيد وقريب”، “الأفلام الوثائقية وعالم اليوم”، “صناعة الأفلام الوثائقية والإستراتيجيات الإعلامية”.

وشارك في هذه الندوات، شخصيات ثقافية وسينمائية دولية مميزة فمنهم الدكتور “عمادالدين الحمروني” أستاذ العلوم الجيوسياسية في جامعة باريس، فهو باحث آكاديمي تونسي، ومثقّف إعلامي، نرى نقده وتحليلاته القيّمة في مختلف القنوات الإعلامية، فاغتنمنا فرصة حضوره في ايران وأجرينا معه حواراً حول المهرجان والسينما الإيرانية ودور الإعلام وغيره، وفيما يلي نص الحوار:

مهرجان سينما الحقيقة

بداية طلبنا من الدكتور عماد الحمروني لكي يتحدث لنا عن السينما الإيرانية وتقييمه لمهرجان سينما الحقيقة، فقال:

اشارك في المهرجان الدولي للأفلام الوثائقية بنسخته السادسة عشرة بطهران لأول مرة، وهذا عمل مهم جداً يخدم تشجيع السينما الإيرانية وحتى السينما الدولية، خصوصا الأفلام التوثيقية التي تلعب دوراً مهماً اليوم في العالم الثقافي، للتعبير عن الشعوب بكل متفرقاتها الإجتماعية والثقافية، والسياسية، والتعريف بالثقافات بالمعنى الفني، فهذا المهرجان الذي جمعنا، مهم جداً، ثانياً دور السينما الإيرانية الذي تطور على يد رجال ونساء مهمين في الأول، واختار ساحة الطاقة الدولية، وبالتالي أصبحت السينما الإيرانية صناعة، بمعنى أن هناك صناعة سينمائية ايرانية اليوم، قد تكون بمستوى الصناعة السينمائية في الغرب، في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، ومن ناحية نوعية الأفلام والإخراج والتقنية والمواضيع، هذا يشجّع حقيقة على الرفد الثقافي في ايران وأيضاً الرفد الثقافي في المنطقة، وفي العالم الذي يهتم بالتعريف بمختلف شعوب العالم من خلال الصوت والصورة.

السينما لغة انسانية

وعندما سألنا الأستاذ عن تأثير عرض الأفلام الوثائقية في المنطقة ونشر الحقائق، وكذلك كشف جرائم الكيان الصهيوني، قال الدكتور الحمروني: حقيقة لها دور هام وخصوصاً السينما والأفلام التوثيقية والوثائقية لها دور مهم جداً، اولاً في صياغة الواقع الإجتماعي، وصياغة الصورة الحقيقية، وهي سينما الحقيقة في الحقيقة تبث الصورة الحقيقية في الوقائع لدى أي شعب، وبالتالي نخرج من الأحكام المـُـسَبّقة بمعنى أنه أكثر المعارك التي تقع بين الشعوب هي معارك قائمة على الشبهات، وبالتالي السينما والأفلام التوثيقية والوثائقية تعبّر حقيقة عن الواقع الإجتماعي لكل شعب، وبالتالي اولاً تقرّب بين الشعوب، وهي لغة غير مسيّسة، بل لغة انسانية، فالعمل والإنتاج الثقافي مهم جداً للتعريف بالنوايا السياسية وللتعريف بالنشاط الحضاري لكل دولة ولكل منطقة، حتى نخرج من صياغة التصادم الحضاري ونصل الى صياغة الحوار الحضاري، وبالتالي المنتوج الثقافي في النهاية يشارك بالتقليل من التوتر السياسي.

الدبلوماسية الثقافية تساعد على الإنتاج الحضاري

فيما يتعلق بدور الدبلوماسية الثقافية للتقارب الثقافي بين الشعوب، قال الدكتور الحمروني: الدبلوماسية الثقافية اليوم أهم من الدبلوماسية السياسية، وحتى الدبلوماسية الإقتصادية، فالإنتاج الثقافي، هو إنتاج مهم لإبراز القدرات الثقافية، والإبداع الثقافي لأي شعب، لذلك نرى أن الهيمنة الأمريكية تمر عبر الإنتاج الثقافي، وحقيقة الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى عسكرية واقتصادية وعملية، وهي تُنتج الاعمال الثقافية، وتُهيمن من خلال امتلاكها لوسائل نقل هذه الثقافة على العقول في العالم ولم يصبح في العالم خصوصيات ثقافية، وأصبحنا نعيش في العالم الأمريكي، وبالتالي الدبلوماسية الثقافية تساعد على الإنتاج الحضاري والتقريب في المفاهيم السياسية بين الشعوب.

ابراز تطور الصناعة السينمائية الإيرانية

وعندما سُئل الدكتور الحمروني عن تقييمه للأفلام المشاركة في مهرجان سينما الحقيقة، بمختلف مجالاتها من الإنتاج والتقنية وغيرها، هكذا رد علينا بالجواب: في الحقيقة نجح هذا المهرجان في ابراز تطور الصناعة السينمائية في ايران، يعني ايران اليوم متقدمة تكنولوجياً على مستوى الصناعات الميكانيكية والتكنولوجية والتقنية وغيرها، فإنها أيضاً عملاق في الصناعة السينمائية وهذا مهم جداً ونراه من خلال الكثير من المهرجانات التي تُقام في ايران وخارج  ايران، وتُثبت قدرة الصناعة السينمائية الإيرانية وقدرته التقنية أولاً، ومن جملتها صياغة المواضيع والإبداع، يعني في إخراج مواضيع اجتماعية انسانية، ثانياً من الملاحظ غياب البعض، مثلا كما لاحظت أن أفريقيا ليس لها تمثيل كبير في هذا المهرجان، وإن شاء الله ستكون أفريقيا متواجدة في هذا المهرجان، لأهمية القارة الأفريقية وإنتاجها، يعني أيضا الثقافة وتعريف منتجات أفريقية داخل ايران.

