على الرغم من عدم تبني أي جماعة مسؤولية هذه الهجمات، إلا أن السلطات الأمنية والخبراء يعتقدون أن الفروع المحلية لتنظيم داعش الإرهابي الإسلامية وراء هذه الهجمات. يستند هذا الاعتقاد إلى الواقع الذي مفاده أن منطقة مستونك شهدت مؤخرًا موجة من الهجمات الإرهابية المرتبطة بفرعين محليين لتنظيم داعش الإرهابي وهما: دولة خراسان الإسلامية ودولة الإسلام في باكستان. كما أشار المسؤولون إلى التغيير في تكتيكات الجماعات التابعة لتنظيم داعش الإرهابي في مستونك.
قال أحد المسؤولين الاستخباراتيين المتمركزين في كويته في مقابلة حديثة: “في السابق كان الوقت بين عمليتين طويلاً لكن هذه الفجوة بين الهجمات آخذة في التقلص”. في 14 سبتمبر، تبنى تنظيم داعش الإرهابي مسؤولية تفجير استهدف موكبًا لحزب جماعة علماء الإسلام – فرع فضل الرحمن، وهو حزب إسلامي، في منطقة جوتو بمستونك. أسفر الهجوم عن إصابة 11 شخصًا بينهم السيناتور السابق للحزب حافظ حمد الله. كما تبنى التنظيم مسؤولية قتل أحد مسؤولي لافيس وإصابة شخص آخر في منطقة بس آدا في 7 سبتمبر. قبل أيام قليلة من ذلك الحادث في 26 أغسطس، تبنى مسؤولية هجوم على شرطي بالقرب من مخفر شرطة ولي خان. وفي 12 أغسطس، تبنى التنظيم مسؤولية هجوم وقتل شرطي في منطقة كنك.
تنظيم داعش الإرهابي في باكستان
في أوائل عام 2015، أنشأ زعيم تنظيم داعش الإرهابي فرعًا لأفغانستان وباكستان يُعرف باسم ولاية خراسان. على عكس أفغانستان، ينقسم شبكة تنظيم داعش الإرهابي في باكستان إلى مجموعتين من الجماعات شبه العسكرية. تتكون المجموعة الأولى من المقاتلين السابقين في طالبان باكستان والبعض منهم سلفيون أو لديهم ميول طائفية معادية للشيعة.
وهم يأتون في الغالب من مناطق مختلفة في خيبر بختونخوا، بما في ذلك باجور وأوركزئي وكوهات وجنوب وزيرستان. أما المجموعة الثانية فتتألف من مقاتلين من جماعة لشكر جهنكوي المحظورة، وهي جماعة مسلحة معادية للشيعة، ويأتون في الغالب من مناطق بلوشستان ومستونك وكويته ونوشكي وخزدار بالإضافة إلى أجزاء من شمال السند. في مايو 2019، أنشأ زعيم تنظيم داعش الإرهابي فرعًا جديدًا يسمى دولة الإسلام في باكستان. كان الهدف الرئيسي من إنشاء دولة خراسان الإسلامية التركيز على أفغانستان، وكان من الضروري إنشاء جماعة جديدة للتركيز على باكستان.
استطاعت هذه الجماعة الجديدة اكتساب مصداقية مقبولة من خلال تجنيد مقاتلين باكستانيين نشطين، وخاصة من طالبان باكستان ولشكر جهنكوي، وتمكنت من تمييز نفسها جغرافيًا عن دولة خراسان الإسلامية. ومع ذلك، في عام 2021، أُعيد تنظيم معظم مقاطعة خيبر بختونخوا الباكستانية تحت إدارة دولة خراسان الإسلامية، والتي كانت سابقًا تحت إدارة دولة الإسلام في باكستان، لتتلقى أوامرها مباشرة من القيادة العليا لتنظيم داعش الإرهابي.
لشكر جهنكوي من البنجاب إلى بلوشستان
خلال تسعينيات القرن الماضي، وبالتزامن مع تصاعد قمع الجماعات التكفيرية من قبل شرطة البنجاب، فرّ العديد من مسلحي لشكر جهنكوي إلى ملاجئ أنشأها زعماء دينيون محليون ومدارس دينية تابعة لجيش الصحابة الباكستاني في مناطق مختلفة من بلوشستان، وخاصةً في مستونك وكويته ونوشكي. تكشف المقابلات مع الزعماء الدينيين والصحفيين في مستونك أن مسلحي لشكر جهنكوي، الذين فروا في الغالب من البنجاب، طوروا هيكلًا تنظيميًا مُعاد بناؤه لهذه الجماعة الإرهابية في مناطق بلوشستان مثل مستونك وكويته ونوشكي وكلات.
