محمود فاضلي
يمرّ الواحد والعشرين عاماً على الحياة السياسية لحزب ” العدالة والتنمية ” وزعيم هذا الحزب أردوغان يعدّ نفسه لإجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية التركية. الانتخابات التي من المزمع إجراؤها في ١٨ يونيو 2023.
شهدت تركيا في فترة إدارة حزب العدالة والتنمية تطوّرات كثر ومعظمها على صلة بالسياسة الخارجية لهذا البلد. طبعاً مرّت أنقرة في فترة اقتدار حزب العدالة والتنمية باستدارات هامّة في سياستها الخارجية. التغيّر في الوضع الاقتصادي والدستور و السياسة غير المتوازنة الداخلية والخارجية لحزب العدالة والتنمية، سبّبت في أن يصل الكثير إلى قناعة بأنّ التاريخ السياسي لتركيا ينقسم إلى شقّين : قبل وصول أردوغان إلى سدّة الحكم وبعده.
خلال هذه الحقبة وعلى صعيد سياسة تركيا الخارجية كان النقاش مع دولة بشار الأسد ومواكبة المجموعات المعارضة للدولة السورية والتوتّر مع السعودية حول قتل جمال خاشقجي في قنصلية السعودية في اسطنبول والتوتّر غيرالمسبوق مع اليونان كجارة مثيرة للجدل وعدم الاتّفاق مع أميركا بشأن شراء المنظومات الدفاعية الصاروخية اس- ٤٠٠ من روسيا،كلّها كانت من التطوّرات الهامّة والمؤثّرة في دبلوماسية تركيا.
سياسة تركيا في المنطقة كانت مصحوبة بتقلّبات كثيرة. وكان الربيع العربي منعطفاً في هذه السياسة. عقب الربيع العربي وبسبب الموقف الداعم الذي اتّخذه حزب العدالة والتنمية من الإخوان المسلمين ومحمد مرسي (الرئيس الوحيد في مصر الذي انتخب بطريقة ديمقراطية) ، ظهرت مشاكل في سياسة تركيا الخارجية. وجرّاء هذه السياسة لحقت أضرار بعلاقات تركيا مع الإمارات والسعودية ومصر. و ترى معارضة أردوغان أنّ سياسته الخارجية آيلة إلى الفشل وتبدو تركيا أنّها دولة تتخبّط في الدبلوماسية الخارجية. الذي يفعل اليوم خلافاً لما قاله بالأمس فهو ليس موضع للثقة.
إنّ دولة حزب العدالة والتنمية بضلوعها حديثاً بمحادثات التطبيع مع مصر و استضافتها قادة السعودية والإمارات في القصر الرئاسي التركي و تبادلها السفراء مع إسرائيل ، قد بينت تخليها عن سياسة “الوحدة المكلفة” التي ولدت التوتّر مع جميع دول الشرق الأوسط. فالرئيس التركي وفي ظلّ الانعطافات الشديدة التي أحدثها في خطابات سياسته الخارجية، تمكّن من مصالحة ولي العهد السعودي الذي عرّفه سابقاً عنصراً ضالعاً في قتل خاشقجي ورئيس الإمارات الذي اتّهمه بتمويل الانقلاب الفاشل في ١٥ يونيو٢٠١٦، يؤكّد بدء أجواء تطبيع علاقات تركيا الدبلوماسية في الشرق الأوسط. و العلاقات مع الإمارات والسعودية و إسرائيل آخذة في التنامي وفقاً للمصالح المتبادلة والوتيرة المماثلة مع مصر جارية على قدم وساق.
إنّ دولة تركيا الراهنة تظهر بوادر إيجابية في سياق تحسين العلاقات مع دمشق ومحاولة تعديل وتطبيع تنمية علاقاتها مع الرياض وحتى أبوظبي والقاهرة. علما ان خطوات تركيا بشأن الرياض وابوظبي كانت مثمرة ، لكن فيما يخصّ مصر تجري لكن مصحوبة بالكثير من المماطلة.
