في7 تشرين الأول 2023، بدأت أحداث “طوفان الأقصى”. وعلى الفور اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي، إذ تأخر الإعلام الكلاسيكي عن التحرّك كعادته. ووقف الغرب الى جانب الصهاينة، يتبنّى روايتهم بالكامل، حتى مع اتساع رقعة المجازر التي بدأ العدو بعد أيامٍ بتنفيذها. سرعان ما بان الشحّ الثقافي والمعرفي الذي تعانيه المجتمعات العربية، فضلاً عن غيابٍ مدقع وحزين للشخصيات “المؤثرة” من فنانين وإعلاميين وكتّابٍ وصحافيين عن الإدلاء بأي موقف يدعم القضية والشعب الفلسطيني الذي كان يذبح أمامهم بصمت.
فجاء دور رواد السوشيال ميديا المقاومون ينتفضون تضامناً مع غزة بـ “طوفان الأقصى”، فمنذ إطلاق عملية “طوفان الأقصى”، التي أعلنت عنها كتائب القسام وفصائل المقاومة الفلسطينية، تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي في ايران والدول العربية بشكل واسع مع الأحداث في الأراضي المحتلة وتطوراتها وتداعياتها.
وعبر منصة إكس، تصدرت هاشتاغات طوفان الأقصى، الكيان الصهيوني يحتضر، مزارع شبعا، غزة تحت الهجوم، كتائب القسام الترند في جميع الدول العربية.
طوفان الأقصى
جاء هاشتاغ، طوفان الأقصى، في الصدارة، ليصبح الأعلى تداولا، لأكثر من 4 ساعات، بأكثر من 2.5 مليون منشور، معبرا عن أهمية العملية، والمكاسب التي حققتها، ونجاحها في اختراق العمق الصهيوني.
ونشر حساب آخر، يحمل اسم أرسلان، مقطع فيديو يظهر نجاح عملية طوفان الأقصى في حصار مناطق تابعة لقوات الاحتلال، ويظهر الفيديو حصار آخر منطقة عسكرية تابعة لجيش الاحتلال.
كتائب الشهيد
تصدر هاشتاغ كتائب الشهيد موقع إكس، ضمن الموضوعات الأكثر تداولا، منذ إعلان كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس، استمرار قتالها العنيف في المستوطنات المحاذية لقطاع غزة ضد جيش الاحتلال الصهيوني، ونشر المستخدمون مقاطع فيديو تظهر القدرات القتالية لكتائب القسام ضد قوات الاحتلال.
غزة تحت الهجوم
أيضا تصدر هاشتاج غزة تحت الهجوم، في محاولة لرصد الانتهاكات التي يتعرض لها السكان والأهالي في مدينة غزة، جراء العدوان الصهيوني الذي شنّه جيش الإحتلال.
وأظهرت الصور، حالة الدمار الشامل التي تعرضت لها مباني غزة، والخسائر الكبرى في الأرواح فضلا عن مئات القتلى في صفوف الفلسطينيين.
مناصرة الشعب الفلسطيني
لم يحمل غسان كنفاني طوال حياته بندقية، لكنه حمل قلماً، وهذا وحده كان كافياً ليكون مؤثراً إلى الدرجة التي جعلته يكتب نهاية حياته بالقلم الذي قاوم به. يهزأ بعضهم بحالة النفير العام التي تسود وسائل التواصل الاجتماعي من مشاعر تعاطف ومؤازرة يشهدها العالم لمناصرة القضية الفلسطينية.
فرواد السوشيال ميديا ومواقع التواصل الإجتماعي الأحرار يقولون: ربما لن نحرر القدس بكتابة مشاعر التعاطف والمناصرة في فضائنا الأزرق، وباستبدال صورنا في المطاعم الفخمة على إنستغرام بصور العلم الفلسطيني، وبإضاءة بعض الرموز العمرانية المشهورة بعلم فلسطين، ولكن يكفينا أن نُسجل موقفاً، ويكفينا أننا قلنا عبر هذا التعاطف كلمة حقٍّ، لا بل علينا قول كلمة الحقّ، وخلقنا حالة من البلبلة في صفوف الكيان، ما دفع أنصاره إلى القيام بحركة مشابهة لكسب التعاطف اتجاهه لكن من دون جدوى تُذكر.
