الاسرة.. والفكر الغربي التكفيكي

الوفاق/ خاص

نسرين نجم

مما لا شك فيه ان واقع العائلات قد تغيّر عما كان عليه في السابق نتيجة عوامل متعددة ومتغيرات متنوعة على كافة الصعد، ولم يكن هذا التغيير من الناحية الإيجابية بل على العكس شهدت الاسر ببعض المجتمعات العربية والاسلامية خضة في المنظومة القيمية ادت الى ضعضعتها، فقد دفعت بكل فرد منها الى تكوين عالمه الخاص بحيث سيطر عالمه الافتراضي على الواقعي، وجعلته ينسلخ عن الترابط والتضامن الاسري، وهذا ان عدنا الى اسبابه وتبعا للحيثيات والوقائع والتفكير الاستراتيجي الذي تعتمده قوى الاستكبار بتفكيك النواة الاساس في بناء المجتمع لتحكّم سيطرتها عليها، اذن تتوجه الاصابع اليها، سيما ان نظرنا نظرة مجتمعية لحال الاسر عند المجتمعات الغربية لوجدنا تفككا وانحلالا واضحين، نتيجة ما سمي بالحرية وهو بعيد كل البعد عن معناها الحقيقي، وهذه الحرية المزعومة عززت “الانا” بشكل مرضي على حساب “النحن” المترابطة المتينة التي تؤمّن للفرد شبكة امن وامان اجتماعي.

غياب القيم الانسانية القائمة على المودة والرحمة

الى جانب ذلك غياب القيم الدينية الانسانية القائمة على المودة والرحمة.. مثال بسيط تطالعنا الصحف والمواقع وفيديوهات اليوتيوب عن حالات كثيرة في الغرب وجدت متوفاة في منازلها لفترات طويلة دون ان يعرف عنها احد وتم اكتشافها من خلال الروائح الكريهة المنبعثة من داخل البيت.. اضف الى ذلك غياب التواصل والترابط الاسري فالشاب او الفتاة عندما يصلان الى عمر 18 سنة يسمح لهما بالاستقلالية، وعن اي استقلالية نتحدث؟ وهو لا يمتلك الحصانة والمناعة المتينة لمواجهة مغريات الحياة المتاحة امامه بكل انواعها… عدا عن ارتفاع حالات العنف الزوجي والقتل والاغتصاب والسرقات… اذن مجتمع منهار رغم كل الشعارات الطنانة الرنانة التي يعتمدونها امام الاعلام فقط…

بالمقابل نرى أنه رغم التعقيدات والتغييرات التي تشهدها الاسرة العربية المسلمة الا انها ظلت محافظة على قيمها، وهذا ما استفز الغرب وعمل عليه من خلال مخططات مدروسة وممنهجة تجذب العقول وتبني الشخصيات كما تريد هي، وذلك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، الاعلام، وعبر الكثير من الجمعيات والمنظمات الدولية التي تعمل لخدمة اهداف الاستعمار الفكري والثقافي، وكل هذا يصب في خانة تغيير نمط حياة الاسرة وطبيعة العلاقات بين أفرادها، وقلب الادوار المنوطة بكل فرد فيها… كيف؟

هم يعتبرون ويسوقون بأن الاسرة هي مكان للهيمنة والتسلط وسلب الحريات، وعدم تحقيق الذات، في حين ان ديننا الاسلامي الاصيل لا يوجد في أدبياته اي شيء من هذا، لا بالعكس هناك تركيز على الامان، البر، الرحمة، الصبر، التحمل، المودة والتضحية… تراهم يبحثون عن مجتمعات او بالاحرى بعض الامكنة في مجتمعات تدعي الايمان والاسلام الا انها تمارس ممارسات الجاهلية التي لا تمت لا الى الدين ولا الى الانسانية بأية صلة، فيستغلون هذا الامر ويسلطون الضوء عليه منطلقين من ان السلوك الأبوي لا يملك اي ميزة عاطفية اخلاقية انسانية، بل هو سلوك قائم على القهر والتخلف والاستبداد والاستعباد.. وحتى انهم لا يقدمون الحل بحال ان كانوا ما يدعونه صحيحا وهو بطبيعة الحال زائفا، لا بل يسعون فقط للفوضى المتشيطنة…

