الاستيراد غير المباشر للطاقة من روسيا

دوافع وتداعيات إتفاقية الغاز بين روسيا وجمهورية أذربيجان

تحاول موسكو أيضاً الاستفادة من الفرصة التي توفرت، وذلك على الرغم من العقوبات المتخذة ضدها، وتعمل على تحقيق أكبر قدر من الأرباح على المدى القصير وتحسين موقفها

2022-12-17

المجلس الإستيراتيجي للعلاقات الخارجية

قالت الخبيرة في الشؤون الروسية، عفيفة عابدي، إن أحد إجراءات أوروبا لخفض التكاليف والعواقب السياسية والاقتصادية لقراراتها هو الاستيراد غير المباشر للطاقة من روسيا، مضيفة: ليس من المستبعد أن يتم اتفاق خلف الكواليس بين روسيا والغرب في هذا الشأن.

وصرحت في مقابلةٍ لها مع الموقع الإلكتروني للمجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية، وفي إشارة إلى الاتفاقية المبرمة بين شركتي غازبروم الروسية وسوكار التابعة لجمهورية أذربيجان لنقل مليار متر مكعب من الغاز الروسي إلى أذربيجان في الفترة من 15 نوفمبر الجاري إلى مارس 2023 ميلادي: كانت روسيا في السابق تتعاون و تتبادل الغاز مع جمهورية أذربيجان، لكن هذا الاتفاق الجديد، وفي التزامن مع الحرب القائمة حالياً في أوكرانيا وتصاعد التوترات بين روسيا والغرب، له معنىً آخر مختلف عما مضى، ويبدو أن تصدير الغاز الروسي إلى جمهورية أذربيجان يستند إلى اتفاقية وراء الكواليس أو كونه قائماً على اتفاقية ثلاثية ضمنية بين أوروبا وجمهورية أذربيجان و روسيا.

وتابعت: توصلت أوروبا إلى اتفاق مع جمهورية أذربيجان لشراء الغاز وذلك بعد الحملة العسكرية الروسية على أوكرانيا، وأُعلن أنّ هذه الصادرات ستتضاعف فيما بعد. بينما أخذت أوروبا بعين الإعتبار تأمين احتياجاتها من  الطاقة بواسطة استراتيجيات مختلفة وذلك كخطوة منها لمعاقبة روسيا، ولكن بدا واضحاً منذ البداية أن خفض اعتماد أوروبا على الغاز الروسي لن يتحقق بسهولة وعلى المدى القصير. وبناءً على الأدلة الحديثة، يمكن القول بأن أوروبا قد تبنت إجراءات مختلفة لخفض التكاليف والعواقب السياسية والاقتصادية لقراراتها، ومن بينها الاستيراد غير المباشر للطاقة من روسيا.

الجهود الأمريكية لتقليل التوترات مع روسيا في المواسم الباردة

وأشارت عابدي إلى الأنباء التي تم نشرها حول مفاوضات ما وراء الكواليس مع الولايات المتحدة بشأن الحرب الأوكرانية، وحثت كييف أيضًا على بدء عملية الحوار مع روسيا، مضيفةً: ستحاول الولايات المتحدة الأمريكية على المدى القصير وخاصة في المواسم الباردة خفض مستوى التوترات مع روسيا والسيطرة على الأزمة في أوكرانيا حتى لا تزيد عواقبها الاقتصادية والسياسية على أوروبا الغربية.

وكما أشارت أيضاً إلى حتمية الغرب للالتفاف على العقوبات الروسية وكذلك التكاليف الباهظة التي تكبدتها أوروبا في التعامل مع أزمة الطاقة الحالية، وقالت: لقد ورد في بعض تقارير وسائل الإعلام الغربية أخباراً عن إحصائيات ناقلات النفط، وأن إنجلترا قد إلتفت أيضًا على العقوبات النفطية الروسية في الأشهر الماضية واشترت ما لا يقل عن 39 شحنة من النفط الروسي منذ فبراير الماضي حتى الأن . وعلى الرغم من تسجيل هذه الشحنات على أنها واردات من دول أخرى وذلك من خلال نقلها من سفينة إلى أخرى إلا أن هذه التقارير تمكنت من تسجيل عشرات شحنات النفط الروسية التي كانت قد وصلت إلى الموانئ الإنجليزية منذ مارس الماضي، ويرجع الأصل في إرسالها من بلدان عديدة مثل ـ ألمانيا، بولندا، هولندا، فرنسا ودول أخرى حيث تم تعقيب أثرها والكشف عن مصدرها.