حوّل أردوغان تطبيع العلاقات مع دمشق إلى وعده الانتخابي. مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية أدركت دولة تركيا أنّ قضية سوريا ستكون معياراً هامّاً عند صناديق الاقتراع وبدأت بشطب قيودها في العلاقات مع دمشق. من جانبها قطعت دمشق أيضاً خطوات مماثلة ووئيدة. يمكن اعتبار نجاح الدولة على صعيد السياسة الخارجية أمرا تستغلّه سلطات الدولة كورقة رابحة للانتخابات المقبلة.
من أهمّ إجراءات حزب العدالة والتنمية كان الدخول في المحادثات مع الاتحاد الأوروبي للعضوية في هذا الاتحاد. و فيما لا زالت تركيا لم تحقّق أيّ مكسب في هذا الصدد ، تفيد تقارير الاتحاد الأوروبي حول هذا الموضوع بأنّ مسيرة عضوية أنقرة في الاتحاد الأوروبي وصلت إلى طريق مسدود.
ثمة تباينات هامّة بين رؤى الأحزاب السياسة للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حول عضوية تركيا في هذا الاتحاد. على تركيا تطبيق جميع التزاماتها بشأن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي إلّا أنّها تتحجّج بأعذار بغية تأجيل وتيرة العضوية. و يذكر ان الجانبين وقعا في أخطاء عدّة على صعيد مسيرة عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي. وكان أردوغان يدري أنّ الاتحاد الأوروبي يسوق الذرائع لعدم عضوية تركيا ، لكنه مع ذلك اتّخذ قراره بشأن قبرص. في ذلك الوقت كان الاتحاد الأوروبي يقدّم دعماً شاملاً لخطّة قبرص التي تمّ إعدادها من قبل الأمين العام لمنظّمة الأمم المتّحدة ّآنذاك”كوفي عنان” وحثّ أردوغان على استقطاب دعم القبارصة الأتراك فيما يتعلّق بهذا الموضوع.
تبنّى أردوغان خطّة عنان وكان يحفّز القبارصة الأتراك للتصويت إيجاباً لهذه الخطّة. و تمّ طرح هذه الخطّة للاستفتاء العام. وصوّت القبارصة الأتراك إيجاباً لها فيما صوّت القبارصة اليونانيون سلباً. ومع ذلك رحّب الاتحاد الأوروبي بعضوية القبارصة اليونانيون في هذا الاتحاد لكنّه لم يقبل بالقبارصة الأتراك.
هذا الموضوع زعزع ثقة أردوغان بالاتحاد الأوروبي. و لا يحتل موضوع عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي صدارة أولويات تركيا مؤقتا. لكن تفيد من وتيرة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي لتنظيم اقتصاد البلاد و تسعى لبسط الحقوق والحريات الأساسية وتحسين متطلبات أوروبا القضائية.
إنّ التوتّرات الدائرة بين تركيا و بين اليونان والدول الغربية تنمّ عن مواصلة المناكفة حول شرق البحر الأبيض المتوسط. يبدو أنّ تصعيد التوتّر مع إثينا وذلك في حين تركيا على أبواب الانتخابات، من شأنه إثارة مشاعر قومية في صفوف الشعب ويترك أثراً علي صناديق الاقتراع.
من التوجّهات الأخرى لسياسة تركيا الخارجية هي ديمومة علاقاتها مع أميركا و التعاون مع روسيا في نفس الوقت. و يرى مؤيّدو أردوغان بأنّ تركيا استطاعت أن توجد توازناً دقيقاً ليس بين أميركا و روسيا فحسب بل بين روسيا و أوكرانيا أيضا. و تستخدم تركيا علاقاتها مع روسيا وأوكرانيا كورقة فائزة معهما . إنّ الموقع الجيوستراتيجي لتركيا و عضويتها في الناتو وتعاونها الوثيق مع روسيا ،وفّرت لأنقرة ظروفا تربطها بالعلاقات مع الجانبين.