يبخسون عمل المرأة في المنزل ويصفون عملها كجارية

كذلك نجدهم يبخسون عمل المرأة في المنزل ويصفون عملها كجارية، بينما من يقرأ الاسلام المحمدي الاصيل نجده كم رفع من شأن المرأة ومكانتها وقدرها، حتى ان اي عمل تقدمه في البيت يمكنها ان تطالب ببدل اتعابها هذا ما نص عليه الشرع الاسلامي… هم لا يفهمون بأن المرأة في البيت توازي في عملها اكبر مسؤول في الحكومة كيف؟ لانها هي المربية، وهذا بحد ذاته من اخطر المهام فهل يعون ويعلمون معنى التربية؟ لا بل هي رئيسة الحكومة في البيت، وهي وزيرة الاقتصاد والمال والثقافة وحتى وزارة الداخلية من خلال الضبط المحبب اللطيف لسلوك اطفالها، فهي تعمل على انتاج افراد فاعلين منتجين في المجتمع، لذلك كان التركيز الدائم من قبل روح الله الموسوي الخميني (قده) على هذا الجانب فيقول: “إنكن ايتها النساء تحظين بشرف الامومة، وإنكن بهذا الشرف مقدمات على الرجال.. إن اول مدرسة يتعلم فيها الطفل هي حضن الام، الام الصالحة تربي طفلا صالحا، إن كلام الام وخلقها وأفعالها تترك تأثيرا في الاطفال… وسوف ينشأ هذا الطفل على تلك الاخلاق والافعال من خلال تقليده لامه والتي هي أسمى من يقلد”…

إيران قدمت انموذجا رائعا عن الاسرة الناجحة

هناك تفاوت بين بلد وآخر بموضوع الاسر مثلا اذا قمنا بمقارنة عن حال الاسر ما بين الجمهورية الاسلامية في ايران والمملكة العربية السعودية اول ما يمكن قوله شتان ما بين الثرى والثريا، هناك هوة كبيرة بينهما ففي السعودية هناك اغلب الاسر تعاني من الديكتاتورية الأبوية المريضة المبنية على أعراف جاهلية، تدفع بالابناء للتعلق بكل ما هو ممنوع انطلاقا من ان كل ممنوع مرغوب، بينما العكس نشاهده ونلاحظه في ايران فقد اولت الاسرة اهتماما وعناية كبيرين، وهذا ما يؤكد عليه  سماحة الامام السيد الخامنئي (دام ظله) نظرا لأهمية هذه النواة المجتمعية: “إذا كان كيان الاسرة متماسكا في بلد ما فإن المشاكل ولا سيما المشاكل الاخلاقية والمعنوية يمكن ان تحل ببركة الاسرة السليمة والمتماسكة او قد لا توجد مشاكل اصلا”.

اذن هناك استهداف للمفاهيم المتعلقة بالادوار الاسرية، ولكن بالمقابل هناك مجتمعات تعمل على مقاومة هذا الغزو التفكيكي الانحلالي للاسرة كإيران التي قدمت انموذجا رائعا عن الاسرة الناجحة الملتزمة المؤمنة قولا وفعلا، والتي طبقت الحرية بمعناها الحقيقي لا الزائف والديموقراطية الصادقة لا المتملقة..

لنصل للختام مع توصية من روح الله الموسوي الخميني(قدس): “أسركم يجب ان تكون مدارس لتعليم احكام الاسلام وتهذيب اخلاق الصغار، عليكم ان تقدموا صغارا مهذبين الى المعلمين، وعلى المعلمين ان يهذبوهم أكثر فأكثر”.