استخدموا خطابًا معاديًا للشيعة لتحريض المسلحين المحليين على استهداف المجتمع الشيعي الهزارة في كويته، وكذلك أثناء رحلاتهم إلى إيران للزيارات الدينية، وخاصة على الطريق السريع الرئيسي في مستونك. قال طارق برويز الذي قاد قمع الجماعات الطائفية في البنجاب كرئيس لإدارة المعلومات الجنائية في تسعينيات القرن الماضي لـ “إقبال”: فرّ عدد كبير من مسلحي لشكر جهنكوي من القمع إلى بلوشستان وكراتشي وأنحاء أخرى من البلاد.و أضاف برويز، الذي يشغل أيضًا منصب رئيس السلطة الوطنية لمكافحة الإرهاب: إن كويته والمناطق المجاورة لها بيئات مثالية للمسلحين وغيرهم من الجماعات الجهادية لأنها تضم العديد من المدارس الدينية التي يديرها شركاؤهم الإيديولوجيون وتوفر لهم سهولة الوصول إلى أفغانستان. كان أول هجوم كبير لـلشكر جهنكوي على الهزارة في كويته في يوليو 2003 عندما دخل ثلاثة رجال مسلحين إلى ضريح أثناء صلاة الجمعة، وقتلوا 53 شخصًا وأصابوا 57 آخرين.
منذ منتصف عام 2015، كان لشكر جهنكوي في بلوشستان يعمل كمنظمة مستقلة مع العديد من الجماعات شبه العسكرية الوطنية وفوق الوطنية، بما في ذلك حركة طالبان باكستان، القاعدة، تنظيم داعش الإرهابي حديث التأسيس.
من لشكر جهنكوي إلى تنظيم داعش الإرهابي
كان المفتي هداية الله، وهو زعيم ديني مرتبط بجماعة صحابة باكستان، أحد الأعضاء المؤسسين للشكر جهنكوي في مستونك. كانت مدرسته هناك تُستخدم كملاذ للمسلحين من لشكر جهنكوي بعد هجومهم على المجتمع الشيعي الهزارة في مستونك وكويته.
بعد حادثة كويته، شهدت مستونك زيادة في الهجمات ضد أفراد المجتمع الهزارة. في سبتمبر 2011، أوقف مسلحون حافلة في لاكباس بالقرب من مستونك، وأمروا الركاب بالنزول منها، ثم أطلقوا النار على كل من تبين أنهم من الشيعة، مما أسفر عن مقتل 26 شخصًا وإصابة ستة آخرين. في السنوات التالية، استُهدفت حافلات تقل أفرادًا من المجتمع الشيعي الهزارة في طريقهم للزيارة إلى إيران بهجمات انتحارية أسفرت عن مئات الضحايا. في عام 2016، دمرت الأجهزة الاستخباراتية مدرسة هداية الله بسبب إيوائها لإرهابيي لشكر جهنكوي، كما قُتل إرهابيان في اقتحام لمنزله.
ومع ذلك، بعد مقتل عثمان سيف الله كرد، أحد قادة لشكر جهنكوي، في تبادل لإطلاق النار مع الأجهزة الأمنية على طريق سارياب كويته في فبراير 2015، ضُعف لشكر جهنكوي وانشق. في هذا الوضع غير المستقر، التحق هداية الله ومجموعته بتنظيم داعش الإرهابي في خراسان بعد أشهر قليلة من مقتل سيف الله كرد. استفاد تنظيم داعش الإرهابي من انضمام المسلحين المدربين من لشكر جهنكوي، ونفذ هجمات في بلوشستان. استهدف التنظيم كلية تدريب الشرطة في كويته مما أسفر عن مقتل 61 طالبًا من طلاب الشرطة. وفي هجوم وقح آخر، استهدف انتحاري مرقد الصوفي المقدس شاه نوراني في منطقة خزدار مما أسفر عن مقتل 52 شخصًا وإصابة 102 آخرين من الأبرياء.
