بعد خمس سنوات من التهجير والإجرام بحقّهم..

الروهينغا.. بين جحيم ميانمار ومستنقع المخيّمات

دعوات لوضع استراتيجية دولية منسقة لمساءلة نظام ميانمار وسط تقاعس أممي مفضوح..

2022-12-18

قالت “هيومن رايتس ووتش” إن المسلمين الروهينغا ما زالوا ينتظرون العدالة وحماية حقوقهم بعد خمس سنوات من بدء جيش ميانمار حملة كاسحة من المذابح، والاغتصاب، والحرائق المتعمدة في ولاية راخين الشمالية في 25 أغسطس/آب 2017. فر أكثر من 730 ألفا من الروهينغا إلى مخيمات متردية ومعرضة للفيضانات في بنغلاديش، بينما لا يزال حوالي 600 ألف تحت الحكم القمعي في ميانمار.

لم يُحاسب أحد على الجرائم ضد الإنسانية وأعمال الإبادة الجماعية المرتكبة ضد سكان الروهينغا. يجب أن تدفع هذه الذكرى الحكومات المعنية إلى اتخاذ إجراءات ملموسة لمحاسبة جيش ميانمار وتأمين العدالة والسلامة للروهينغا في بنغلاديش وميانمار وباقي المنطقة.

*حوادث قتل واغتصاب ممنهجة

وقالت إيلين بيرسون، مديرة آسيا بالإنابة في هيومن رايتس ووتش: “ينبغي للحكومات إحياء الذكرى السنوية الخامسة للحملة الكاسحة ضد الروهينغا من خلال استراتيجية دولية منسقة للمساءلة والعدالة تعتمد على معطيات الروهينغا. ينبغي للمانحين دعم لاجئي الروهينغا للدراسة والعمل بحرية وأمان ليتمكنوا من بناء مستقبل مستقل ومعتمد على الذات”.

منذ أغسطس/آب 2017، قابلت هيومن رايتس ووتش مئات الروهينغا في بنغلاديش الذين فروا من فظائع جيش ميانمار. رووا تعرّض القرويين لحوادث قتل واغتصاب ممنهجة من قبل الجنود قبل إحراق منازلهم. إجمالا، قتلت قوات الأمن الآلاف وأحرقت قرابة 400 قرية. انضم الفارّون إلى بنغلاديش المجاورة إلى مئات آلاف اللاجئين الذين فروا من موجات سابقة من العنف والاضطهاد.

*من جحيم ميانمار الى مستنقع المخيّمات

وقال عبد الحليم (30 عاما)، وهو لاجئ من الروهينغا في بنغلاديش: “عاملتنا سلطات ميانمار بوحشية. أحرقوا منازلنا، واغتصبوا أمهاتنا وأخواتنا، وأحرقوا أطفالنا. لجأنا إلى بنغلاديش هربا من تلك الوحشية. أعيش الآن في مخيم كوتوبالونغ منذ خمس سنوات”. حمل عبد الحليم والدته المريضة للغاية على ظهره عندما فرّا من ميانمار في 2017. توفيت بعد فترة وجيزة من وصولها إلى بنغلاديش.

يواجه الروهينغا الباقون في ولاية راخين انتهاكات ممنهجة ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية متمثلة في الفصل العنصري، والاضطهاد، والحرمان من الحرية. هم محاصرون في مخيمات وقرى دون حرية التنقل، ومحرومون من الحصول على حاجتهم من الغذاء، والرعاية الصحية، والتعليم، وسبل العيش.

قال عبد الحليم: “منذ كنا أطفالا في ميانمار، لم نمتلك أي حرية مطلقا. كانوا يقولون لي “نوا كالار” [إهانة للمسلمين]، لتشبيهنا بالحيوانات.”

*قرارات جائرة

يُحرم الروهينغا فعليا من الجنسية بموجب قانون الجنسية في ميانمار لعام 1982، ما يجعلهم عديمي الجنسية. تعود جذور فظائع 2017 إلى عقود من قمع الدولة والتمييز والعنف. وقالت حسينة هاتو (40 عاما): “في ميانمار، عانينا طوال حياتنا. عندما ربينا الماعز، أخذ حرس الحدود الماعز. عندما ربينا الماشية، أخذوا الماشية. عندما زرعنا حقول الأرز، أخذوا الأرز”. توفي والد حسينة بعد سقوطه على منحدر موحل أثناء فرارهم في 2017.