وتابعت الخبيرة في الشؤون الروسية: تحاول موسكو أيضاً الاستفادة من الفرصة التي توفرت، وذلك على الرغم من العقوبات المتخذة ضدها، وتعمل على تحقيق أكبر قدر من الأرباح على المدى القصير وتحسين موقفها، وبالتالي لتصبح أكثر قوة من التغيرات التي لا يمكن التنبؤ بها بعد مواسم البرد الحالية.

المساعي الأوروبية للحد من تداعيات العقوبات الروسية

وفي إشارة إلى أنه منذ مارس المنصرم،كانت هناك حوالي 267 عملية نقل نفط روسي من سفينة إلى أخرى حول العالم، قالت هذه الباحثة في معهد الأبحاث التابع لمنتدى تشخيص مصلحة النظام : على الرغم من أن إنجلترا ستبدأ في حظر النفط الروسي في الخامس من ديسمبر، لكن يبدو أن شراء النفط هذا سيستمر وذلك عن طريقة النقل من سفينة إلى أخرى.

وذكّرت عابدي بتعارض المصالح استراتيجياً بين روسيا والغرب، ووصفت تعاونهما واتفاقهما على المدى القصير بأنه تكتيكي و قالت : تحاول أوروبا السيطرة على التداعيات السياسية والاقتصادية للحرب في أوكرانيا، وتشاركها في ذلك روسيا أيضاً. ويعتبر هذا الأمر الاستفادة القصوى من الفرص الجديدة وذلك من خلال التحكم في التداعيات مما يؤدي إلى الحفاظ على المصالح الاقتصادية التقليدية التي تمتعت بها مع الغرب، وتحسين موقعها الدولي.

و في إشارة منها إلى الجهود التي بذلتها جمهورية أذربيجان لزيادة نقل الغاز إلى أوروبا بعد حرب أوكرانيا، ولعب دور فعال لمساعدة أوروبا على طريق استقلال الطاقة من روسيا، أضافت: عندما قررت أوروبا خفض مستوى صفقات الغاز مع روسيا، حيث كان السيناريو الأفضل هو خفض واردات الغاز من روسيا بنسبة 50٪ في السنوات الخمس المقبلة، عملت روسيا على تصدير الغاز إلى أوروبا عبر خطوط مختلفة ولم يكن من السهل على أوروبا استبدال هذا المصدر الضخم. ولم تكن طرق نقل الغاز الأذربيجانية إلى أوروبا متنوعة مثل الروسية، وعلى المدى القصير، وكنتيجة لذلك ، لا تستطيع باكو ببساطة أن تحل محل روسيا.

وأضافت الخبيرة في الشؤون الروسية: على الرغم من أن جمهورية أذربيجان لديها قدرة نسبية على التنافس مع روسيا ومن خلال علاقاتها مع الغرب وحلف شمال الأطلسي، إلا أنها قد تتمكن من التأثير على مصالح روسيا في جنوب القوقاز، لكن لا يجب أن يخفى على احد بأن لديهما اعتبارات سياسية وأمنية مع بعضها البعض، وتعمل موسكو أيضاً على إدارة علاقاتها مع باكو من خلال مبادرات جديدة، وعدم إضافة مشاكل إقليمية ودولية جديدة إلى القضايا السابقة بينهما. ولعل إحدى هذه الطرق هي استخدام قدرة جمهورية أذربيجان لمواصلة تصدير الغاز إلى أوروبا.

و بيّنت عابدي أن نقل الغاز الروسي إلى جمهورية أذربيجان هو خطوة للسيطرة على مستوى التوتر من جانب جميع الأطراف ويشتمل أيضاً على تداخل المصالح التكتيكية، حيث قالت: يحاول الأوروبيون استخدام آليات وأساليب مختلفة للتعامل مع روسيا حتى لا يظهرون بمظهر الضعيف أمامها.

و وفقًا لما صرحت به المحللة للشؤون الروسية، يبدو أن العملية التخريبية التي حدثت ضد خطوط نقل الطاقة الروسية إلى أوروبا كانت محاولة لإضعاف روسيا، ولزيادة رغبة موسكو في مبادرة واتفاق جديد آخر مع أوروبا و لتقدم موسكو تنازلات على طاولة المفاوضات.

من جانبها تستفيد روسيا أيضاً من الفرص المتاحة، حيث قامت بالترحيب بمركزية الطاقة لتركيا، مرسلة رسالة إلى أوروبا وأمريكا مفادها أنه لا يزال بإمكانهما الحفاظ على العلاقات الاقتصادية فيما بينهما بطريقة أخرى.

المصدر: الوفاق خاص