تجاوزات حقوق الإنسان، والإجرام الذي ارتكبه الكيان بحقّ الإنسانية والطفولة لا يخفى على أحد، وعلى مرّ العصور لم يستطع أحد أن يُخفي الشمس بيده، وكذلك الحق، لن تستطيع محاولات العدوان المستمرة في التضليل الإعلامي وإخفاء الحقائق، أن تخفيه يوماً. لذا لنستمر نحن في توثيق تجاوزات وانتهاكات المحتل ونشرها على أوسع نطاق كي نكتب التاريخ بقلمنا لا بسلاح المحتل.
بالعودة إلى حالة التعاطف التي شهدتها مواقع التواصل الاجتماعي وكانت أشبه بالطوفان الذي أيّد “طوفان الأقصى” واحتفى بانتصاراته، وأوضح للعالم أجمع أننا قادرون على استرداد الحق، كان أشبه بأدب المقاومة الذي تحدث عنه الأديب الفلسطيني غسان كنفاني الذي يعتبر واضع هذا المصطلح والمؤسس له.
خوف الإحتلال من الكلمة
وفي سياق الخوف من الكلمة وأثرها العميق في تحريك ضمير الأمم، والمساهمة في تحرير الأرض بفعالية لا تقل عن فعالية السلاح، نجد أن الكيان الذي اغتال كنفاني في الثامن من تموز (يوليو) 1972 بعبوة ناسفة في سيارته، لم يتوقف عن تكرار جريمته الشنيعة بحق الكلمة وأصحابها وبطرق اغتيال وقتل وإجرامٍ مختلفة عن سابقتها. بدلاً من استخدام القلم في مواجهة القلم، استخدم الكيان الصواريخ لمواجهة الكلمة بقصف 33 مؤسسة صحافية وثّقتها نقابة الصحافيين الفلسطينيين في عشرة أيام من القصف الصهيوني على غزة، عدا عن الأضرار التي لحقت بأكثر من سبعين صحافياً في قطاع غزة، إضافةً إلى تسجيل نحو مئة انتهاك بحق صحافيين فلسطينيين أثناء توثيقهم الانتهاكات التي جرت في الضفة الغربية والقدس… هذه الأمثلة وغيرها تُثبتُ خوف الاحتلال من الكلمة وأثرها في قلب الموازين، وتغليب الرأي العام باتجاه كفة الحقّ. لذا نجد أنّ محاولة انتهاك أمن الصحافيين وتدمير مؤسساتهم وقتلهم وكسر أقلامهم هي جزء لا يتجزأ من خطة الاحتلال في انتهاك الحقوق وسلب الحريات.
ثقافة المقاومة
لذا فإن الشكل الثقافي للمقاومة لا يقلُ أهميةً عن المقاومة المسلحة، وهما عاملان مترافقان يكمل أحدهما الآخر. يمكن القول إن ما نكتبه أو لوحات فنية ننشرها على صفحاتنا على وسائل التواصل هو بمثابة تسجيل موقف ثقافي وفكري وحتى موقف مقاوم في مواجهة المحتلّ الظالم وأعوانه، وإن تجربة المقاومة الحديثة هذه التي تحاكي روح العصر الحالي وتطوّر حربه الإعلامية تتمثل في إذكاء مفاهيم وقيم الانتماء والهوية والحرية، وكل تجارب الدفاع عن الحياة الفضلى التي تُعلي من شأن الإنسان.
لذلك نلاحظ أن توأم الكلمة في هذه التجربة المؤثرة هو الوعي الذي يُشكل أهمية بالغة في طرق تكوين الموقف المؤثر، ثم العمل على تحويله إلى طاقة قادرة على التحريك في سياق هذه المواجهة المحتدمة.
وهكذا نجد أنّ الكلمة لها أثر في هذه الحرب لا يقلُ أبداً عن أثر البندقية. لذا علينا ألا نبخل في نشر كلماتنا المساعدة والمساندة لأهلنا في فلسطين حتى نتمكن من الاستمرار في المحافظة على كوننا أصحاب حق استطعنا لفت أنظار الرأي العام إلى قضيتنا الأولى.
صوت فلسطين إلى العالم
كان السابع من أكتوبر 2023 مفصلياً في مسيرة اللبنانيين حسن هاشم وعبد الله سعادة وحسن رعد. هؤلاء الانفلونسرز الذين استقطبوا الملايين عبر المحتوى الذي يقدّمونه البعيد كل البعد عن القضايا الكبرى، انخرطوا في معركة الوعي والدفاع عن القضية الفلسطينية في الفضاء الافتراضي.