في بنغلاديش، يعيش حوالي مليون لاجئ من الروهينغا في مخيمات مترامية الأطراف، ومكتظة في كوكس بازار وجزيرة باسان تشار المعزولة. طوال خمس سنوات، احترمت حكومة بنغلاديش المبدأ الدولي لعدم الإعادة القسرية، وحق اللاجئين في عدم العودة إلى بلد تتعرض فيه حياتهم أو حريتهم للتهديد.

*صعوبات في بلد اللجوء

إلا أن سلطات بنغلاديش كثّفت مؤخرا القيود على سبل العيش، والحركة، والتعليم ما جعل العديد من اللاجئين يشعرون بعدم الترحيب والتهديد. أغلق المسؤولون المدارس التي يقودها المجتمع المحلي، ودمروا المتاجر تعسفا، وفرضوا عقبات جديدة على السفر. وقال عبد الحليم: “إذا حُرم أطفالنا من التعليم هنا في بنغلاديش أيضا، فعندئذ أينما ذهبنا، سنظل مضطهدين”.

ونقلت سلطات بنغلاديش نحو 28 ألفا من الروهينغا إلى باسان تشار، حيث يواجهون قيودا شديدة على التنقل، ونقصا في الغذاء والدواء، وانتهاكات من قبل قوات الأمن. رغم تدخل “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”، ما يزال الكثيرون يُنقلون دون موافقة كاملة ومستنيرة، ومُنعوا من العودة إلى داخل بنغلاديش. قالت هيومن رايتس ووتش إن على سلطات بنغلاديش رفع القيود الجديدة وإنهاء عمليات الترحيل القسري للاجئين.

*خطة الاستجابة المشتركة

تلقّت “خطة الاستجابة المشتركة” لعام 2022 لأزمة الروهينغا الإنسانية ربع التمويل المطلوب البالغ 881 مليون دولار أمريكي. ينبغي للمانحين بمن فيهم الولايات المتحدة، وبريطانيا، و”الاتحاد الأوروبي”، وأستراليا زيادة التمويل لتلبية الاحتياجات الهائلة للاجئين لمساعدة بنغلاديش في دعم الروهينغا والمجتمعات المضيفة.

وجددت حكومة بنغلاديش والطغمة العسكرية في ميانمار النقاشات حول إعادة الروهينغا، وأعلنتا في يناير/كانون الثاني عن خطط مشتركة لـ “استكمال عملية التحقق بسرعة”. فشلت محاولتان سابقتان للإعادة، في ظل عدم رغبة لاجئي الروهينغا في العودة بسبب الاضطهاد والانتهاكات المستمرين في ميانمار. أعلنت ميشيل باشليه، مفوضّة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان المنتهية ولايتها، في 17 أغسطس/آب، عقب زيارة إلى كوكس بازار، أن “الوضع الحالي وراء الحدود يعني أن الظروف ليست مناسبة للعودة”. وقال محمد أياز (21 عاما): “نريد العودة إلى ميانمار، لكننا نريد العدالة لنعود هناك..

يُحتجز آلاف اللاجئين من الروهينغا إلى أجل غير مسمى في ماليزيا، والهند، وتايلاند في مواقع احتجاز المهاجرين أو يعيشون دون دعم وحماية كافيين. وقالت هيومن رايتس ووتش إن الرد الدولي على عنف 2017 كان مجزأ ومتوقفا، حيث فضّلت الحكومات الدبلوماسية الهادئة التي لم تحقق سوى القليل من الإجراءات الاستراتيجية لممارسة ضغط حقيقي على الجيش.

*تقاعس أممي مفضوح

ينبغي لـ “مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة” إنهاء تقاعسه الناجم عن استخدام حق النقض (الفيتو) المتوقع من الصين وروسيا والتفاوض فورا على قرار لفرض حظر عالمي على الأسلحة على ميانمار، وإحالة الوضع إلى “المحكمة الجنائية الدولية”، وفرض عقوبات مستهدِفة على الطغمة العسكرية والتكتلات التجارية التابعة للجيش. وقال دبلوماسي أمريكي في خطاب ألقاه في اجتماع لمجلس الأمن في 2021: “ماذا ننتظر؟  كلما تأخرنا، زاد عدد القتلى. لا يفي هذا المجلس بمسؤوليتنا الجماعية عن حماية السلم والأمن الدوليين. وهو يخذل شعب بورما”.