الإنتاج السينمائي المشترك

وفيما يتعلق بالإنتاج المشترك بين ايران والدول الأخرى، عبّر أستاذ جامعة باريس: التجارب عديدة، ولكن الغرب استطاع صياغة تجاربه ومنتجاته الثقافية، ووضعها بطريقة ذكية جداً حتى تكون لها القدرة على التأثير في شعوب العالم، فبالتالي يمكن الإندماج الثقافي بين الغرب والشرق، وبين الجنوب والشمال، والجنوب والجنوب، وغيرها، يعني السينما هي اللغة المشتركة بين الشعوب، وبالتالي اذا نجحنا في صياغة المنتوج الثقافي المشترك، سننجح بإزالة الكثير من القلق.

نشر ثقافة الوعي والمقاومة 

وعندما سألنا الدكتور الحمروني: ما هو رأيكم بالنسبة لنشر ثقافة الوعي والمقاومة في المجتمع والوحدة بين المسلمين، فهل للفن دور في هذا المجال؟، أجاب: نعم، نحن نرى عندما دخل الفن ساحة المعركة، أصبحت الكاميرا وأصبح المخرج، جندي من جنود الساحة، إن كانت الإجتماعية او السياسية او العسكرية، يعني نقل الواقع عن طريق سينما الواقع، لتُظهر أهمية المعارك التي تخوضها المقاومة في فلسطين او في لبنان، او في العراق، أو في اليمن، فهي تعبر عن قدرة هذه المقاومات على مستوى المجال العسكري على الأقل، وأيضا في إظهار الجانب الإنساني، يعني قضية الفن لأنها لغة مشتركة بين الناس، عندما ننظر للجانب الإنساني لدى المقاومة او محور المقاومة، هذه الدول تشارك الناس بالكثير من النواحي الشخصية، بالتالي الكاميرا والصورة، والصوت، يخفض كما قلت من النظرة المـُـسَبّقة، إشكالياتنا إن كانت داخل الأمة الإسلامية، الإنقسام المذهبي والقومي، أيضا مشاكلنا بين الإسلام والغرب، في الحقيقة مشاكل عدة، يعني كثيراً منّا نظن ان الغرب معادي للشرق وللمسلمين، والمسلمون يظنون أن الغرب ككتلة معادية للإسلام وهذا غير صحيح، يعني هناك عداوة، ولكن هذه العداوة تقودها الكيانات لا الشعوب، وبالتالي الفن والإنتاج الثقافي يقرّب بين الشعوب، مثلاً لماذا المقاومة الفلسطينية تقاوم؟ وكيف تقاوم؟ هي تقاوم من خلال مبادئ انسانية وليس كما يصفه الكيان الصهيوني بأنها اعمال ارهابية، وبالتالي تصنيف المقاومين كإرهابيين في اللغة السياسية بالغرب ليست صحيحة، وعندما تنقل الصورة او الكاميرا او الصوت، حقيقة هذا المقاوم الذي يُقاوم من خلال إنسانيته، فينظر الغربي أو الآخر أن هذا المقاوم يقاوم من أجل شرفه وعرضه وليس هناك عداوة دائمة، بل هناك تقارب انساني، حتى عندما نقاوم، نحن نقاوم من خلال مبادئ انسانية وإسلامية.

دور الإعلام في تبيين الحقائق

وفيما يتعلق بدور الإعلام في تبيين الحقائق، قال الدكتور الحمروني: الإعلام له دور جوهري، يعني مثل صناعة الصاروخ نجد أن الإعلام أيضا مَصنع حقيقي، والمشكلة أن في منطقتنا رغم الإمكانيات التي نملكها، لم نستطع الى حد هذه الساعة، صناعة إعلام متطور، ربما لدينا القدرة التقنية، ولكن على مستوى صياغة المواضيع والمناهج الإعلامية، مازلنا لا نستطيع أن نظهر حقيقتنا بلغة على الأقل إعلامية للوصول الى غير الشرقي او غير المسلم، وهذا دور الإعلام والإعلاميين في صياغة المناهج الإعلامية المتطورة، في الصورة والصوت واللغة، ولكن مازلنا لم نتمكن من صياغة المنهج الإعلامي الصحيح.

إبداع الشباب الإيراني

وأخيراً ختم الدكتور الحمروني كلامه: أولاً أحيي القائمين على هذا المهرجان، والمؤسسين الأوائل، الذين حرصوا على ايجاد فن ايراني وسينما إيرانية، وتصوير الصناعات الإيرانية، وهذا فخر للثورة الإسلامية، وللدولة الإسلامية وفخر للشباب الإيراني، لأن الشباب الإيراني يملك قدرات هائلة، وإبداع ثقافي يجب الإنتباه اليه، يعني في هذه الفترة توجد مشكلة سياسية وثقافية يعيشها كل العالم، ولكن الشباب الإيراني مطلّع اطلاعاً  كاملاً على ما يجري في العالم، ويحاول بطريقته الإبداع الثقافي، فيجب أن نعطي الفرصة للشباب الإيراني حتى يُبدع ويصبح قادر على صياغة العالم الجديد.

موناسادات خواسته

المصدر: الوفاق/خاص