كما تبنى تنظيم داعش الإرهابي الهجوم الانتحاري عام 2018 على تجمع انتخابي أسفر عن مقتل 140 شخصًا بينهم سراج رئيسي السياسي المؤيد للحكومة وإصابة العشرات. سمح تنظيم داعش الإرهابي في بلوشستان أيضا لعدة جماعات معادية للشيعة في المناطق المجاورة مثل حافظ بروهي بالانضمام إليه. عندما قُتل هداية الله على يد الأجهزة الأمنية في عملية إطلاق نار في منطقة كلات عام 2018 ، تبين أنه كان يترأس تنظيم داعش الإرهابي في بلوشستان.
بعد مقتل هداية الله، نشر تنظيم داعش الإرهابي في مجلة النبأ سيرته الذاتية. يقول شهزادة ذوالفقار، وهو صحفي مقيم في كويته يحلل الوضع الأمني في المنطقة: “في بلوشستان، إنهم نفس أعضاء لشكر جهنكوي الذين يستخدمون الآن منابر تنظيم داعش الإرهابي. كما قال إن تنظيم داعش الإرهابي كان مسؤولاً عن اختطاف وقتل مواطنين صينيين في كويته عام 2017. وفقًا لـ ذوالفقار، على الرغم من ادعاءات السلطات الأمنية وأجهزة إنفاذ القانون بالقضاء على العديد من القادة والعناصر الرئيسية في الجماعة، لا تزال مستونك والمناطق المحيطة بها تشهد هجمات لا يمكن السيطرة عليها. في عام 2021، اندمجت مجموعة من لشكر جهنكوي بلوشستان، التي تطلق على نفسها جناح سيف الله كرد، تحت قيادة قائدها الجديد خوشي محمد مع حركة طالبان باكستان.
*التنظيم الإرهابي يهدف إلى إثارة الفتنة
بينما تستهدف الفروع المحلية لتنظيم داعش الإرهابي المجتمعات الشيعية، فهي تهاجم أيضًا أتباع مذهب البريلوي بالإضافة إلى قادة وأنصار فرع فضل الرحمن من جماعة علماء الإسلام، والمسؤولين الحكوميين و الأجهزة الأمنية، وأتباع التقاليد الصوفية مثل الجماعة الذكرية. يشير استهداف مسيرة 12 ربيع الأول إلى أن الفروع المحلية لتنظيم داعش الإرهابي في المنطقة تسعى، بناءً على تعليمات من تنظيم داعش الإرهابي، إلى إثارة الصراعات الطائفية من خلال استهداف الأقليات الدينية مثل الشيعة والبريلويين والذكريين، سعيًا للسيطرة وتعزيز نفسها في المنطقة.
من الجدير بالذكر أن تنظيم داعش الإرهابي-خراسان أصدر في عام 2021 بيانًا شبه مفصل اتهم فيه البريلويين في باكستان بالتحالف مع طالبان والصوفيين. كما ذُكر في البيان المولوي هيبة الله أخوند زاده كأحد أنصار المذهب الصوفي وانتُقد بشدة. ويُعتبر البريلويون اليوم إلى جانب الشيعة من الأهداف الرئيسية لتنظيم داعش الإرهابي في باكستان. فهم يهاجمون الأضرحة الصوفية في بلوشستان والسند، ويستهدفون قادة المذهب البريلوي في بيشاور وأتباع التقاليد الصوفية في مستونك. يقول محمد إسرار مدني، باحث مقيم في إسلام أباد ومختص في الحركات الإسلامية: “استهدفت الجماعة الأضرحة الصوفية في بلوشستان والسند، وقتلت قادة البريلويين في بيشاور وممارسي التقاليد الصوفية في مستونك في الماضي القريب”.
و الجدير بالذكر أن لشكر جهنكوي تبنى التفجير الانتحاري في حديقة نشتر بكراتشي عام 2006 الذي أودى بحياة أكثر من 50 شخصًا بينهم كبير زعماء البريلويين. يسعى تنظيم داعش الإرهابي من خلال تخطيط مثل هذه الهجمات إلى زيادة الاحتكاك الطائفي والصراعات المذهبية في باكستان، حيث يدرك أنه يمكنه تحقيق أهدافه الوحشية بسهولة أكبر في مثل هذه الظروف الملوثة.
أ.ش