بدا أن هناك جيلاً جديداً من حملة اللواء في الدفاع عن القضايا العربية: المؤثرون الاجتماعيون (إنفلونسرز). قد يراه بعضهم غريباً، لكن هؤلاء الشباب اختاروا أن يقفوا مع شعوبهم، ولو كان الثمن إغلاق حساباتهم التي بذلوا سنواتٍ حتى وصلت إلى ما هي عليه.
صنّاع المحتوى اليوم ينقسمون إلى قسمين. قسم يحمل رسالة، وحكماً يكون صاحب مبدأ. أما النوع الآخر فهو مجرد شخص سطحي يريد أن يصبح انفلونسر لأن غرضه هو الشهرة. بعد الذي حدث ويحدث في غزّة وفلسطين؛ يجب أن تأخذ موقفاً. هذا الحدث الكبير يستدعي أن نأخذ موقفاً. أنت كمؤثر، يجب أن تعي قيمة هذه الكلمة ومعناها. أنت تؤثر على الناس، بمعنى أن هؤلاء الذين يتابعون صفحتك، قد يكون عددهم مليوناً، مليونين، ثلاثة، اقتنعوا بما تقوله، وصرت بمثابة قدوةٍ بالنسبة إليهم. لذلك، فالصمت في هذا المكان وأمام هذه القضية عيب وعار يشير حسن هاشم، صانع المحتوى، واليوتيوب الذي يبلغ عدد متابعيه أكثر من خمسة ملايين.
وكذلك يعرف كثيرون عبد الله سعادة باسم صفحته “ترول طرزان”. شكله وحركته وشخصيته الحيوية، أفادته كثيراً في تقديم محتوى قائم على السياحة والتعريف بالمناطق السياحية غير المعروفة في لبنان. سرعان ما بدأ سعادة يطلق فيديوات تدعم القضية الفلسطينية مع بدء عملية “الطوفان”. ربما كان غريباً أن يحوّل سعادة محتوى صفحته إلى محتوى داعم للقضية الفلسطينية بين ليلةٍ وضحاها. يقول: “أريد أن أكون شخصاً جيداً”. بهذه المباشرة والبراءة يقول سعادة عن السبب الذي دفعه إلى تبنّي موقف مناصر لفلسطين.
من جهة أخرى لا يقدّم حسن رعد محتوى ملتزماً بقضية معينة. تشتمل صفحته على محتوى خفيف و”كاريكاتيرات” يصنعها الشاب اللبناني بمهارة كبيرة، ولكن ما حدث في فلسطين دفعه إلى الكلام منذ اللحظة الأولى: “استيقظت من النوم، علمتُ بما حدث. نظرت إلى نفسي، ماذا أستطيع أنا كصانع محتوى أن أقدّم، وكيف يمكنني أن أساعد؟ فهمت أنّ عليّ توظيف كل إمكاناتي في خدمة هذه القضية”.
كذبوا عليكم
“احذفوا ما شئتم، هكذا كذبوا عليكم!” هو عنوان الفيديو الذي نُشر في 27 تشرين الأل عبر اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي. شارك في صناعة الفيديو عددٌ من صنّاع المحتوى اللبنانيين: ميساء عطا الله، زينب مرعي، حسن رعد، عبد الله سعادة، عبد الرحمن بوشية، بلال حداد، حسن هاشم، وبالاشتراك مع مدير التصوير علي قميحة، فيما أخرجه محمد الدايخ، وتولّت مونتاجه سارة صفي الدين. تناول الفيديو كيفية خداع وسائل الإعلام الغربية العالم من أجل دفعه إلى التضامن مع كيان الاحتلال. الفيديو دفع كلفته بالكامل هؤلاء الشباب، ولم يتقاضوا أي بدلٍ مادي عليه، وصوروه في أحد مباني وزارة الثقافة بالتعاون مع وزير الثقافة الحالي القاضي محمد وسام مرتضى.
وأخيراً يمكننا القول أن رواد السوشيال ميديا المقاومون لا يتركون الساحة ويقومون بمناصرة غزة ومواجهة تزييف الإعلام الغربي بكل ما لديهم.
أ.ش