الدكتور ياسر قزويني حائري للوفاق:

الثورة الدستورية الإيرانية …أثرت وتأثرت بالعالم العربي

قد تتأثر الظواهر الاجتماعية بمثيلاتها التي سبقتها، والثورة الدستورية كظاهرة اجتماعية ليست بعيدة عن هذا الأمر، فعلاقتها بمثيلاتها التي قد سبقتها هي موضع جدل بالنسبة للباحثين الإيرانيين

2022-12-20

الوفاق/ خاص/ عبير شمص

تُعد الثورة الدستورية الإيرانية التي بدأت شرارتها الأولى عام 1905 وانتهت عام 1911 من الأحداث المهمة التي تركت بصماتها الواضحة والمؤثرة في تاريخ إيران السياسي الحديث، إذ تميّزت هذه الثورة بالتلاحم الواضح بين فئات الشعب الإيراني المتمثلة برجال الدين والفئة المثقفة والفلاحين والعمال والأحزاب والعشائر، فضلاً عن التأييد الواسع الذي عبّرت عنه المواقف الدولية والإقليمية وخصوصاً مواقف الدول الإقليمية المجاورة لإيران والذي تميّز بمواقف رجال الدين والنخبة المثقفة في توجيه مسار حركة الثورة الدستورية الإيرانية، فضلاً عن مواقف مركز الدولة العثمانية في اسطنبول، والمواقف في مصر ولبنان وخصوصاً الموقف العراقي، الأمر الذي أعطى الثورة بُعداً شمولياً، انعكست أثاره فيما بعد على المنطقة بشكلٍ أو بآخر، للحديث عن هذا الموضوع التقت جريدة الوفاق عضو الهيئة التدريسية في جامعة طهران الدكتور ياسر قزويني حائري، وكان الحوار التالي:

 ما هي أهم المبادىء التي قامت عليها الثورة الدستورية وما هي أسبابها الداخلية والخارجية ومن هم أبرز قادتها وما هي أهم مطالبها وهل تحققت هذه المطالب وما هي أهم فئات المجتمع الإيراني التي شاركت بهذه الثورة؟

تنوعت المبادئ التي قامت عليها الثورة الدستورية في إيران، فنستطيع القول بأنه كان للجانب الإقتصادي والقضائي دورٌ كبير في تحشيد الناس بالأخص في بدايات الثورة، فنرى تصاعد المطالبة بما عُبر عنه بـ”عَدالت خانه” بادئ الأمر وهذا المفهوم كان يدل على المطالبة بالإصلاح القضائي في البلاد، إلاّ إنّ هذه المبادئ قد تحولت في خضم المسار التاريخي للثورة. كانت المطالبة بـ”عدالت خانه” من المبادئ التي طالب بها الثوار في ما يسمى بالهجرة الصغرى من طهران إلى ضريح السيد “عبدالعظيم الحسني” (رض) في منظقة “ري”(جنوب طهران)، وهذه القيادات كانت حينذاك مكونة من آية الله الطباطبائي وآية الله البهبهاني، إلا إنّ المبادئ قد تغيرت وتوسعت عندما هاجر المطالبون بالإصلاح إلى قم المقدسة فيّما يعرف بالهجرة الكبرى بعد تصعيد واضح من قبل الحكومة الإيرانية، فالهجرة الكبرى كانت إلى قم المقدسة وقد حصل تحول نوعي وكمي في عدد المشاركين وكذلك المطالب، وأثناء الهجرة الكبرى ازداد العدد ولم تقتصر الحشود على المطالبة بـ”عدالت خانه” بل تجاوزتها إلى المطالبة بإقامة مجلس شورى للبلاد. قد اختلف المؤرخون والباحثون فيما إذا كانت المطالبة بمجلس شورى هل هي كانت مبدئية أم قفزت من “قدر الرز” البريطاني كما اصطلح عند البعض، فبرزت هنا عدة مفاهيم منها الحرية والوطنية والديمقراطية وما شابه من المبادئ التي كانت تقوم عليها الثورات حينذاك.

أمّا بالنسبة لتحقق مطالب الثورة فنستطيع القول بأنها قد تحققت إلا إنّ الكثير من العوائق الداخلية والخارجية حالت دون إنجاز هذه العملية الإصلاحية التي قسمت التاريخ المعاصر الإيراني الى قبلها وبعدها. كما تنص الكتب التاريخية، فقد شارك العديد من سكان المدن آنذاك بالأخص الشباب وطلبة العلم والحرفيين بهذه الثورة.

 هل كانت هناك رؤى موحدة حول الثورة الدستورية، وإن اختلفت الآراء، وما هو سبب اختلاف الآراء وما هي النتائج النهائية للنقاش وللثورة الدستورية؟

بطبيعة الحال ليست هناك رؤى موحدة بشأن الثورة الدستورية فهناك كتّاب وباحثون كثر قد كتبوا ونظٌروا بهذا الشأن، ولكن نستطيع القول بسلوك الباحثين مسارين مختلفين بشأن الثورة الدستورية، فمنهم من ركّز على الدور البريطاني في دعم الثورة الدستورية الأمر الذي دفع البعض إلى شيطنتها من هذا المنظور، بينما هناك من اعتبرها ثورة نقية شعبية تهدف الخلاص من براثن الشاهنشاهية الإستبدادية إلى الفضاء الطلق والحر، فكل واحد من التيارات الفكرية يميل إلى قراءة تخدم رؤيته المبدئية، فالتيار الأصولي عادةً يميل إلى القراءة المؤامراتية والتيار الإصلاحي والوطني يميل إلى القراءة النقية والشعبية من الثورة الدستورية، والحوار بين الرؤى بل التحدي بينها لم تصل حتى الآن إلى نتيجة مرضية، ولكن يتفق الفريقان على أن الثورة الدستورية بالنهاية هي عملية غير مكتملة لأنها أنتجت حقبة من الدكتاتورية وهي حقبة رضاشاه.

ما هي تأثيرات أنشطة وأفكار السيد جمال الدين أسد آبادي وتلامذته على الثورة الدستورية؟

السيد جمال الدين الأسد آبادي هو رائد من رواد الإصلاح في العالم الإسلامي وتوفي قبل عشر سنوات من قيام الثورة الدستورية ولكن أفكاره وكتاباته أثّرت على الثوار وهناك كتب و دراسات جامعية ومقالات عدة قد فصّلت بهذا الشأن والکل یؤكد على أن السيد جمال أسد آبادي و برغم وفاته قبل عقد من الزمن من الثورة الدستورية إلا أن أفكاره المتحررة قد سبقت الثورة الدستورية وأثرت عليها بشكلٍ مباشر وغير مباشر.

 ما هو الدعم العربي والمرجعي للثورة الدستورية وماهي تداعياته على الساحة العربية والإسلامية؟

بدايةً علينا أن نعرف بأن الظواهر الاجتماعية قد تتأثر بمثيلاتها التي سبقتها، والثورة الدستورية كظاهرة اجتماعية ليست بعيدة عن هذا الأمر، فعلاقة الثورة الدستورية بمثيلاتها التي قد سبقتها هي موضع جدل بالنسبة للباحثين الإيرانيين، وقد احتدم صراع علمي في الآونة الأخيرة بشأن علاقة الثورة الدستورية في إيران بالثورة الدستورية في الإمبراطورية العثمانية، في حين نحن نعلم بأن الكثير من الأمور الحديثة جاءت إلى إيران عبر اسطنبول والقاهرة مثلاً و هما مدينتان رئيسيتان في الدولة العثمانية، إلا إنّ علاقة الثورة الدستورية الإيرانية بالثورة الدستورية العثمانية تحديداً أصبحت موضع جدال واسع في الآونة الأخيرة، وبالأخص بين العالم والأستاذ في العلوم السياسية الدكتور السيد “جواد طباطبائي” وهو من يعمل في مجال التنظير للفكر الوطني و القومي الإيراني من منظور أكاديمي – جامعي و لديه أنصار ومحبين في إيران وبين أستاذنا الدكتور “حسن حضرتي” الذي يعمل في مجال العلاقة الإيرانية العثمانية بالأخص في مجال العلاقة بين الثورة الدستورية الإيرانية والعثمانية، وخلاصة الصراع هو إن الدكتور حضرتي يؤكد على وجود علاقة قائمة بين الفكر الدستوري الإيراني والفكر الدستوري العثماني إلا إنّ السيد جواد طباطبائي ينفي مثل هذا الأمر ويؤكد على أن المبادئ الفكرية للثورة الدستورية أتت مباشرة من أوروبا وتحديداً بريطانيا. هذا من جهة ولكن من جهة أخرى كما أشرتم في سؤالكم كان هناك دعم وشرعية للثورة الدستورية من النجف الذي كان يُعد مركزاً للفكر والفقه الشيعي آنذاك، وكان “الآخوند الخراساني” الداعم الرئيسي للثورة من مدينة النجف الأشرف كما دعمها الشيخ ” محمد حسين النائيني” أيضاً، وقد ذاع صيت كتابه “تنبيه الأمة وتنزيه الملة” بين صفوف الثوار وهو من أهم ما كُتب عن الثورة الدستورية في إيران، إلا إنه من المعروف أنّ السيد “كاظم اليزدي” صاحب العروة كان من منتقدي الثورة الدستورية من النجف، فنستطيع القول بأن الثورة الدستورية في إيران امتدت إلى العراق وبالتحديد إلى مدينة النجف الأشرف كمركز تأخذ كل من التيارات المناصرة للثورة الدستورية وتلك المناهضة لها شرعيتها منه. وقد كتب السيد “هبة الدين الشهرستاني” والذي هو من العلماء الفاعلين في الساحة آنذاك بشكل تفصيلي عن الصراع بين أنصار ومعارضي الثورة في النجف الأشرف. من جانبٍ آخر أثرت الثورة الدستورية على الساحة العربية – الإسلامية كما تأثرت به، فهناك العديد من الكتاب العرب والمسلمين قد تأثروا بالثورة الدستورية منهم المنظر الشهير للسلفية “محمد رشيد رضا” الذي ثمن دور الثورة الدستورية في مقالٍ نُشر في مجلة المنار الشهيرة بعد التوقيع على مخرجات الثورة الدستورية في إيران من قبل مظفرالدين شاه، وأكد فيه على أن علماء الدين في إيران كانوا في مقدمة المطالبين بالثورة الدستورية كما أكد على إستقلالية المؤسسة الدينية في إيران عن الحكومات وعلى دور الإجتهاد الفقهي الذي أخذ مجالاً واسعاً في الفكر الشيعي في تشجيع طبقة العلماء وطلاب العلم الديني بالمطالبة بمبادئ الثورة الدستورية، كما أنه ومن منطلق ثنائية الإستبداد والشورى هاجم إستبداد الخليفة العثماني عبدالحميد الذي ألغى الثورة الدستورية في اسطنبول في وقتٍ قيام الثورة الدستورية في إيران، معتبراً حكومته الإستبدادية حكومة غير شرعية في وقت إتخذت إيران الشورى كمبدأ أساسٍ لسياستها.

الاخبار ذات الصلة